مؤتمر «فتح» بحراسة «إسرائيلية»!
هل يشيّع مؤتمر حركة فتح اليوم في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة مشروع المقاومة وحق الكفاح لاستعادة الأرض الفلسطينية، والذي على أساسه انطلقت الحركة في مطلع ستينيات القرن الماضي؟.
المؤشرات تقول هذا، وتصب كل التحليلات في هذا الاتجاه، وعلامات استفهام كبيرة أمام انعقاده بعد أكثر من “20” عاما تحت حراب الاحتلال.
ما يثير الاستغراب أن المؤتمر ينعقد “برعاية” و “حراسة” إسرائيلية، وهو مؤتمر كما يدعي منظموه أنه يجدد شباب فتح، وتجديد “الشباب” يفترض العودة إلى الثوابت والأصول ومنطلقات هذه الحركة الكبيرة التي لها وزنها في مسيرة الكفاح والمقاومة، وخاضت معارك من أجل تحرير فلسطين، وإذا بها اليوم تقبل بأن تعقد مؤتمرها في ظل الاحتلال، وتحت حرابه وحراسته وأعوانه، وعلى مرمى حجر من دباباته ونقاط تفتيشه وحواجزه الأمنية!.
فجميع المشاركين سواء من الداخل أو الخارج والبالغ عددهم قرابة “2700” مشارك قدمت أسماؤهم للجانب الإسرائيلي للحصول على موافقات مسبقة، وبالفعل تمت الموافقة على هؤلاء المشاركين باستثناء “10” مشاركين رفضت إسرائيل مشاركتهم في المؤتمر، فعلى ماذا يدل ذلك؟ ولماذا وافقت إسرائيل أصلا على انعقاده إذا كان بالفعل سيخرج بقرارات تدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة؟.
من المؤكد أن البيان الختامي للمؤتمر قد وافقت إسرائيل عليه، بعد أن “طبخ ” حسب الوصفة التي أرادها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وعلى الطريقة التي ترغب بها إسرائيل.
في الأسبوع الماضي زار الأراضي العربية المحتلة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز، وقد التقى خلال الزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتم خلال الاجتماع تقديم الرؤية الأمريكية لما يسمى بـ “عملية السلام”، والخطوات الأمريكية في هذا الاتجاه، والطلبات الامريكية بوقف الاستيطان والعودة للمفاوضات، ومن بينها أيضا انعقاد مؤتمر فتح في بيت لحم، فقد رفض نتنياهو الرؤية الأمريكية، وقال “لا” لجونز في كل ما طرحه باستثناء انعقاد مؤتمر فتح، الذي وافق عليه نتنياهو بكل ترحاب، وقال “نعم” لانعقاده، فبماذا يفسر الأمر؟.
هل سمعتم عبر التاريخ أن حركة تحرر وطني عقدت اجتماعا لها أو مؤتمرا في ظل الاحتلال وتحت حرابه، وبمباركة من الاحتلال وتقديم تسهيلات للمشاركين فيه؟!!.
هل أقدم الفيتناميون على عقد مؤتمراتهم واجتماعاتهم في “هانوي” خلال الغزو الأمريكي لبلدهم الذي انتهى في 1973؟.. هل أقدمت حركات التحرر في جنوب أفريقيا على عقد مؤتمراتها في “جوهانسبرغ” خلال الحكم العنصري؟.. وغيرها الكثير من نماذج حركات المقاومة التي ظلت ترفع راية التحرر حتى تحقق لأوطانها ذلك بالفعل.
اليوم مؤتمر حركة فتح فيه من علامات الاستفهام ما يعجز القلم عن كتابته، فهذه الحركة العملاقة يحاول البعض فيها، خاصة ممن يعرفون أنفسهم بأنهم من الصفوف الأولى ومن المؤسسين للحركة إغراقها بسيل من التنازلات لا أول له ولا آخر، وإسقاط حتى شعارات المقاومة، والاكتفاء بدعاوى “المقاومة السلمية” التي هي أساسا لا تقدم ولا تؤخر، ولا تعيد حقوقا، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فهل هناك شعب تحرر بالمفاوضات والطرق الدبلوماسية وجلسات المباحثات؟ فاذا لم تكن هناك قوة تحمي الحقوق، وإذا لم تكن هناك قوة تسند المفاوض، فان المحتل لن يبالي بأي تفاوض أو مباحثات، وسيواصل غرس مخالبه في أجزاء الوطن كما يحصل اليوم في فلسطين، ففي كل يوم نسمع عن بؤرة استيطانية، وعن طرد عائلة فلسطينية من منزلها، وعن هدم منازل فلسطينية.. فهل حمت مسيرة أوسلو التفاوضية الإنسان الفلسطيني في الداخل أو أعادت ولو شبرا واحدا من الأرض محررا بالفعل؟.
حركة فتح اليوم على مفترق طرق، فإما أن “تختطفها” أيادي الاستسلام، وتنسف تاريخها البطولي، وإما أن تعود هذه الحركة إلى عنفوانها، وهو أمل لا نراه قريبا طالما أن عناصر “فاسدة” و “مفسدة” موجودة في صناعة القرار، همها الأول والأخير المتاجرة بالدم الفلسطيني وعلى حساب الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية، التي حتى لو فرط العالم أجمع فيها بما فيه الدول العربية، فان الفلسطينيين يجب أن يبقوا أوفياء لدماء الشهداء الذين رووا أرض فلسطين الطاهرة، أوفياء لحقوق الملايين المشردين الذين ينتظرون العودة.
الأمل ألا يكون مؤتمر فتح قد أعد من أجل تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل، وألا يتم إسقاط خيار المقاومة والكفاح المسلح طالما هناك عدوان قائم، واحتلال يجثم على صدر فلسطين، فالعقل السليم يرفض أن يسلم الإنسان بندقيته لعدوه، طالما يحتل داره، فكيف بمن يطلقون على أنفسهم أنهم قادة حركة تحرر وطني ويقدمون على تسليم كل شيء.. وإسقاط كل شيء.. والتنازل عن كل شيء.. بل وبيع كل شيء لعدو لا يأمن جاره، ولا يحترم مواثيقه وتعهداته واتفاقياته؟.