مقالات

الأمن والعمل.. تحديات المرحلة أمام الدول الخليجية يشكلان مساراً واحداً ولا يمكن أن ينفك أحدهما عن الآخر

هناك قضيتان لابد لأصحاب المعالي ان يخصصوا لهما الوقت الكافي، واذا تطلب الامر ان يعقدوا لهما اجتماعات واجتماعات، وهما ملف الامن وملف العمل.

لقد تعرضت دولتان خليجيتان هما سلطنة عمان الشقيقة ومملكة البحرين الشقيقة مؤخرا الى “هزتين” أمنيتين، اثرتا -وما زالتا- في الوضع الداخلي لهاتين الدولتين الشقيقتين، ومن المؤكد ان تأثير ذلك سينتقل الى دول خليجية اخرى اذا لم تتم معالجة الاسباب الحقيقية التي دفعت الى حدوث تلك القلاقل الامنية، والبحث عن آليات فاعلة تعالج كل المشاكل بحكمة وحوار عقلاني وشفاف بين كل الاطراف الوطنية، غير المرتبطة بأطراف خارجية، تلك التي تحمل اجندات غير وطنية، او تلك الساعية لابتزاز السلطات الحاكمة.

منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 وجميع دوله تؤكد وحدة المصير والهدف، وانها دولة واحدة مترابطة، مهما اختلفت وجهات النظر في بعض الاحيان حيال بعض القضايا، الا انها تظل متمسكة بكيان هذا المجلس، وهو ما اكدته كل التحديات والعواصف التي تعرضت لها المنطقة طوال العقود الماضية، الا ان مجلس التعاون ظل قائما، ظلت الحاجة الى بقائه تترسخ يوما بعد يوم، للتصدي لكل محاولات الاضرار بدول هذه المنظومة منفردة او على المستوى الجماعي.

نعم.. امن واستقرار الخليج كل لا يتجزأ، وهي قضية ليست دعائية او اعلامية، بل يجب ان تترجم على ارض الواقع، وأجزم انها كذلك، وابرز مثال على ذلك عندما تعرضت الشقيقة الكويت الى غزو غاشم، وعدوان جائر، واحتلال بغيض من قبل نظام صدام حسين في اغسطس 1990، فقد تجسدت الوحدة الخليجية في هذا الحدث الآثم بصورة مثلى.

اليوم هناك “عواصف” تهب على المنطقة، تحمل من بين ما تحمل نذراً مشؤومة، فيها شر مستطير، حتى وان كان ظاهر البعض منها الاصلاح، الا ان باطنها يراد به استدراج بعض دول الخليج الى مزالق وانفاق مظلمة.

نعم مطلوب من دول الخليج الاسراع بالقيام باصلاحات في مختلف القطاعات، اصلاحات تواكب المرحلة التي تمر بها هذه الدول ومجتمعاتها، ولكن تحافظ على خصوصيات هذه المجتمعات ونظم الحكم فيها، فالدول الخليجية ليست كباقي الدول العربية، خاصة في علاقة الحكام بالشعوب، التي مازالت على درجة عالية من التواصل والتقارب.

وانا على ثقة ان قادة دول الخليج على قناعة تامة بأهمية الاصلاح في جوانب الحياة والقطاعات المختلفة، ويعون جيدا متطلبات المرحلة، ويسعون جاهدين الى معالجة اوجه القصور، وان تأخر البعض منها في تحقيق نتائج سريعة لهذه الاصلاحات.

ملف الامن يجب عدم اغفاله او التساهل بشأنه، فلا يمكن تحقيق أي تنمية في حال غياب الامن، او عدم الاستقرار، وما حققته دولنا الخليجية من انجازات يعود الفضل فيه -بعد الله- الى رغبة قادة هذه الدول في ايجاد مجتمعات مزدهرة، وعدم الاستفراد بالثروة كما هو حاصل مع كثير من الزعامات العربية، التي حولت ثروات بلدانها الى حساباتها الخاصة.

اضافة الى ذلك كان للاستقرار الامني الدور الاساسي في تحقيق هذه المكاسب، لذلك من المهم المحافظة على امن واستقرار دول الخليج، واعتبار ان امن الخليج كل لا يتجزأ.

اما الملف الآخر فهو ملف العمل، الذي لا يقل اهمية عن الملف الامني، فاذا ما حدثت بطالة بين ابناء دول الخليج، ولم يجدوا موردا لحياة كريمة، واذا ما كبرت دائرة البطالة، واصطف الشباب في طوابير طويلة بحثا عن العمل، فلا نستبعد انتكاسة في الحالة الامنية ستحدث.

اليوم يتراوح التعداد السكاني لدول الخليج ما بين 38 و40 مليون نسمة، منهم نحو 15 مليون وافد، فيما تبلغ نسبة البطالة في دول مجلس التعاون مجتمعة نحو 10،5 %، بالطبع متفاوتة من دولة الى اخرى، ولكن هناك بطالة بين الشباب الخليجي الذي يشكل نحو 65 % من نسبة السكان في هذه الدول.

ففي الوقت الذي تستقطب دول الخليج الملايين من العمالة في مختلف القطاعات، فان عددا كبيرا من الشباب الخليجي لا يجد عملا، وهذه مشكلة لا ينبغي المرور عليها دون التوقف ملياً، والبحث عن آليات جديدة لاعداد الشباب الخليجي للانخراط في سوق العمل، وتأهيله بحيث يتوافق مع متطلبات هذا السوق، الذي بات يضع شروطا عديدة لقبول من يلتحق به، وهو ما يفرض على وزارات العمل والجهات المعنية، وحتى التعليم ضرورة اعداد برامج تلبي متطلبات سوق العمل، وتكون مخرجات التعليم على درجة عالية من التأهيل، بحيث لا تكون هناك اعذار لسوق العمل في قبول المواطنين، وهو ما يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة.

كما انه من الضروري اجراء عملية اصلاح لسوق العمل، وتحديدا القطاع الخاص، سواء فيما يتعلق بالقوانين او التشريعات او الامتيازات المالية، بما يدفع المواطنين للانخراط في العمل بالقطاع الخاص، بدلا من التمركز في العمل بالوزارات والقطاع الحكومي، الذي ربما تشبع في بعض الدول الخليجية.

البطالة “قنبلة” موقوتة، اذا لم يتم سحب مفتاحها وتفكيكها، فانها معرضة للانفجار في أي وقت، مما قد يدمر المجتمع، ويصعب اذا ما حصل الانفجار تلافي ما قد ينتج عنه، لذلك من المهم معالجة ملف العمل قبل تضخم مشاكله، ومن ثم استحالة حلها.

ملف الامن وملف العمل، لا ينفك احدهما عن الآخر، فوجود بطالة بين شرائح المجتمع، خاصة الشباب، من المؤكد انه سيخلق مشاكل امنية، حتى وان لم تظهر على السطح بصورة واضحة في هذه المرحلة، الا انها معرضة للبروز في أي لحظة، وبالتالي مطلوب علاجها من الآن بصورة جذرية، بعيدا عن “الترقيع”.

ان المرحلة التي تمر بها المنطقة حساسة جدا، وبها من التحديات الشيء الكثير، مما يفرض على مؤسسات كل دول مجلس التعاون ان تكون على قدر هذه التحديات، وتعمل على “نفض” غبار المرحلة الماضية، استعدادا لمرحلة جديدة، مع ضرورة الاسراع باجراء اصلاحات لقطاعات عدة في جميع دول مجلس التعاون وان كانت بنسب متفاوتة قبل فوات الأوان.

وبما ان مجلس التعاون الخليجي هو كيان واحد، فان المطلوب اليوم كذلك الوقوف جديا مع كل من سلطنة عمان ومملكة البحرين، سواء عبر الدعم الاقتصادي والمساندة في تقليص نسب البطالة، او في عدم السماح لأي جهة كانت بالتدخل في الشأن الخليجي، فترتيب البيت الخليجي هو من مهمة اهله، ولا تحتاج دولنا الخليجية لـ “نصائح” أحد، أو “وصفات” خارجية.

 

يلتقي وزراء الخارجية بدول مجلس التعاون الخليجي اليوم بدولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة، ولا نريد ان يكون هذا الاجتماع مجرد لقاء كسائر اللقاءات والاجتماعات التي يعقدها اصحاب المعالي، فالمنطقة تمر بتحديات ربما تغير الخريطة إذا لم يتم التنبه لها، والتصدي للتحديات التي تواجهها، ومعالجة كل القضايا بجرأة وشفافية، بعيدا عن “اللملمة” او السكوت عنها، فلم يعد الامر يحتمل التأخير في مناقشة قضايا المنظومة الخليجية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..، ولا نريد الادعاء ان الامور “كلها تمام”، بل ان هناك “منغصات” بدأت تطل برأسها في عدد من الدول الخليجية، وما يحدث اليوم في هذه الدول قد ينتقل الى دول اخرى اذا لم تتم معالجة اسباب ذلك من الجذور، خاصة فيما يتعلق بالملف الامني، الذي لا يقبل التهاون او التساهل فيه، فأمن الخليج كل لا يتجزأ، وأي تهديد للاستقرار في أي دولة هو تهديد سيسري على الجميع.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x