مقالات

صح النوم.. يا هيئة السياحة

ودليل “نوم” هيئة السياحة أنها ـ للأسف الشديد ـ لم ترَ عشرات الوفود الرسمية التي توافدت إلى قطر للترويج السياحي لبلدانها، سواء الوفود الخليجية أو العربية أو الآسيوية.. وأتت مبكراً، أي إن هذه الوفود أعدت العدة منذ فترة طويلة، ولديها خطط واستراتيجية واضحة، وتعرف ماذا ستفعل قبل بداية موسم الصيف، بل إن إحدى دول الجوار أتت منها ثلاثة وفود للترويج السياحي لمدنها المختلفة، وأقامت ثلاثة مهرجانات صيفية هذا العام، كما في الأعوام السابقة، بينما هيئة السياحة عندنا لا تستطيع أن تنظم مهرجاناً واحداً، فحتى ما يقال إنه “مهرجان” سيتم تنظيمه في العشرين من الشهر الجاري قائم على شركة خاصة، تستهدف بالدرجة الأولى الجانب المادي، وأعتقد أن تجربة العام الماضي كفيلة بأن تدفع الغالبية لعدم زيارة ما يطلق عليه “مهرجان”، وهيئة السياحة تعرف أسباب ذلك جيداً، أو هكذا يفترض.

الآن مضى على إنشاء الهيئة العامة للسياحة “10” سنوات، نريد تقييماً شفافاً ونزيهاً، وعلى درجة من المصداقية حول الإنجازات الفعلية التي حققتها الهيئة، لا نريد كلاماً “إنشائيا”، أو أرقاماً” خيالية، أو إنجازات “هلامية”،..، نريد إنجازات على الأرض.. لا تقولوا: إن بناء الفنادق ـ التي ازدهرت خلال السنوات القليلة الماضية بفضل نجاح السياسات الاقتصادية الكبيرة للدولة ـ هو إنجازات خلقتها الهيئة، أو يحسب لها، ولا تقولوا: إن الآلاف زاروا الدوحة بفضل جهود الهيئة، فقد أتى هؤلاء لمشاركات في مؤتمرات ومنتديات وفعاليات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية.. أو بسبب بطولات وأحداث رياضية تنظمها اللجنة الاولمبية وأجهزتها المختلفة.. أما أن وفوداً سياحية أتت بفضل جهود الهيئة، فأعتقد أن من الصعب هذا الادعاء، لأنها جهود لا تذكر أصلاً.

طوال العام نقرأ عن جولات تقوم بها الهيئة، ومشاركات في المؤتمرات والمعارض الإقليمية والقارية والدولية، ولكن لا نلمس ذلك على أرض الواقع، ولا نرى أثر هذه الجولات والمشاركات التي تستنزف الملايين من ميزانية الهيئة، في الداخل القطري، فنحن لا نرى دوراً فاعلاً للهيئة في السياحة الداخلية، أو في تنظيم مهرجانات ترتقي بمكانة قطر، التي عرف عنها دولياً أنها الأفضل في التنظيم سواء على المستوى السياسي والاقتصادي.. أوفي الاستضافة الرياضية، أما الفعاليات والأنشطة والمهرجانات السياحية والترفيهية، فلا أعتقد أنها ترتقي للقطاعات الأخرى.

ما الذي يجعل الهيئة مثلاً تتأخر في الإعلان عن فعاليات الصيف إلى هذا الوقت، الذي من المؤكد أن الجميع قد رتّب أموره، وقام بإجراء حجوزاته الخارجية، لماذا لم تعلن عن فعالياتها منذ شهر مايو مثلا؟ هل تنقصها الميزانية، أم الرؤية، أم الاستراتيجية، أم واضعو الخطط والبرامج.. ؟.

الهيئة تتحدث عن خطة لتطوير القطاع السياحي تصل استثماراتها إلى نحو “20” مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، فهل يعقل أنها لا تملك في ميزانيتها مبلغاً “زهيداً” لتنظيم مهرجان خلال الصيف؟.

بل على العكس تماماً، فان الدول اليوم تنظم مهرجانات صيفية من أجل جعلها رافداً للاقتصاد الوطني، وتضع مليوناً مثلا في فعالية مدروسة، لتجني “10” ملايين، نعم عوائد السياحة اليوم تشكل رافداً أساسياً في الاقتصاد، إذا ما أحسن استثماره، وهناك تجارب ناجحة في أكثر من دولة، فلماذا لا يسعى الإخوة بهيئة السياحة للاستفادة من تلك التجارب الناجحة في بلدان العالم، بدلاً من جولات في قارات العالم دون أن نرى أثر ذلك على الواقع السياحي المحلي؟.

من المهم أن تكون هناك رؤية محددة لدى القائمين على القطاع السياحي لما ينبغي القيام به، وأن تكون هناك استراتيجية واضحة المعالم لكيفية تطوير هذا القطاع الحيوي المهم، وأن تكون هناك برامج وخطط تواكب المرحلة التي يعيشها العالم، بفعاليات تتماشى مع متطلبات المواطن والمقيم والسائح الزائر، يسفر عنها ترويج سياحي مُقْنِع.. مسبق.. وقبل فترة كافية، مع ضرورة إعداد وتأهيل كوادر قطرية لإدارة هذا القطاع المهم، بدلاً من ترك الأمور في أيدٍ غير قطرية، وغير مؤهلة يتم الاستعانة بها من الخارج، وفي أحيان كثيرة تقوم بتمثيل قطر في مؤتمرات ومعارض عالمية، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستغراب والتعجب..  في جميع دول العالم تجد الهيئات المعنية بالسياحة تعمل طَوالَ العام في البحث عن كيفية استقطاب السياح لبلدانها، إلا عندنا، فلا نجد خططاً على أرض الواقع تتحدث عن ذلك، ولو لموسم واحد، مع أن المفترض أن السياحة مفتوحة طوال العام، كما يفترض ـ قبل الانتهاء من أي فعالية ـ التفكير فيما ينبغي فعله في العام المقبل، مع استمرارية الفعاليات طوال العام، خاصة أن الجو أو المناخ لم يعد عائقاً في تنظيم أي فعالية، بدليل النجاحات التي حققتها عدد من دول الجوار، التي تقع في الإقليم ذاته ومن المؤكد أنها لا تملك إمكانات أكثر من إمكانات قطر، لكن لديها هيئات فاعلة ونشطة، ولديها خطط لتنشيط قطاع السياحة طوال العام.. في بلدانها.

نريد من هيئة السياحة أن تعيد النظر في مسيرتها، بأن تكون صاحبة مبادرات نوعية وخلاقة، وأن تكون صاحبة السبق في طرح الفعاليات المتجددة، وأن يكون لها بصمة في العمل السياحي المحلي والترويجي، بدلاً من أن تكون الهيئة “خارج التاريخ”!.

الأمل أن يكون هناك تخطيط مسبق دائماً للفعاليات والأنشطة والبرامج المزمع تنفيذها، وأن تكون هناك رؤية واضحة لما تريد الهيئة القيام به ضمن خطة شاملة لسنوات قادمة، من أجل تفعيل وتنشيط القطاع السياحي، الذي يرتبط به العديد من القطاعات الحيوية، ويمثل حراكاً إيجابياً إذا ما شهد القطاع السياحي تطوراً وتنشيطاً فعلياً، وإذا ما “نفض” عنه الغبار المتراكم منذ سنوات.

مهرجان الصيف ليس مجرد تجميع لـ “مخلفات” ما تسمى بالألعاب من دول العالم، ثم وضعها في مكان واحد عبر شركات تجارية، ومن ثم القول: إننا نظمنا مهرجاناً صيفياً، وأصدرنا يومياً نشرات تتحدث عن أرقام “خيالية” من الزوار.. إنما هو تخطيط مسبق، وإعداد صحيح، وتسويق على امتداد وقت كاف، وإشراك لقطاعات المجتمع المختلفة، وقبل هذا وذاك إدارة متكاملة، وفريق عمل متجانس، يعرف ماذا يريد، وكيف يقدم برامجه في مختلف أشهر العام في الداخل والخارج؟.

نريد  للسياحة هيئة فاعلة تواكب فاعلية وديناميكية الدولة، التي باتت اليوم يشار إليها بالبنان.. نريد من القطاع السياحي أن يستثمر الوثبة الاقتصادية التي تشهدها الدولة من أجل النهوض بهذا القطاع.. نريد من القطاع السياحي أن يمثل رقماً مهماً في الدخل العام للدولة، وألا يكون “عالة” على الموازنة العامة للدولة.. نريد من هيئتنا الموقرة أن تكون حاضرة طوال العام.. تفكر.. وتخطط.. وتترجم ذلك على أرض الواقع.. نريد أن يشعر المواطن والمقيم بأن هناك ـ في قطرـ  هيئة تسمى الهيئة العامة للسياحة.

 

… وأخيراً صحت الهيئة العامة للسياحة!! ـ وليتها لم تصح ـ وعلمت أن هناك صيفاً قادماً، يتطلب الإعداد والتجهيز له، ولكن متى صحت الهيئة؟

في الأسبوع الماضي أعلنت الهيئة أنها ستنظم “مهرجاناً” خلال الصيف يبدأ في العشرين من الشهر الجاري، وأنها ستقوم بحملة إعلامية وإعلانية (بعد فوات الأوان) من أجل الترويج لهذا المهرجان!. أقول.. نعم ليتها لم تصح من “سباتها الطويل”، فكما يقول المثل “طارت الطيور بأرزاقها”، فمن يريد السفر وقضاء إجازة الصيف، فقد أنهى كل الترتيبات منذ فترة، ولن ينتظر إعلان الهيئة الذي جاء متأخراً جداً..

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x