قطر.. سياسة راشدة ورؤية واضحة
جاء لقاء معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية مساء امس الاول مع برنامج ” بلا حدود ” في قناة الجزيرة ليضع النقاط على الحروف حيال العديد من القضايا المثارة حول قطر، ودورها في دعم القضايا العربية، الذي تحاول بعض الاطراف تشويهه، والايحاء بانه تدخل قطري في شؤون عربية.
شفافية معالي رئيس الوزراء، والصراحة التي تميز بها في هذا اللقاء- كعادته دائما في مختلف لقاءاته الاعلامية ومؤتمراته الصحفية- اكدت مجددا ان قطر تمارس سياستها قولا وفعلا على الملأ، بعيدا عن الازدواجية التي عرف بها “البعض”، فلم يعرف عن قطر انها مارست سياستها من تحت الطاولة، بل ظلت على الدوام تعلن ما تؤمن به، وتتحدث بلسان واحد مع الجميع، سواء في القاعات المغلقة، او امام وسائل الاعلام، وهو احد الاسباب التي تدفع لقيام ” البعض ” بالتجني عليها، ومحاولة ” تأليب ” اطراف اخرى لخلق مشاكل مع قطر.
لم يعرف عن قطر وقيادتها انها تدخلت في شأن عربي من اجل الإضرار او استقطاب اطراف او مجموعات على حساب اطراف اخرى، وتاريخ قطر وصفحاتها ناصعة البياض في هذا الجانب، فمساعيها الخيرة، ومواقفها النبيلة تجاه الاشقاء، وحرصها على لم الشمل العربي اكبر من ان تسطرها كلمات في مساحات، وما قامت به من جهود لرأب الصدع سواء في لبنان او السودان او اليمن او فلسطين…، ومساعيها لاذابة الجليد بين العديد من العواصم العربية، وبينها وبين جاراتها اكبر من ان تحصى، ولم تكن قطر يوما تنتظر جزاء ولا شكورا من احد، فقد عملت ذلك من اجل المصلحة العربية، ووقفت من جميع الاطراف على مسافة واحدة، وهو ما اكسبها كل هذه المصداقية والاحترام، بفضل سياسة حكيمة لسمو الامير المفدى حفظه الله ورعاه، الذي طالما تألم للاوضاع التي تمر بها امتنا، وطالما سعى جاهدا بفكره وجهده وعمله من اجل هذه الامة، ومن اجل الشعوب العربية التي تئن تحت وطأة خلافات صنعتها الانظمة وانكوت بها الشعوب.
لم يعرف ولم ينقل عن مسؤول قطري انه اساء الى دولة شقيقة، او القى تهما كما يحلو اليوم للبعض ان يلصق تهما وادعاءات بقطر، هي بعيدة كل البعد عنها، بل ان المنطق والعقل لا يمكن ان يصدقها، وللاسف الذين يطلقون هذه التهم يعتقدون ان مثل هذه الاقاويل والاكاذيب، يمكن ان تمرر على الرأي العام العربي،الذي بات اليوم اكثر وعيا واطلاعا على مجريات الامور، ولا يمكن تغييبه او تلقينه بسياسات لم تعد قائمة في عصر الفضاء المفتوح.
حساسية ” البعض ” كما اشار اليها معالي رئيس الوزراء من الدور القطري مردها عجز اولئك عن القيام بأي دور يمكن الاشارة اليه، بل وفقدانهم المصداقية في المحافل الدولية وامام الرأي العام العربي، وقبل ذلك امام شعوبهم، في حين ان قطر بفضل سياستها الحكيمة، وقيادتها الرشيدة والواعية استطاعت ان تكون عنصرا فاعلا في الاسرة الدولية، التي لا تنظر اليوم الى الدول من حيث مساحتها الجغرافية، او كثافتها السكانية، بقدر ما تنظر الى الادوار التي تقوم بها، ومبادراتها وسياستها وكيفية تعاطيها مع مختلف القضايا، والديناميكية التي تتمتع بها في عالم اصبح اليوم قرية صغيرة.
امر مضحك بالفعل عندما حاول ” البعض ” الترويج لمؤامرة تشارك بها قطر لزعزعة امن دولة عربية، كان الاجدى بمن قام بالترويج لمثل هذه الادعاءات البحث عن امور اخرى، فالشعوب العربية ليست بهذه السذاجة حتى يمكن خداعها، او تسويق مثل هذه التهم عندها.
مشكلتنا في العالم العربي ان خلافاتنا لا نحاول طرحها بشفافية فيما بيننا لايجاد العلاج لها، ولا نعلن عن السبب الحقيقي الذي يقف خلف هذه الخلافات او الازمات، فما الذي يمنع مثلا مصر من الاعلان مباشرة عن الاسباب الحقيقية لخلافها مع قطر، الى الآن غير مفهوم هذا الخلاف الذي صنعته ” بعض ” الاطراف في السياسة المصرية تجاه قطر، هل مواقف قطر الرامية لتوحيد الصف العربي، ودعم الاشقاء في فلسطين، ومساعي احلال السلام في السودان، وتنقية الاجواء العربية… تثير حفيظة ” البعض ” في مصر، وهو ما يجعلهم يدفعون نحو ” تأجيج ” هذه الخلافات، وتصوير قطر على انها تعمل ضد مصر.
آن الأوان ان نرتقي بالعقلية العربية، وان نجعل المصالح العربية العليا هي الاساس، وهي المحرك، وان نتحاور بشفافية بلغة العقل والمنطق القائم على السواسية، وليس منطق ” انت الاصغر اذن اسكت “، وهو منطق تجاوزه الزمن.
العلاقات العربية العربية يجب ان يسودها الوضوح، والحرص على التكامل وتنقيتها من اي خلاف قد يطرأ، بروح من الاخوة والمحبة، كما حصل في العلاقة بين قطر والمملكة العربيةالسعودية الشقيقة، فالحرص الذي ابدته قيادتا البلدين الشقيقين ممثلة بسمو الامير المفدى حفظه الله واخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على صيانة هذه العلاقة من اي شائبة، وعدم السماح لـ ” الادعياء ” و” المتاجرين ” بالعلاقات بين البلدين، بتأجيج الاختلاف في وجهات النظر، هو ما مكن قيادتي البلدين من تطويق هذا الخلاف الطارئ، والانطلاق نحو آفاق ارحب للعلاقات التاريخية والازلية بين البلدين والشعبين، الضاربة جذورها في عمق التاريخ، فهناك خصوصية للعلاقة بين قطر والسعودية، تجعلها محصنة من اي عارض قد يطرأ.
المملكة العربية السعودية ليست فقط دولة كبرى ومحورية في المنطقة والعالم العربي والاسلامي، وفي العالم، بل هي قبل ذلك بالنسبة لدول الخليج العمود الفقري لمنظومة مجلس التعاون كما اشار الى ذلك معالي الشيخ حمد بن جاسم، وهي الحضن الدافئ لنا جميعا، وهي العون والسند في المحن والشدائد، وفي الرخاء هي الراعية والمرشدة والداعمة والموجهة والناصحة…، والعلاقة القطرية السعودية اليوم اقوى من اي وقت مضى، وما تأسيس مجلس التنسيق القطري السعودي، وإسناد رئاسته الى وليي عهدي البلدين الكريمين، الا مثال واضح على حميمية هذه العلاقة، وتجانسها وتقاربها وتداخلها..
حديث معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية، فيه من الشفافية والوضوح ما يجعله محل احترام وتقدير واعجاب كل من شاهده واستمع اليه، وهذا القول ليس نابعا من كوني مواطنا يتحدث عن سياسة بلده، وعن راسمها ومنفذها، انما هي حقيقة واضحة وضوح الشمس، فلطالما كان هذا الرجل محل اعجاب وثناء كل من يحضر لقاءاته ومؤتمراته، ويحظى بمصداقية نظرا للشفافية التي يتحدث بها، دون مراوغة او تجميل للواقع.. فهو يتحدث بلسان كل مواطن عربي من اقصى المحيط الى اقصى الخليج.