الكويت بين قمتي { التعاون } .. ما الذي تغيّر بالمشهد ؟
وبقراءة بسيطة فان الكويت منذ آخر قمة خليجية ، وهي القمة ” 24 ” في عام 2003 ، وحتى القمة التي ستنعقد الاثنين المقبل وهي القمة الـ ” 30 ” اي خلال 6 سنوات ، فان الكويت شهدت تشكيل ” 7 ” حكومات ، اي ان الحكومة لا تستمر عاما ، وشهدت ” 4 ” انتخابات لمجلس الامة ، وكان المفترض حدوثها خلال ” 16 ” عاما ، كون كل فصل تشريعي محددا بـ ” 4 ” سنوات في وضعه الطبيعي ، وخلال السنوات الـ ” 6 ” شهد مجلس الامة التقدم بـ ” 24 ” طلب استجواب ، فهل يعقل ذلك ؟ .
لا اطعن ابدا بنوايا اعضاء مجلس الامة ، او اشكك بنوايا الحكومة ، لكن هل تمثل الارقام اعلاه ظاهرة صحية او ممارسة ديمقراطية ” عقلانية ” ؟ .
اجزم بان البلد خلال السنوات الست الماضية ” شلت ” الحركة فيها ، و ” تجمدت ” كل المشاريع التي من الممكن ان تحدث نقلة نوعية سواء على صعيد الدولة او المواطن الكويتي ، الذي من المؤكد انه يبحث عن تنفيذ المزيد من المشاريع ذات العلاقة بحياته اليومية .
لا نقلل ابدا من الانجازات التي تحققت في الكويت الشقيق ، لكن كان بالامكان في بلد يمتلك امكانات كبيرة ، وكوادر بشرية مؤهلة ، تحقيق مكاسب وانجازات اكبر بكثير مما تحقق ، لو ان ” الاحتقان ” بين الحكومة ومجلس الامة لم يكن موجودا ، او لم تكن موجودة تلك ” السجالات ” السياسية العقيمة في كثير من الاوقات ، وفي كثير من جوانبها .
اليوم اي وزير في الكويت يتم تعيينه لا اعتقد انه يمكنه التعرف على الطاقم الذي يعمل معه ، لأن الاستجوابات تسبق ذلك ، فقبل ان يفكر بطرح استراتيجية ، او رسم سياسة لوزارته ، فان ” سيف ” الاستجواب مسلط على ” رقبته ” ، وبالتالي لا يستطيع حتىالتفكير بما يمكن القيام به ، فهو يخطو خطوة ، وربما يتراجع خطوتين .
نحن مع رقابة قانونية ، ومحاسبة لأي مسؤول اذا ما قصر او حدثت تجاوزات في وزارته او المؤسسة التي يتولى رئاستها ، لكن ان تتحول الرقابة الى ” تصيّد ” للاخطاء ، والبحث عن العثرات ، والتحول من رقابة موضوعية ، ومساءلة من اجل مصلحة البلد، الى مساءلة من اجل ابراز ” بطولات ” ، او تحويل الخلاف والاختلاف الى ” شخصنة ” فان هذا هو المرفوض وغير المقبول ، وهو الذي يدفع نحو ” اغراق ” البلد في سجال وجدال غير مجد ، ولا يقدم بل يؤخر البلد ويعيده سنوات للوراء .
اليوم المنصب الوزاري في الكويت طارد للكفاءات والاشخاص المخلصين الذين يرغبون بالفعل في خدمة الوطن ، وجلست شخصيا مع عدد من الشخصيات الوطنية المخلصة ، وذات الكفاءة المهنية والفكرية العالية ، وطرحت عليها سؤالا عما اذا كانت ستوافق على تولي منصب وزاري اذا ما عرض عليها ، فكان الرد بالرفض ، والبعض منهم كما اكد لي انه بالفعل عرضت عليه مناصب وزارية الا انه رفضها ، والسبب ما يحدث على الساحة ، وبالتالي فان الكويت هي التي تخسر كفاءات كان يمكنها ان تقدم الكثير من العطاء للبلد ، سواء تلك التي تولت مناصب لكن لم تتح لها الفرصة لترجمة طموحاتها وافكارها على ارض الواقع ، نظرا للمدة القصيرة التي تولوا فيها المنصب ، ثم استقالت الحكومة ، او الكفاءات التي ترفض دخول الوزارة اصلا ، وان كان البعض يقول ان الشعب الكويتي بعد سنوات سيكون جميعه من اصحاب السعادة ، من كثرة التغييرات الوزارية .
ان الصدام الدائر والمستمر اليوم بين السلطة التشريعية والتنفيذية المتضرر الاول والاخير منه هو الدولة والمواطن الكويتي ، الذي يبحث عن من يتبنى قضاياه ومشاكله الحقيقية ، بعيدا عن اصحاب المصالح ، الذين ـ البعض بالطبع منهم ـ يتفننون في خلق ” الازمات ” بين السلطتين ، بسبب وبدون سبب .
نعم هناك حق دستوري يكفله الدستور الكويتي لكل عضو في مجلس الامة في استجواب الوزراء او رئيس الوزراء ، لكن اعتقد ان هناك نوعا من التعسف في استخدام هذا الحق ، فالبعض حاول استخدام هذا الحق لغايات اخرى ، فهناك استجوابات حق لكن يراد بها باطل .
لست معنيا بالدفاع عن الحكومة الكويتية ، ولا عن رئيسها ، وليست لي مصلحة في ذلك ، لكن يعز عليّ وعلى كثيرين من محبي الكويت ان نرى ” جمودا ” يسود الساحة الكويتية ، اقصد جمودا في التنمية ، وفي القضايا المتعلقة بالحياة العامة ، فهناك مشاكل تنشرها الصحف الكويتية يوميا ، ويتحدث بها المواطن البسيط ، سواء كان ذلك في قطاع الكهرباء او المياه او التعليم او الصحة او الرياضة او الشؤون الاجتماعية … ، هذه المشاكل اعتقد من الاولى أن يتم التركيز عليها ، والبحث عن حلول من خلال تكامل السلطتين ، وليس تنافرهما وتصادمهما الدائم .
“6 ” سنوات بين قمتي مجلس التعاون الخليجي ، ما الذي تغير في المشهد الكويتي في جوانبه النهضوية والعمرانية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية .. ؟ .
سؤال ليس فيه تقليل من الكويت الشقيقة او شعبها العزيز علينا ، انما من حرصنا وحبنا العميق لهذه الدولة ، التي لديها من الامكانات المادية والبشرية ما يفوق دولا خليجية اخرى .
اعتقد انه آن الأوان لترشيد قضية الاستجوابات في مجلس الامة ، صحيح ان هذه الاستجوابات تمثل حالة صحية ، فلأول مرة مثلا نرى رئيس وزراء في العالم العربي يقف على منصة المساءلة ، وهذا يحسب للكويت ولديمقراطيتها الرائدة ، التي تقدم دروسا ، ويحسب لرئيس وزرائها ، الذي اعتلى المنصة ، وتعامل حضاريا مع الاستجواب ، لكن لا نريد ” دوامة ” الاستجوابات هي الاساس ، وهي السمة في التعامل بين السلطتين ، فالسنوات الـ ” 6 ” كما اشرت شهدت ” 24 ” استجوابا ، واعتقد ان هذا رقم كبير ، خاصة اذا ما حسبنا فترات غياب المجلس وتشكيل حكومة .
لا خلاف على حق استخدام الادوات الدستورية ، ولا خلاف على ان الدستور يكفل ذلك لأعضاء مجلس الامة ، ولا خلاف على اهمية المحاسبة ، ولا خلاف على ضرورة الرقابة على المال العام من قبل المجلس ، ولا خلاف .. ولا خلاف … ، لكن اليس المؤسف ان يظل البلد يدور في ” دوامة ” حل مجلس الامة .. تشكيل حكومة جديدة ! .لا نريد للشعوب الخليجية ان ” تكره ” الديمقراطية ، ولا نريد للدول الخليجية ان تتردد في بعث هذه الديمقراطية في مجتمعاتها ، بسبب بعض الممارسات غير العقلانية التي نراها على الساحة الكويتية ، نريد من ” ام الديمقراطية ” ـ الكويت الحبيبة ـ ان تكون ديمقراطيتها رسالة تبشير وليست رسالة تنفير .
للكويت مكانة خاصة في قطر تحديدا وفي كل الخليج عموما ، وينظر لها على انها صاحبة تجارب اثرائية خاصة في المجال الديمقراطي والدستوري والعمل الشعبي ، فهي الواحة الديمقراطية الاطول عمرا في الخليج ، ويكفي ان البرلمان التشريعي التأسيسي الاول ـ مجلس الامة ـ كان في عام 1938 ، فيما كان اول استجواب في مجلس الامة يعود الى اكثر من 46 سنة ، وتحديدا في عام 1963 .
هذا التاريخ الطويل من العمل النيابي ، وهذه التجربة الديمقراطية ” العتيدة ” اصبحت اليوم محل تساؤلات اهل الخليج جميعهم عما اذا كانت تقدم وجها محمودا ، ويتطلع اليها ابناء الخليج ، ام انها باتت تشوه تاريخ التجربة الديمقراطية في الكويت ؟ .
خلال السنوات القليلة الماضية كانت هناك علامات استفهام كثيرة لما يحدث في الكويت الشقيقة بين الحكومة ومجلس الامة المنتخب ، فلا تكاد حكومة تشكل ، او برلمان ( مجلس الامة ) ينتخب حتى يعلن بعد اشهر قليلة اما استقالة الحكومة او حل المجلس