مقالات

قمة مسقط .. نحو تعزيز المشاريع المشتركة

على الرغم من أن المحرقة التي اقامتها الدولة “الإسرائيلية ” للصامدين في غزة الأبية، قد خطفت الانظار عن اي قضية عربية أخرى، وتصدرت قمة مسقط، التي تنعقد اليوم بالشقيقة سلطنة عمان، لتكون بالتالي الاعتداءات الاسرائيلية على غزة حاضرة بقوة، وعنوانا بارزا على اجندة القادة في دول المجلس في قمتهم التاسعة والعشرين، وان لم تغب اصلا القضية الفلسطينية عن أجندة اجتماعات مجلس التعاون منذ تأسيسه في عام 1981.  من المؤكد ان مذبحة غزة والمجازر الوحشية التي نفذها الكيان “الاسرائيلي” ستتصدر مباحثات قادة التعاون، الذين ما فتئوا يدعمون القضية الفلسطينية، واحتضانها وتقديم كل الدعم لها، إلا أن هناك ملفات اخرى هامة مدرجة على اجندة القادة، أبرزها الملف الاقتصادي والازمة المالية، التي تعصف بالعالم اجمع، ولم تستثن بالطبع دول المجلس، وهو ما يدعو هذه المنظومة للبحث عن استراتيجيات جديدة للتصدي لأي ازمة مستقبلية، واخذ العبرة من تداعيات هذه الازمة المالية العالمية، وان كانت دول المجلس قد امتصت جانبا كبيرا من تداعياتها بفضل الفوائض المالية المتوافرة لديها عن الفترة الماضية، التي شهدت خلالها اسعار النفط ارتفاعا، قبل أن تهوي الى الارض.  قمة مسقط ستكمل مسيرة قمة الدوحة، التي كان عنوانها الابرز الملف الاقتصادي، وشهدت ميلاد السوق الخليجية المشتركة، وهو ما يعني ان دول المجلس قد حسمت امرها تجاه تعزيز التكامل الاقتصادي فيما بينها بصورة اكبر واكثر جدية، بعد أن تخلصت من ملفات ساخنة في الماضي ربما اهمها ملف الحدود، حيث سويت ـ او هي في طريقها لذلك ـ دول المجلس هذا الملف عبر التفاوض الثنائي، وهو ما اسقط حملا ثقيلا كان يشكل في كثير من الاحيان عرقلة لمشاريع مشتركة او تعاونا ثنائيا فيما بينها.  يحسب لدول مجلس التعاون الخليجي انها حافظت على هذا الكيان على الرغم من العواصف العديدة التي ضربت هذا الاقليم ومازالت، فكان أن تصدى لها هذا الكيان الخليجي منذ تأسيسه، بدءا بالحرب العراقية ـ الإيرانية، وانتهاء باحتلال العراق، مرورا بقيام العراق بغزو دولة الكويت الشقيقة، التي هي عضو مؤسس في هذا الكيان، فكان أن وقفت دول المجلس وقفة رجل واحد، ولم تتخل عن الكويت وأهلها، الذين هم اهلنا وأحبتنا، فيما كيانات ومجالس عربية اخرى خرجت لكنها سرعان ما اضمحلت وتلاشت ـ او تكاد ـ ولم يكتب لها النجاح، دون أن تقدم شيئا لشعوبها.  استمرار وقوة مجلس التعاون الخليجي يصبان في صالح الامة العربية، فلا يمكن لهذه المنظومة الخليجية الانفكاك عن امتها الكبيرة.  وعلى الرغم من ان الازمة المالية قد تسببت بخسائر في الاقتصاد الخليجي ـ شأنه في ذلك شأن الاقتصادات العالمية الأخرى ـ إلا أن هذه الأزمة يفترض أنها تدفع لإعادة الحسابات الخليجية، والنظر بالاستراتيجية الاقتصادية التي تعتمدها دول المجلس، والبحث عن السبل الكفيلة التي تدفع نحو المزيد من التكامل الاقتصادي بين دول هذه المنظومة، التي تتمتع باقتصادات قوية، وتشهد نموا متسارعا، وهو ما يعني ضرورة حمياتها من اية ” فيروسات “قد تدخل الى الاقتصاد الخليجي قادمة من” رشح “اصاب الاقتصاد العالمي، وحماية اقتصادات دول التعاون من تداعيات اية ازمات مالية قد يشهدها النظام المالي العالمي .  صحيح ان العالم اليوم هو قرية واحدة، وهو ما يعني حدوث التأثير والتأثر، ولكن من المهم البحث عن كيفية تقليل الخسائر او التأثير السلبي للازمات العالمية على مستقبل اقتصادات دول المنطقة .  من بين الامور التي يتطلب المضي فيها قدما وبخطى سريعة هي الشراكة الاقتصادية بين دول المجلس بصورة اكبر مما هي عليه الآن، والدفع بإيجاد مشاريع تنموية وصناعية مشتركة و فاعلة بين دول المجلس، وتسهيل الاستثمار بين مواطني دول المجلس عبر ايجاد الحوافز وتسهيل الاجراءات والقضاء على البيروقراطية والروتين الذي قد يصاحب اجراءات القيام بأي استثمار في دول المجلس .  من المهم جدا ان يكون هناك تداخل اقتصادي بين دول هذه المنظومة، وان تتوسع دائرة الاستثمارات البينية، وان تضخ الفوائض المالية في استثمارات حقيقية داخل دول المجلس، تعزز البنية التحتية، وتفتح أسواقا جديدة، وتوجد فرص عمل للمواطنين، خاصة ان هناك زيادة سكانية متزايدة، وأيدي عاملة مواطنة تدخل الى السوق سنويا بأعداد كبيرة، مما يعني ايجاد فرص عمل لها، فإذا لم يتم انشاء مشاريع صناعية تدعم الاقتصاد الخليجي، فأين ستذهب دفعات الشباب الخليجي الذين بحاجة الى عمل؟  ولكن يجب الالتفات الى قضية هامة وهي الابتعاد عن المشاريع التماثلية في هذه الدول، بمعنى ألا تعمل كل دولة على ايجاد مصانع متشابهة بما هو موجود في الدولة الخليجية الأخرى، إنما تركز كل دولة على المزايا التي تتمتع بها، وتوجد مصانع تخدم تلك المزايا، حتى لا يحدث تماثل في المصانع والمشاريع، بل البحث قدر الامكان عن التكامل في هذه المشاريع .  نريد ان يشعر المواطن الخليجي بالمشاريع التي تقام في دوله، وانه يجني ثمار هذا التعاون في اسعار السلع التي يحتاجها في حياته اليومية، ونطاق عمله وفرص حضوره في القطاع الخاص، وفي تواجده بصورة سلسة وسهلة ودون تعقيد في اي عمل يريد القيام به، أو أي مشروع يريد الدخول فيه .  الازمة المالية العالمية نريدها ان تكون بداية لتصيح مسار الاقتصاد الخليجي نحو الأفضل، والبحث عن البدائل التي تتيح لاقتصادات دول المجلس النمو بصورة طبيعية، دون الاعتماد الكلي وبشكل يمثل “الحبل السري” المرتبط بالاقتصادات الأخرى، مع إيماننا بأنه لا يمكن الابتعاد أو الانفصال عن الاقتصاد العالمي، لكن لا نريد ان يتأثر الاقتصاد الخليجي بأي “هزة ” قد تحدث لتلك الاقتصادات.  وفي نفس الوقت نريد للجسم الاقتصادي الخليجي ان تكون لديه مناعة من اي “جراثيم” قد تصل اليه من الخارج، ويعرف كيف يتعامل معها، ويتصدى لها بكل قوة، لأنه مستند إلى أرضية صلبة.  شعوب دول المجلس تتطلع لاجتماعات القادة اليوم بكثير من الأمل، ولديها ثقة تامة ومطلقة بحرص قادة دول المجلس على البحث الدائم عن كل ما هو خير وفيه مصلحة لشعوب دول المنطقة، والعمل على الحفاظ على امن واستقرار منطقتنا، وتحقيق المزيد من الرخاء والرفاهية لمواطني دول المجلس.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x