قمة الكويت.. تحديات جديدة ومستجدات {طارئة} على المشهد الخليجي
القمة الثلاثون غدا ظهرت فيها مستجدات أخرى على المشهد الخليجي، ربما لم تكن حاضرة في القمم السابقة، أبرزها ما يتعلق باعتداءات الحوثيين على المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، والسعي لتصدير أزمة جديدة الى دول المجلس، وجرها الى التدخل في “تمرد” وحرب يخوضونها بالداخل مع الدولة اليمنية.
الاعتداءات الحوثية على دولة خليجية ربما هي الاولى بعد العدوان الغاشم الذي تعرضت له دولة الكويت الشقيقة في عام 1990 على يد نظام صدام حسين، واحتلاله لهذه الدولة الخليجية الشقيقة، وبالتالي فان الاعتداءات الحوثية على المملكة العربية السعودية الشقيقة، عدوان جائر وغير مسبوق على منظومة مجلس التعاون الخليجي، ومنعطف خطير، مما يستوجب التصدي له، ليس فقط من قبل السعودية، انما من خلال كتلة مجلس التعاون، فلربما خطوة “الحوثيين” هي مقدمة وجس نبض لاعتداءات على دول المجلس، وبالتالي معرفة ما اذا كانت دول المجلس ستتضامن فعليا وعمليا مع اي اعتداء يطول دولة عضوا فيه، ام ان التضامن سيكون مجرد تصريحات؟.
المستجد الآخر على المشهد الخليجي هو ما يتعلق بـ “الأزمة” التي تعرضت لها إمارة دبي العزيزة، هذه الازمة وان تضخمت كثيرا إلا انها ستكون محل بحث ومناقشة من قبل القادة في قمتهم غدا، وهو امر من الاهمية بمكان بحيث يجد الاهتمام في قمة على مستوى القادة، لبحث تحدٍ ما يواجه المنطقة، في ظل ازمة مالية عالمية.
ما تعرضت له دبي يفرض على جميع الدول الخليجية أمرين، الأول إعادة النظر في الاستراتيجيات الاقتصادية، بحيث يتم تعزيز اماكن القوة، تلافي مواطن الضعف، لكي تسير عجلة النمو في هذه الدول وفق ما يخطط له.
الامر الآخر ضرورة تعزيز الاقتصادات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي، والعمل على تعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه المنظومة، والتخاطب مع التكتلات الخارجية بلغة واحدة، وبكيان اقتصادي موحد وقوي، وهو ما تتعامل به اوروبا مثلا مع دولنا الخليجية.
الأزمة المالية العالمية يجب ان تعلمنا دروسا، ومن المهم ان نستفيد منها، والا تمر مرور الكرام، فما تعرضت له دبي يجب ان يدفع دولنا الى التنبه لما هو قادم.
وحقيقة خلال السنوات القليلة الماضية ظهر واضحا اهتمام القمم الخليجية بالقضايا الاقتصادية بصورة اكبر مما كانت عليه في السابق، وهو امر غاية في الاهمية، فمنذ قمة الدوحة الخليجية في عام 2007 والتي اعلن خلالها عن قيام الاتحاد الجمركي واطلاق السوق الخليجية المشتركة، واطلق المراقبون على قمة الدوحة أنها قمة الانجازات الاقتصادية، كونها تدشن بالفعل اهم المرتكزات الاقتصادية لمجلس التعاون.
ثم جاءت قمة مسقط العام الماضي لتنظر في الاتحاد النقدي وآليات تنفيذه، لتكمل قمة الكويت غدا هذا الملف، وتصادق عليه، فالاتحاد النقدي والربط الكهربائي والسكك الحديدية بين دول مجلس التعاون الخليجي من بين ابرز القضايا الاقتصادية التي ستعتمدها قمة الكويت، اضافة بالطبع الى ملفات سياسية وامنية ستتم مناقشتها، والعلاقات مع عدد من الدول والتكتلات.
على الرغم من كل ما يقال عن مسيرة مجلس التعاون من كون انجازاتها لا ترقى الى حد طموحات مواطني هذه الدول، الا ان من المهم الالتفات الى قضايا جوهرية عرقلت – في كثير من الاحيان- تحقيق المزيد من الانجازات، ربما ابرز هذه العوائق تمثلت في عدم الاستقرار الذي شهده اقليم الخليج طوال العقود الثلاثة الماضية، فلا تكاد تهدأ جبهة حتى تفتح جبهات اخرى، وهو ما خلق ارباكا كبيرا للدول الخليجية، وجعل جل همها، والهاجس الاكبر بالنسبة لها يتمثل بالجوانب الامنية والعسكرية، كون الحروب كانت هي السمة الغالبة على فترات انشاء مجلس التعاون الخليجي، وهو الامر الذي اثر ايضا على جوانب التنمية في هذه الدول، ودفع بضخ موازنات مالية عالية على بنود التسلح والامن والاجهزة الخاصة بذلك.
في ظل هذه الظروف التي عاشتها المنطقة اعتقد ان بقاء هذا المجلس الى هذه اللحظة على الرغم من كل العواصف التي مر بها، يحسب لقادته، اذا ما قارنا هذا التجمع بتجمعات عربية اخرى فشلت، على الرغم من انها لم تواجه ما واجهه مجلس التعاون الخليجي، لكن لم يعد بقاء المجلس او وجوده ككيان فقط هو المطلب، بل آن الأوان لإحداث ثورة في هذه المسيرة من حيث مواكبة متطلبات الشعوب الخليجية، وتطلعاتها لتحقيق المزيد من التكامل والاندماج فيما بينها.
في السابق كانت فرقنا الرياضية تقول دائما ان المشاركة في البطولات بحد ذاتها مكسب، وهو ما كنا نقوله عن مجلس التعاون، ان بقاءه مكسب، وهو بالفعل كذلك، لكن الشعوب الخليجية تريد اليوم تجاوز هذه القضية، والانطلاق نحو مزيد من التداخل فيما بينها، واهم قضية يمكن ان تربط دولنا وشعوبنا الخليجية وان توثق اكثر هذه العلاقات هي ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فكلما كان هناك تكامل واندماج اقتصادي، ومصالح مشتركة حقيقية، كان النجاح هو الاقرب واكثر حظا في مسيرة هذا المجلس.
وعند الحديث عن المصالح الاقتصادي فانه من المهم التأكيد على مصالح المواطنين، والقضايا التي تلامس هموم المواطن البسيط في كل دولة، حتى وان كانت بسيطة او قليلة، الا انه من المهم ان يشعر المواطن ان قضاياه اليومية هي محل اهتمام قادته، وهي التي تبحث في قممهم المختلفة، وهي التي تترجم على ارض الواقع.
القضية الاخرى التي ربما ايضا اثرت على مسيرة المجلس خلال السنوات الماضية، هي الخلافات السياسية والحدودية فيما بين دول المجلس، واعتقد ان هذه القضية لعبت دورا سالبا في التسريع بالخطوات المشتركة بين الدول الخليجية، واثرت سلبا في التكامل الاقتصادي الخليجي، وبما ان غالبية قضايا الحدود قد حلت تقريبا فيما بين دول المجلس، والبقية في طريقها للحل، عبر لجان مشتركة، ورغبة في اغلاق هذا الملف، فان خطوات التكامل والاندماج مرشحة للمضي قدما بصورة اسرع بكثير مما كانت عليه في السابق.
اضافة الى ذلك فان السنوات الماضية من عمر المجلس اكدت انه لا خيار امام هذه الدول الا التكامل، والعمل معا في منظومة موحدة، وكيان قوي، يواجه التحديات الاقليمية والعالمية، فالمرحلة الراهنة تفرض واقعا جديدا، والمستقبل يتطلب كيانات وتجمعات لديها القدرة على المواجهة، والتصدي للتحديات، سياسية كانت او اقتصادية او امنية او عسكرية..
قمة الكويت الثلاثون نأمل ان تكون مرحلة جديدة تدخلها دول التعاون، فيها الكثير من التكامل والتفاعل الجاد، المبني على اسس صحيحة وقوية، مع ايلاء اهتمام اكثر لقضايا المواطنين حتى القضايا البسيطة منها بحيث يترجم شعار “مصيرنا واحد”، و”شعبنا واحد” على الواقع بصورة اكبر واكثر عمقا، واكثر تداخلا واندماجا.
القمة الخليجية الثلاثون هي القادمة التي تلتئم غدا بدولة الكويت الشقيقة.. فكيف هو المشهد الذي تنعقد به هذه القمة؟.
من المؤكد أن التحديات التي واجهت مسيرة المجلس منذ انطلاقته في مايو 1981 تتجدد مع كل دورة من هذه القمم، فلم تهدأ منطقة الخليج طوال العقود الثلاثة من الازمات، ولم تتح لمنظومة مجلس التعاون الخليجي فرصة للتفكير الجاد لخوض غمار التنمية، بعيدا عن التوترات والازمات التي شهدها هذا الإقليم، وهو ما اثر نوعا ما على اداء ومحصلة مجلس التعاون الخليجي، الذي ربما ظل الهاجس الأمني مسيطرا على مسيرته لأغلب الفترات