وتعلي بنا للمسلمين امنار
بهذا الشطر من أحد أبيات شعر المؤسس المغفور له الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني فضّلت الحديث عن طباعة “مصحف قطر”، الذي يتم اليوم الاحتفال بانجازه وبدء تداوله، برعاية ودعم كريمين من لدن حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى- حفظه الله ورعاه- الذي طالما قدم دعما ورعاية للمئات من المشاريع الإسلامية والخيرية محليا وعربيا وإسلاميا، وأصبحت هذه المشاريع هي التي تتحدث عن نفسها، قبل أن تبادر قطر أو مسؤولوها للاعلان عن وقوف سمو الأمير المفدى- حفظه الله ورعاه- داعما ومساندا لها.
لقد عرف عن قطر وأهلها عبر التاريخ مدى مؤازرتهم ودعمهم لقضايا العالمين العربي والاسلامي، ومساندتهم للمظلوم، ووقوفهم إلى جانب المظلومين، والانحياز إلى الحق، ودعمهم بسخاء لكل ما من شأنه رفعة الأمة ونهضتها، ومد يد العون إلى كل محتاج، وتبنيهم للأعمال الخيرية والإنسانية القريبة والبعيدة، فهذه الأمور هي جزء أصيل من قيم وأخلاقيات أهل قطر، التي تربوا عليها، وتداخلت في حياتهم وانغرست في نفوسهم، ويتوارثونها جيلا بعد جيل.
فالمتأمل مثلا في عشرات قصائد الشعر التي قالها المؤسس يلحظ بوضوح هذه المعاني والقيم النبيلة، وهو لا يتحدث عن شخصه، إنما كانت أبيات شعره تتحدث عن أهل قطر، فلا تجد إلا نادرا أبياتا فيها “الأنا الشخصية”، إنما كل الأبيات فيها الجمع، حيث يتحدث بلسان أهل قطر، من ذلك على سبيل المثال ما قاله المغفور له الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني:
عساك تجعلنا من أنصار دينك
وتعلي بنا للمسلمين امنار
وفي موقف آخر يقول رحمه الله:
حن كعبة المظيوم الى من وزا بنا
نجيره ولا نرضى بغير رضاه
ولنا هضبة يأمن بها من نجيره
على الرغم من ضده ومن عاداه
وفي أبيات أخرى يقول المؤسس:
مال تؤدى منه جملة حقوقه
ونفوسنا بخروجهن اطياب
حقا من الرحمن فرضا نعده
ومكارم سنة نبي واصحاب
سمو الامير حفظه الله ورعاه يسير على هذا الطريق، سواء في دعمه لقضايا العالمين العربي والاسلامي، وجهوده الخيره المخلصة من أجل حل الخلافات بين الدول العربية والاسلامية، أو مساعيه الرامية بفتح آفاق من الحوار البناء في الأمة من الداخل وبين أمتنا والآخرين من جهة أخرى، واليوم يتوج سموه- حفظه الله ورعاه- اهتمامه بقضايا العالم الاسلامي بدعمه ورعايته لطباعة مصحف قطر، فقد درج سموه طوال السنوات الماضية على تخصيص مبلغ سنوي لطباعة المصحف وتوزيعه، فتطورت الفكرة من طباعة مصحف إلى طباعة مصحف بتصميم وجهد جديد ومميز، انطلاقا من الاهتمام بكتاب الله عز وجل، فكان سموه أول الداعمين والمساندين لهذا الأمر منذ اللحظة الأولى التي طرحت الفكرة على سموه، ومنذ ذلك اليوم 20/5/2000 بدأت وزارة الأوقاف العمل على إيجاد هذه الطباعة.
وحقيقة هناك العديد من الأمور التي تميز مصحف قطر الذي يمثل إنجازا حضاريا غير مسبوق من بينها أن كتابة المصحف أجريت من أجلها مسابقة بين أفضل الخطاطين، شارك بها أكثر من 120 خطاطا، ووضعت شروط مشددة في النواحي الفنية والجمالية، ومرت المسابقة بمراحل التصفية، حتى وقع الاختيار على اثنين من أفضل الخطاطين، ثم تم التنافس بينهما لتعلن هيئة التحكيم في يناير 2007 فوز السوري عبيدة البنكي بالمركز الأول ليحوز بذلك على كتابة مصحف قطر.
هذا الجهد، وهذه المسابقة تمثل أول مسابقة تجرى عبر تاريخ الخط العربي وكتابة المصحف الشريف من أجل كتابة مصحف، إضافة إلى لجان التحكيم الفنية العالمية لاختيار الأفضل والأضبط من حيث قوة الكتابة، واتقان قواعد الخط، ولجان أخرى للتدقيق والمراجعة، حيث روجع أربع عشرة مرحلة، وأكثر من 300 حافظ للقرآن الكريم من ائمة وخطباء قاموا بمراجعة المصحف.
هذا الجهد الكبير الذي بذلته وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ومسؤولوها في مختلف المراحل، واللجان التي شكلت من أجل انجاز هذا المشروع العظيم، الذي أصبح اليوم واقعا ملموسا، يستحق التقدير والثناء، ويستحق التكريم، فهذا الانجاز العظيم سوف يستفيد منه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ومن المؤكد أن ألسنتهم ستظل تلهج بالدعاء لكل من ساهم في هذا المشروع، ووضع جهدا ووقتا ومالا من أجل أن يرى النور.
هذا العمل يؤكد من جديد كما بدأت حديثي أن قطر وأهلها على طريق الخير سائرون، قيادة وشعبا، يتسابقون في هذا المجال بالقليل والكثير، دون مراء أو منة، ودون أن يعلم بهم أحد في كثير من الأحيان.
نعم هناك انفاق في الخفاء قيادة وشعبا من أجل دعم قضايا الأمة، ومساعدة المحتاجين، ودعم المشاريع التنموية والاسلامية والخيرية والانسانية.. هذا الخير المنبعث من هذه الأرض الطيبة، وهذا الوطن المعطاء، يتواصل وينتقل من جيل لجيل.
حفظ الله سمو الأمير المفدى وسمو ولي عهده الأمين، وحفظ الله هذا الوطن بقيادته وحكومته وشعبه، وأدام الله الأمن والأمان والاستقرار على هذا الوطن العزيز، الذي تتعزز فيه القيم النبيلة، وتترسخ فيه جيلا بعد جيل مبادئ النصرة والعدالة، المستهلمة من ديننا وقيمنا وأخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة.