إريتريا – جيبوتي.. ملفكما بأيد أمينة
هذا الحضور النوعي لقطر وقيادتها لم يأت من فراغ، وليس وليد الصدفة، بل جاء بفضل مبادرات نوعية قادها سمو الأمير المفدى، حفظه الله ورعاه، اسفرت عن تحقيق مصالحات كانت إلى الأمس القريب بعيدة المنال، واذا بها بعد ان مسكت قطر هذه الملفات أصبحت حقيقة على أرض الواقع.
ما يميز الجهود القطرية أنها نابعة من القلب، وتعمل بإخلاص، وتنظر للمصلحة العليا للأمة، وتسعى إلى بلورة رؤية مشتركة بين جميع الأطراف من اجل التوصل إلى حلول مرضية، وفي نفس الوقت حلول جذرية، بعيدا عن ” الترقيع ” او المحاباة لطرف على حساب طرف آخر.
نعم قطر وقيادتها لا تسعى إلى مجد شخصي من خلال هذه المبادرات الإصلاحية، والجهود الخيرة، فهي أبعد ما تكون عن البحث عن مصالح شخصية، وهذا ما ميّز هذه الجهود، وهو ما أعطاها المصداقية لدى جميع الأطراف، وباتت قبلة للمصالحات بين الفرقاء والأشقاء، ويُطلب تدخلها لحل المشاكل العالقة بين الدول الشقيقة والصديقة، والتي كانت تشكل بؤرا متفجرة بين هذه الدول.
مسيرة قطر الناجحة في المصالحات عديدة، فالقيادة القطرية اليوم تركت بصمة متميزة ونوعية في العمل، ليس فقط على المستوى العربي او الاقليمي او القاري، بل تجاوز ذلك إلى المستوى العالمي، فخلال العقود الماضية لم نجد حلا عربيا لمشكلة عالقة بين الدول العربية العربية، بل ان العالم العربي ظل يعاني من الحلول ” المستوردة ” او ” المفروضة ” من الخارج وفق اجندات لدول تنظر لمصالحها قبل مصالح الدول المتنازعة او المختلفة، إلى أن جاءت القيادة القطرية، وجاءت مبادرات سمو الأمير المفدى، حفظه الله ورعاه، الذي استطاع قيادة مبادرات ساهمت في ” تفكيك ” القنابل الموقوتة بين العديد من الدول العربية والشقيقة والصديقة، وقدمت نموذجا في العمل المخلص، والمبادرات الهادفة إلى توحيد الصف، ومعالجة الخلافات، وتوفير أرضية لإنجاح هذه المبادرات والمساعي المخلصة.
بصمة قطر اليوم ونجاحاتها تتحدث عنها الأزمة اللبنانية الطاحنة، وكيف استطاعت القيادة القطرية جمع جميع الأطراف قبل عامين، والتوصل معها إلى اتفاق أعاد لهذا البلد الجميل استقراره وأمنه، بعد ان كان قد دخل في نفق مظلم، وأوشك على الدخول في منعطف الحرب الأهلية.
نجاحات قطر لم تقتصر على الساحة اللبنانية، بل سارت إلى القارة الافريقية، فكان ان سعت إلى حل الخلافات القائمة بين السودان من جهة وبين كل من تشاد وارتيريا من جهة اخرى، وبين اثيوبيا واريتريا، وبين جيبوتي واريتريا، اضافة إلى ذلك ها هو ملف دارفور الذي ظل مستعصيا على العديد من الدول طوال السنوات الماضية، يجد طريقه للحل في عاصمة السلام الدوحة، فقد استطاعت قطر ان تجمع الفرقاء في مكان واحد، وان تدير حوارا بناء من اجل مصلحة ابناء السودان الشقيق، ومن اجل استقرار هذا البلد العزيز ووحدته، اضافة إلى دعم المصالحات الفلسطينية، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، والدفاع عن قضاياه في مختلف المنابر الإقليمية والدولية، ودعم الدول والشعوب العربية وما الموقف النبيل لسمو الأمير المفدى من أشقائنا في جزر القمر إلا نموذج للعديد من المواقف التي يشار إليها بالبنان، والتي يسجلها التاريخ، ويحفظها أبناء الأمة.
قد يقول البعض وما الذي يدفع قطر بالذهاب إلى القارة الافريقية، التي تفصل عنها آلاف الاميال، ولا ترتبط معها بجوار جغرافي او مصالح خاصة؟.
قطر وقيادتها الرشيدة تستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقها في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا العربية، وما يتطلبه ذلك من بذل الجهود من أجل حل الخلافات، وحشد الطاقات، والحفاظ على الأمن القومي العربي، الذي بات مهددا في ظل استمرار هذه الخلافات، وهذه النزاعات، والقرن الافريقي يشكل اهمية كبرى للامن القومي العربي، وهو ما يستلزم من جميع الدول العربية وضع استراتيجية فعلية للحفاظ عليه، بدلا من ترك ذلك للدول الكبرى، التي تنظر لمصالحها بالدرجة الاولى، ولا تهتم بمصالح أمتنا.
ان القيادة القطرية تنطلق في مساعيها الكريمة من حرصها على وحدة الصف العربي، وضرورة البحث عن حلول للخلافات القائمة بين أبناء الأمة الواحدة، ومدت أياديها للتعاون مع جميع الأطراف من أجل معالجة كل القضايا العالقة، وايجاد حلول جذرية للمشاكل التي تعوق وحدة الامة ونهضتها وتقدمها.
نعم قطر لا تبحث عن دور، ولا تبحث عن شهرة، ولو كانت من طلاب ذلك، لوجدنا انها لا تحرك ساكنا، كما يقولون، إلا بعد حملات إعلامية، ودعايات في كل مكان، كما تفعل بعض الدول العربية، التي لم تنجز ” عُشر ” ما انجزته القيادة القطرية على صعيد المصالحات العربية العربية، والعربية الافريقية.
لقد بذل معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، جهودا مضنية في مختلف الملفات، وآخرها الملف الاريتري الجيبوتي، وبالرغم من ذلك لم نسمع عن ” ضجيج ” إعلامي خلال الرحلات المكوكية التي يقوم بها بين العواصم المعنية بالملفات التي تعالجها الوساطات القطرية، فكان يعمل بصمت وإخلاص من أجل إنجاح المصالحات، وهو الهدف الذي وضعته القيادة القطرية في تحركاتها، ونصب عينيها.
إن السياسة الواعية التي يقودها سمو الأمير المفدى، والحكمة في معالجة الخلافات في مختلف الملفات، وبين الأطراف المختلفة، والمصداقية العالية، ونزاهة الدور القطري، والوقوف على مسافة واحدة بين جميع الأطراف، والإخلاص في المساعي التي تقوم بها القيادة القطرية..، كل ذلك يدفع دول العالم للنظر بإجلال وتقدير إلى القيادة القطرية ومساعيها النبيلة، وجهودها الكبيرة، وان تطلب وساطتها لحل خلافاتها المستعصية في كثير من الأحيان.
سدد الله على طريق الخير خطى سمو الأمير المفدى وولي عهده الأمين، وحكومته الرشيدة، وحفظ الله هذا الوطن العزيز وقيادته من كل سوء ومكروه، وأدام الله الأمن والاستقرار على هذا البلد المعطاء، الذي يمد أياديه الخيرة والبيضاء إلى كل مكان.
ماذا يعني اتفاق كل من اريتريا وجيبوتي على ان يعهدا إلى دولة قطر ببذل جهود الوساطة لإيجاد حل للخلاف الحدودي بين بلديهما، وتفويض حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى بالصلاحيات الكاملة لاصدار وثيقة عمل تنفيذية للاتفاقية؟.
هذه الخطوة من قبل رئيسي البلدين في كل من اريتريا وجيبوتي مفادها باختصار: قطر وقيادتها تتمتع بالمصداقية العالية، والمكانة الرفيعة في مختلف المحافل، وتُحترم جهودها على مختلف الأصعدة، لأنها وسيط نزيه، يعمل بإخلاص وشفافية، بعيدا عن أي حسابات شخصية أو أجندات خاصة.