أطراف دارفور.. الإنصات لصوت العقل
الاختراق الذي حققته الدبلوماسية القطرية في ملف دارفور، متمثلاً بانفتاح عبدالواحد نور زعيم حركة تحرير السودان، ولقائه نهاية الأسبوع الماضي بوزير الدولة للشؤون الخارجية سعادة السيد أحمد بن عبدالله آل محمود، وتأييدِه لعملية السلام في دارفور، والاتفاقِ على بدء مرحلة التشاور، يعد خطوة مهمة في طريق إحلال السلام في هذا الإقليم، من خلال الالتقاء بجميع الأطراف المعنية بحل الأزمة.
هذه الخطوة تؤكد أن قطر ماضية في مساعيها لإحلال السلام في دارفور، وأنها لن ترفع يدها عن هذا الملف إلا بعد إيجاد حل جذري لهذه القضية، التي تؤرق العالم العربي بالدرجة الأولى، والعالم أجمع، كما فعلت في ملف لبنان، الذي أبت إلا أن توصله إلى بر الأمان، وهو ما سينطبق على ملف دارفور في نهاية المطاف.
اليوم.. الجهود القطرية المبذولة في مختلف الملفات تحظى باهتمام كبير من قبل قادة العالم، وينظر لها بتقدير عال جداً، فلطالما “فككت” هذه الجهود والمساعي “ألغاما” كانت في ملفات.. ظلت تتدحرج شرقاً وغرباً دون حل، إلى أن دخلت الوساطة القطرية وحكمتُها في إدارة هذه الملفات، فكان أن توصلت بتلك الحكمة والسياسة إلى حلول جذرية، فقدمت بذلك نهجاً جديداً في التعامل مع الملفات “الملغمة” التي استعصت على الحل، وعجَزت أطراف عدة عن إحداث اختراق فيها.
قطر لا تحمل أجندة في مساعيها الرامية إلى إيجاد حلول للملفات التي توسطت فيها، ومن بينها ملف دارفور، فهي قطر.. تقف على مسافة واحدة مع جميع الأطراف.. رأينا ذلك من خلال قبول ممثلي مختلف الفصائل التي وفدت إلى الدوحة للتحاور، بل لم تكتف بذلك، فقد دعت ممثلي المجتمع المدني للمشاركة في هذه الحوارات الدائرة من أجل الخروج برؤية مشتركة، تؤسس لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار، بعيداً عن الحرب والقتل والدمار.. وما يسفر عن ذلك من تشريد للآلاف من السكان الأبرياء، وتحويلهم إلى لاجئين، وإلى معسكرات ينزحون إليها، ليس فيها أبسط مقومات الحياة، كما يسفر عنها تمزيق للوطن، وتبديد للثروات في حروب لا طائل منها، ولا منتصر فيها.
لقاء وزير الدولة للشؤون الخارجية مع عبدالواحد نور يؤكد أن قطر منفتحة على جميع الأطراف، ومستعدة للحوار والتحاور حول مختلف الأفكار، ولديها الرغبة الأكيدة والتصميم للتوصل إلى حلول لقضية أهلنا في دارفور، وعدم ترك هذا الملف لكي تعبث به أيادٍ لا تريد الخير للسودان وأهله، ولا للأمة بأسرها.
إن المطلوب اليوم من جميع الأطراف المعنية بملف دارفور الإنصات جيداً لصوت العقل والحكمة القادم من القيادة القطرية، والمنطلق من دوحة السلام، والابتعاد عن النزعات الفردية، والتدخلات الخارجية التي لا تريد مصلحة قضية دارفور، بقدر ما تريد أن تنفذ أجندتها الخاصة على حساب أهل السودان، وأهل دارفور.
لا نريد أن يظل هذا الجرح مفتوحاً ونازفاً في جسد الأمة دون أن يعالج، ودون أن يغلق تماماً، حتى تتفرغ جميع الأطراف للمستقبل، وتضع أيديها معاً، وتتشابك لبناء مستقبل الأجيال، التي لن ترحم أي طرف إذا ما خان المصلحة العليا للشعب والوطن، واستمع إلى أصوات تعمل على إبقاء جذوة الخلافات قائمة، كما تعمل على الاستفادة من الانشقاقات الحاصلة حالياً بين الإخوة في هذا الاقليم الواحد، بل وتغذي هذه الخلافات، وتدفع بها نحو المزيد من أجل استمرار التمزق لغايات وأهداف خاصة.
التاريخ لن يرحم الذين ينفذون أجندة “الغرباء” على حساب الشعب والوطن.. والأجيال لن تنسى أياً من مواقف جميع الأطراف.. الإيجابية منها والسلبية.. المتضامنة مع قضايا شعبها أو المتآمرة عليه.. المتعاونة مع مصالح أمتها أو المتعاونة مع الأعداء.
قطر اليوم توفر فرصة تاريخية لجميع الأطراف، وإذا لم يتم استثمار هذه الفرصة من أجل إغلاق ملف دارفور بحل جذري ينهي ـ إلى الأبد ـ الصراع القائم، فلا أعتقد أن أيادياً أخرى ستبادر بدعوة الإخوة، من أجل إيجاد حل لهذه القضية، ولا أعتقد أن جهداً مخلصاً ـ كما تقوم به القيادة القطرية حالياً ـ سيظهر من أي دولة، أو جهة في القريب العاجل.
الأمل أن يحسم الإخوة في الأيام القليلة القادمة مواقفهم.. تجاه معالجة جذرية لملف دارفور، ومن ثَمَّ إغلاقه بصورة نهائية، لتبدأ مرحلة جديدة في عمر هذا الإقليم، مبنية على التنمية والإعمار والبناء لغد أفضل، ومستقبل مشرق للأجيال.