العرب .. وتوسيع الجوار
نأمل أن تجد دعوة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في قمة “سرت” العربية الاخيرة بشأن توسيع الجوار العربي، صداها لدى القادة العرب، وأن تترجم على ارض الواقع سريعا.
استحضرت هذه الدعوة التي مر عليها نحو عشرين يوما دون ان نجد حراكا عربيا جديا في هذا الاتجاه وانا اتابع المستجدات المتلاحقة على الساحة العربية، في ظل هجمة اسرائيلية عدائية غير مسبوقة، تستهدف الارض والمقدسات في فلسطين، وقبلها الانسان الفلسطيني والعربي عموما.
العرب اليوم احوج ما يكونون الى ايجاد تكتل نوعي اوسع واشمل مع بقاء جامعة الدول العربية، خاصة مع دول هي عبر التاريخ كانت على اتصال دائم مع العرب، وفي تواصل حميم عبر التاريخ، ولها مساهمات ايجابية كثيرة في الحضارة العربية والاسلامية، خاصة كل من تركيا وايران، اضافة الى دول افريقية اخرى، فما الذي يمنع من اقامة -بل إحياء- هذا الجوار مجددا، في وقت يواجه العرب ظروفا قاسية، وتسعى دول وتكتلات عالمية للاستفراد بهم دولة دولة، وتكسير “عظامهم” دون رحمة او رأفة.
دعوة عمرو موسى مطروحة على الطاولة، ويفترض ان تبحث القمة الاستثنائية العربية -التي من المفترض انعقادها في سبتمبر القادم- في هذه القضية المهمة، والا تترك هذه الدعوة في “العراء” دون ان تجد مظلة تحتمي بها، او جهدا عربيا يتبناها ويدافع عنها.
المنطقة العربية اليوم على “فوهة بركان”، وخلق اسوار، وايجاد جدران مع دول الجوار العربي ليس في صالح الدول العربية، بل على العكس من ذلك، فان المنطق يدعو الى تعميق هذا التواصل التاريخي وتعزيزه، بما يكفل اقامة منظومة عربية تركية ايرانية افريقية، تخدم القضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها القدس، التي تتعرض اليوم الى هجمة شرسة اكثر من أي وقت مضى، مما يدعو العالم العربي الى ضرورة تكثيف مثل هذه الجهود، الرامية الى استقطاب كل الاطراف الممكنة لخدمة قضايانا المركزية.
واليوم نحن نعرف مدى الحضور التركي في الملفات العربية، خاصة قضية فلسطين، ولتركيا مواقف مشرفة في دعم هذا الملف، والامر نفسه كذلك فيما يتعلق بالموقف الايراني من قضية القدس، ودعم القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب ان يستثمر العرب ذلك، وان يسعوا جاهدين الى تطوير هذه العلاقات الى شراكات حقيقية، وتداخل في المصالح، وما سيخدم الموقف العربي في المحافل، وليس هذا فقط، بل ان وجود هذا التحالف -ان صح التعبير- سيحفظ المنطقة من اي “مغامرات” غير محسوبة، كون جميع الاطراف تدخل في تحالفات ولديها مصالح مشتركة، وبالتالي فانه من المؤكد سيكون لها موقف موحد تجاه اي قضايا تهدد اي طرف، وستتصدى مجتمعة لأية اخطار قد تحدق بالمنطقة العربية، وبالطبع قبل ذلك لن نجد “مغامرات” طائشة من اي طرف تجاه الطرف الآخر المتحالف معه اصلا.
لذلك فانه من الضروري امام الدول العربية النظر بجدية في دعوة عمرو موسى، وعلى اللجنة المصغرة والمشكّلة من الدول العربية؛ قطر وسوريا ومصر وليبيا واليمن، التي من المفترض ان ترفع تصورات حول تفعيل العمل العربي الى القمة الاستثنائية، ان تبحث قضية توسيع الجوار العربي، وان تسعى هذه اللجنة -التي لم تعرف بعد آليات تحركها او اجتماعاتها- الى طرح تصور عملي وجاد للبدء بخطوات فعلية نحو اقامة هذا الجوار، وان يحظى ذلك بموافقة عربية، تعتمد تصورات اللجنة المشكلة.
الوضع العربي اليوم لا نحسد عليه، واذا ما استمررنا في ذلك فان المستقبل سيكون اكثر قتامة، والمخاطر التي تحدق بنا، ستطبق على صدر العالم العربي اذا لم نجد عملا عربيا جادا ومخلصا، واذا لم نُعد توحيد صفوفنا، وتوظيف امكاناتنا، واستقطاب الاطراف المساندة لقضايانا الى صفوفنا.
الاتحاد الاوروبي اقدم على توسيع نطاقه بصورة كبرى، وادخل دولا ربما غير متجانسة مع نسقه ضمن دائرته -وان كانت دوله اصلا غير متجانسة- من اجل خدمة اهدافه، بل انه يتحمل اعباء تلك الدول الضعيفة، ويعمل على تأهيلها ودعمها اقتصاديا، والوقوف معها في الازمات العالمية، وما وقوفه مع اليونان في ازمتها، وتعهده بدفع 80 مليار يورو من اجل حل ازمتها المالية الا خير شاهد على ذلك.
بينما في واقع الامر تركيا وايران على سبيل المثال سيكونان داعمين للعالم العربي، وسيضيفان جهدا الى الدور العربي، وبالطبع لن يكونا عبئا على العالم العربي، الذي ان احسن استثمار طاقات هذين البلدين الكبيرين فان مرحلة جديدة في تاريخ هذه الامة ستبدأ، فكلما التقت الطاقات والامكانات العربية الاسلامية، ازدهرت الامة وتفوقت وسادت، والتاريخ شاهد على ذلك.
ان توسيع الجوار العربي سيعود بالفائدة على العالم العربي بصورة كبيرة، والامل ان نترفع عن بعض الاختلافات -وليس الخلافات- العالقة بين بعض الدول العربية وبين كل من تركيا وايران، وان نسعى جاهدين الى ازالتها، فما يجمع العالم العربي وهذه الدول والدول الافريقية كذلك اكثر بكثير مما يفرقها، فأرضية الالتقاء والعناصر المشتركة لا تعد ولا تحصى، بينما الاختلافات محدودة جدا، فلنجتمع على ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، هذه القاعدة اذا ما سادت علاقاتنا العربية الاسلامية فان واقعا جديدا سيسود بالمنطقة، اضافة الى انه حتى تلك الاختلافات ستجد طريقا للحل عبر الالتقاء المباشر، والحوار البناء الدائم.
يجب على الدول العربية ان تمضي قدما نحو تحويل دعوة توسيع الجوار العربي الى واقع، وان تترجم الى خطوات وآليات عمل نصل في نهاية المطاف وباسرع وقت الى ايجاد هذه المنظومة الاوسع، التي من المؤكد انها ستحمي الحقوق العربية، بل سنسترد تلك الحقوق التي سلبت في اكثر من مكان، فهل ننتظر تحركا عربيا جادا نحو توسيع الجوار العربي؟ وهل ننتظر من القمة العربية الاستثنائية ومن بعدها القمة العربية الدورية المصادقة على ذلك، بعد وضع اسس صحيحة وسليمة تقوم عليها، لتؤسس لمرحلة جديدة في العالم العربي؟.
نأمل ذلك.
ولنا كلمة