البحرين تغلق مكتبا غير موجود!
توقفت كثيرا عند الخطوة التي اقدمت عليها وزارة الثقافة والاعلام البحرينية بتجميد نشاط مكتب قناة الجزيرة في الشقيقة المملكة، واستغربت من البيان الذي نشرته الوزارة في الصحف البحرينية يوم امس بهذا الشأن.
وحقيقة سبب توقفي عند هذا الخبر، واندهاشي لما جاء في البيان، مرجعه اكثر من سبب، فمن يقرأ البيان الصادر من وزارة الاعلام البحرينية يجد “ركاكة” كبيرة في صياغته، وعدم وضوح في مفرداته، والقاء الاسباب على ان الجزيرة اخلت بالاعراف المهنية، ولم تفسر لنا الوزارة ما هي الاعراف المهنية التي اخلت بها الجزيرة، وهي بذلك تحاكي الادارة الامريكية عند حديثها عن الارهاب، الذي لم تقدم له مفهوما محددا منذ اكثر من عقد من الزمن، حتى يتم التعامل معه، ويظهر ان الاخوة بوزارة الاعلام البحرينية انتهجوا نفس النهج، ولم يقولوا ما هي الاعراف المهنية التي اخلت بها الجزيرة، التي يضرب بها المثل في مهنيتها ومصداقيتها في التعاطي مع الاحداث المختلفة، التي بسببها دفعت ضريبة عالية من اجل الحفاظ عليها، وعدم التنازل عنها تحت اي ظرف كان ومع اي نظام.
الامر الآخر، وهو في الحقيقة امر مضحك وفيه الكثير من الاستغراب، ان الجزيرة اصلا ليس لديها مكتب في البحرين حتى يتم اغلاقه او حتى تجميده!، وهو ما يظهر ان هناك تداخلا وتشابكا في ” الخطوط ” قد حصل في الوزارة.
ويظهر ان هناك من يرفع ” تقارير” لصناع القرار في وزارة الاعلام البحرينية وهو لا يعرف ما هو موجود على ارض الواقع، وما هي الوسائل الاعلامية التي لديها مكاتب او مراسلون في الشقيقة البحرين، فتأتي القرارات بعيدة عن الواقع، وهذه مصيبة وطامة كبرى.
ثم كيف يأتي الاغلاق دون اي اشعار للجهة المعنية بذلك، واقصد قناة الجزيرة، التي تفاجأت بالقرار، فالمتعارف عليه انه حتى في حال اذا اقدمت اي مؤسسة اعلامية تعمل في بلد ما على ارتكاب اية مخالفة، انه يتم مخاطبتها بذلك، واشعارها بالمخالفة، خاصة ان بيان وزارة الاعلام البحرينية تحدث عن اخلال مهني، لكن الوزارة لم توضح نوعية المخالفة اصلا، ولم تشعر الجزيرة – التي هي اصلا لا يوجد لها مكتب – بالاغلاق!.
ومن سياق البيان الذي اصدرته قناة الجزيرة تعقيبا على قرار البحرين ان الامر ” مبيت ” كما يقولون في ليل، فقد سبق هذا الاغلاق لمكتب غير موجود اصلا على ارض الواقع، قيام السلطات البحرينية بمنع فريق من قناة الجزيرة الانجليزية امس الاول من الدخول اليها لتسجيل مقابلة مع مسؤول اممي، فبماذا يفسر هذا المنع؟.
وللاسف الشديد ان الشقيقة البحرين التي اعلنت عن جائزة في اليوم العالمي لحرية الصحافة، ضربت عرض الحائط بهذه الحرية بخطوتها هذه، واعلانها تجميد نشاط مكتب الجزيرة غير الموجود اساسا لحين الاتفاق على مذكرة تفاهم، فما هو مفهوم الحرية الاعلامية؟ وهل هناك “قياس “معين و”مفصل” لهذه الحرية حتى يتم الترحيب بالوسائل الاعلامية التي تلتزم بهذا القياس؟.
لم يعد اليوم في اي دولة كانت بالامكان اخفاء الحقائق عن وسائل الاعلام المحلية منها والعالمية، فما يعتقد انه يمكن منعه من الوصول الى الصحف فانه يصل الى الفضائيات، وما يعتقد انه يمكن منعه من الوصول الى الفضائيات يصل الى المنتديات والمدونات وغيرها من وسائل الاعلام الحديث، لذلك من الافضل فتح الباب امام وسائل الاعلام، والحديث بشفافية، والسماح بتدفق المعلومات بحرية، بدلا من المنع او الاغلاق كما اقدمت عليه وزارة الاعلام البحرينية تجاه قناة الجزيرة.
اعتقد ان وزارة الاعلام البحرينية بهذه الخطوة تكون قد سجلت “سبقا” في كونها اول وزارة تغلق مكتبا لقناة فضائية او مؤسسة اعلامية هو اصلا غير موجود على اراضيها، وهو امر يصعب تفسيره او استيعابه.