«تخبط» و«عشوائية» في اتخاذ القرارات
بماذا يمكن تفسير التراجع عن القرارات التي يتم اتخاذها في عدد من الوزارات والمؤسسات في مدة لا تتجاوز 24 أو 48 ساعة.. هل هو ” تخبط ” و” عشوائية ” في اتخاذ القرارات أم هو من باب الاعتراف بالخطأ فضيلة؟.
المجلس الاعلى للتعليم ومؤسسة حمد الطبية نموذجان لقرارات اتخذتها هاتان الجهتان في الفترة الاخيرة، وسرعان ما تم التراجع عنها، بصورة تدل على ” تخبط ” وعدم دراسة، وليس من الباب الثاني وهو الاعتراف بالخطأ.
في أقل من 24 ساعة تراجع المجلس الاعلى للتعليم عن التعميم العاجل الذي اصدره إلى جميع المدارس المستقلة بشأن تسجيل الطلبة غير القطريين، ولن اتحدث هنا عن شرعية هذا التعميم من عدمه، ولكن اتساءل هل صدر هذا القرار او التعميم عن دراسة وافية لجميع الجوانب المتعلقة بالموضوع، ام جاء ” خبط عشواء ” وبصورة متعجلة، وربما بكلمة صدرت من هنا أو هناك، لتتلقفها بعض الاطراف وتصدر مباشرة قراراً لا تعرف تبعاته، ومن ثم يتم التراجع عنه بهذه الصورة، التي تقلل من هيبة ومكانة المجلس الاعلى للتعليم؟.
هناك خلل في آليات اصدار القرارات في كثير من مؤسسات ووزارات الدولة، وهو ما يدعونا للتساؤل عن الكيفية التي تدار بها هذه الجهات، وعما اذا كانت هناك خطط عمل موضوعة، واستراتيجيات فعلية لتسيير العمل قائمة، ام ان الامر لا يعدو كونه مجرد ” على البركة ” تمشي الامور.
كما قلت من قبل، وتحديدا في نهاية شهر مارس الماضي اصدرت مؤسسة حمد الطبية قرارا اطلقنا عليه ” تسونامي” عندما اوقفت كل شيء في ” 18 ” بنداً، فقد توقفت ” الحياة ” في هذه المؤسسة، بدءا بتجميد صرف استبدال الاجازات، وتجميد السفر للمؤتمرات والنشاطات التدريبية الطبية، وتجميد التعيينات في الوظائف الشاغرة…، وغيرها من الامور، حتى صنفت في ” 18 ” مادة، وهو ما اعتبر ” شللا ” تاما يضرب اركان حمد الطبية.
هذا القرار لم يمض عليه اكثر من 48 ساعة حتى تم التراجع عنه، وكان مما ورد في خطاب التراجع ” يحفظ للدراسة حتى اشعار آخر “، والسؤال: أين كنتم يا مسؤولي حمد الطبية قبل إصدار القرار، حتى تعللوا خطاب الالغاء بـ ” الدراسة “؟ ألم يأت على بالكم فكرة الدراسة الا بعد ان احدثتم ” بلبلة ” في اوساط المؤسسة، واحدثتم إرباكا في العمل؟.
هذا التراجع عن القرار دفع لتراجع اكبر لمؤسسة حمد، خاصة في ظل كثرة الشكاوى التي لا تكاد تتوقف، فجاء ” التخبط ” الاداري ليزيد هذه المؤسسة سوءا على سوء.
المجلس الاعلى للتعليم اراد ان يعالج ازمة التسجيل بالمدارس بقرار غير مدروس، فالازمة القائمة هي نتاج خلل موجود في العملية التعليمية، ويتحمل ذلك اكثر من طرف، سواء كان ذلك المجلس الاعلى للتعليم او الاستعجال في تحويل المدارس الحكومية إلى مستقلة او اشغال وعجزها عن الالتزام ببناء المدارس الجديدة المطلوبة، او ما يتعلق بالمخصصات المالية…، وبالتالي يجب النظر إلى قضية ازمة التسجيل بصورة كاملة، وليس جزئية او من نافذة ضيقة، لأن القضية قد تتكرر حتى مع ابناء القطريين انفسهم، فماذا سنعمل عندها؟ وعلى من سنلقي تبعات الازمة؟.
وزاراتنا ومؤسساتنا يجب ان تخرج من قضية العمل اليومي، او التخطيط الوقتي، إلى ما هو اكبر من ذلك، من خلال وضع استراتيجيات لكي تتعامل مع متطلبات المستقبل، وان تكون هناك خطط عشرية، بحيث تعرف هذه الجهات ما لها وما عليها، وتعرف كيف تتعامل مع اي طارئ قد يحدث، لكن ان تظل هذه الجهات أسيرة الظروف، وأسيرة ردة الفعل، فهذه هي المشكلة، ولا اعتقد ان مؤسساتنا ووزاراتنا اوجدت للتعامل مع “ردة الفعل “، انما انشئت وخصصت لها الموازنات الضخمة من اجل خدمة المجتمع، وهذا لن يتأتى إلا من خلال خطط واضحة المعالم.
يفترض ان المجلس الاعلى للتعليم يعرف جيدا اعداد الطلبة المنخرطين في العملية التعليمية، او المنتقلين من مرحلة لأخرى، وقبل ذلك يعرف جيدا اعداد الطلبة الذين سيلتحقون بالتعليم في مراحله الاولى، وبالتالي يكون قد اعد العدة لهذا الامر، وقام بتوفير كل مستلزمات العملية التعليمية، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالمباني المدرسية او المناهج او المدرسين او الوسائل التعليمية…، وغيرها من الامور، فلا يعقل ان يظل المواطن يعيش هاجس الخوف من عدم قبول ابنه في مدرسة بمنطقته، هذا ان تم قبوله او وجد مدرسة تقبله، فنحن اليوم يفترض اننا قد تجاوزنا منطق الانتظار لحين بدء العام الدراسي لنعرف ما اذا كانت المدارس سوف تستوعب الطلبة ام لا.
الصحة والتعليم هما المقياس لتطور اي مجتمع، والاهتمام بهما يمثل اولوية، وهذا ما تعلن عنه الدولة باستمرار، وتترجمه عبر مخصصات مالية كبرى في الموازنة العامة للدولة، وهنا تقع المسؤولية على الجهاز التنفيذي في هاتين المؤسستين، او غيرهما من الوزارات والمؤسسات.
نريد من وزاراتنا ومؤسساتنا البعد عن القرارات ” الترقيعية ” التي تتعامل مع الملفات والازمات بمثابة ” مسكن ” وليس علاجا جذريا، وان تكون هناك دراسة فعلية من الميدان وليس من المكاتب فقط تنظر للجوانب المختلفة للقضايا، بحيث تسبق اي قرار يصدر، والبعد في الوقت نفسه عن منطق اصدار القرارات واذا ما رأينا خطأ فيه او ردة فعل عكسية، تراجعنا عنه، هذا المنطق يثبت حجم ” التخبط ” و” العشوائية ” التي تسير عليه اية وزارة او مؤسسة تنتهج هذه السياسة