يجب أن يكون معلوما لدى القيادة في إيران أن الدول الخليجية لن تسمح باختراق أمنها أو التعدي على سيادتها
دول مجلس التعاون اليوم ليست كما هو عليه الحال في سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت إيران الشاه تعربد بالمنطقة، وتعتبر نفسها أنها الشرطي الموكول له حراسة المنطقة، وما كنا نتطلع إليه أن تقوم الجمهورية الإسلامية بتغيير تلك السياسة بعد إطاحتها بالشاه، وإقامة علاقات طيبة، تقوم على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وانفتاح أكبر مصحوبا بحسن نية مع الدول الخليجية، التي ما فتئت تبدي حسن نيتها تجاه إيران، وتمد أياديها لإقامة علاقات طيبة، ولم يسمع عن هذه الدول أنها تدخلت بالشأن الإيراني من قريب أو بعيد، وتؤكد دائما أن ما يحدث في الجمهورية الاسلامية هو شأن داخلي يحل عبر الطرق التي ترى فيها القيادة والشعب الإيراني الشقيق والصديق مناسبة لحلها، والتوصل لتفاهم داخلي، دون تدخل خارجي.
بل أكثر من ذلك، فقد رفضت دول مجلس التعاون الخليجي أن يتم ضرب إيران من خلالها، أو استخدام أراضيها، أو السماح لأي طرف بالتعدي على إيران عبر الحدود الخليجية جوا وبحرا، وأصرت على أن الجمهورية الاسلامية جارة، حريصون على إقامة أفضل العلاقات معها.
وأكثر من ذلك، فلطالما دافعت دول خليجية عن إيران في المحافل الاقليمية والدولية، ورفضت سياسة الحصار أو الاحتواء المفروض على إيران، وظلت تتعامل مع الجمهورية الاسلامية، رافضة اية ضغوط قد تأتي من أي طرف لتقييد علاقاتها مع إيران.
ولكن رغم كل هذه النوايا الحسنة التي أبدتها الدول الخليجية تجاه “الجمهورية” فان الأخيرة لم تقدم عمليا رغبتها بتحسين هذه العلاقات والارتقاء بها الى مستويات تتجاوز الحديث الاعلامي المستهلك، بل حتى التصريحات الاعلامية لطالما صاحبها تهجم وتدخل رسمي في الشأن الخليجي، أو من خلال شخصيات متنفذة في النظام أو قريبة من صنع القرار تحاول ضرب هذه العلاقات، وإثارة القلاقل باستمرار في العلاقة الإيرانية الخليجية، والشواهد على ذلك كثيرة، لا نريد استحضارها املا في تجاوزها.
دول الخليج العربي حريصة على إقامة علاقات طيبة ومتينة مع الجارة الجمهورية الاسلامية، التي يفترض انها اكثر حرصا على تدعيم هذه العلاقة وتقويتها وتوثيقها، ولكن ليس في الأفق حاليا ما يشير الى ذلك.
نسمع دائما تصريحات القيادة الإيرانية ومسؤوليها في القاء اللوم على امريكا واسرائيل في “تأزيم” العلاقات بينها وبين الدول الخليجية، وأن هاتين الدولتين (امريكا واسرائيل) تسعيان الى بذر الشقاق والتفرقة في العالم الاسلامي، واعتقد ان هذا من حقهما إن صحت الشواهد على ذلك، فهاتان الدولتان تراعيان مصلحتهما، وتسعيان لحماية مصالحهما في العالم الاسلامي، وبالتالي من الطبيعي اختيار سياسة تؤمن لهما ذلك، وربما افضلها سياسة “فرق تسد”، لكن السؤال لماذا نحن نسمح لهاتين الدولتين باختراقنا وتنفيذ سياستهما على حسابنا؟ لماذا الاشقاء في إيران لا يكاد يمر يوم الا ويطلقون تصريحات تخلق الكثير من القلاقل ولا يدفعون نحو تحسين هذه العلاقات؟ لماذا الاعلام في ايران في غالبه يدفع نحو اثارة الخلافات والاصرار على المختلف فيه من القضايا؟…
اليوم في العلاقة الخليجية الايرانية ليست امريكا واسرائيل بحاجة لتدخل لـ “تأزيم” هذه العلاقات، فاقوال ولا اريد ان اقول “اعمال” وتصريحات المسؤولين في الجارة الاسلامية ايران كفيلة بخلق اجواء مشحونة وغير صحية مع الدول الخليجية، فلا يكاد يمر يوم الا ونسمع تلك التصريحات المعلنة والصادرة من مؤسسات ووزارات رسمية، ومن شخصيات يتولون مناصب عليا في القيادة الايرانية وفي صنع القرار، والتي لا تعمل على خلق اجواء طيبة من العلاقات الرسمية على اقل تقدير.
اقول للاخوة في ايران، الخوف اليوم ليس في تزعزع العلاقات الرسمية بين الجمهورية الاسلامية والدول الخليجية، بل اليوم هناك حالة عدم ثقة تتزايد بين الشعوب الخليجية في ايران، وان الاخيرة لديها ” اطماع ” في دولهم.
نعم هذا هو الواقع اليوم، الذي للاسف آخذ في التزايد بين مختلف فئات المجتمعات الخليجية، والسبب هم المسؤولون في “الجمهورية” الذين أكرر للأسف البعض منهم يحاول القفز على الحقائق والواقع، والسعي لخلق واقع جديد، معتقدين أن في مثل هذه المساعي مصلحة لـ “جمهوريتهم”، وهذا غير صحيح مطلقا، ليس من مصلحة إيران بالدرجة الاولى زعزعة الامن والاستقرار بالدول الخليجية، والسعي الحثيث لبث التفرقة بين ابناء المجتمع الواحد من أجل خدمة مصالحها وليس مصلحة ابناء هذه المجتمعات، التي عاشت عقودا ومئات من السنين في وئام وتوافق تام.
لأكثر من ثلاثة عقود منذ مجيء الجمهورية الاسلامية في عام 1979 والدول الخليجية تأمل في اقامة علاقة صحية وطبيعية واخوية مع الجارة الشقيقة، وكانت هذه الدول الخليجية تتطلع لان تقلب “الجمهورية” صفحة نظام الشاه، وتتخلص منها للابد، وان تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الخليجية – الايرانية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والتعاون لما يخدم دول هذه المنطقة مجتمعة، والانشغال بالتنمية وبما يخدم شعوب المنطقة جمعاء، وتوفير حياة كريمة لشعوب المنطقة، وتعزيز التفاهم بصورة اكبر بين الدول الخليجية وايران.
صحيح ان هناك نقاط اختلاف، لكن نقاط الاتفاق اكثر، كما ان نقاط الاختلاف يمكن تجاوزها اذا صفت النوايا، لكن المشكلة ان هناك من “ينفخ” في نقاط الاختلاف، ويحاول تضخيمها، ولا القي تبعية ذلك بالكامل على امريكا واسرائيل -كما يحلو للبعض ذلك- اللتين لديهما بالتأكيد مصالح، وتسعيان لتحقيقها عبر كل الطرق.
يجب أن يكون معلوما لدى القيادة الايرانية، ولدى كل الأطراف في الجمهورية الاسلامية، ان الدول الخليجية لن تسمح باختراق سيادتها، او التلاعب بأمنها، أو القيام بتحريض داخلي، أو إشعال فتن فيها..، كما هو الحال بالنسبة لإيران التي لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية، وتضرب بيد من حديد كل من يحاول الحديث عن قوميات أو عرقيات فيها، اليس كذلك؟.
الدول الخليجية وإيران لا يصلحهما التقاتل والتباغض والتنافر..، بل مستقبلهما بالتعاون والتقارب والتآزر..، فدولنا باقية في المنطقة، ولن يستتب الامن في هذه البقعة الحيوية والمهمة من العالم الا من خلال عمل مشترك وجاد ومخلص، بعيدا عن التدخلات السافرة وغير المقبولة.
◄ وقفة:
كان الأمل أن تكون إيران أكثر قربا من الدول الخليجية والعربية عموما بعد قيام نظامها الإسلامي، ولا يزال هذا الأمل يحدونا، فهل نسمع من العقلاء في القيادة وفي صنع القرار بالجمهورية الإسلامية قولا فصلا عمليا وجادا في العلاقة مع الدول الخليجية، التي مدت أياديها ومازالت لإقامة أفضل علاقة مع الجمهورية الإسلامية، واعتماد سياسة حسن الجوار، أكرر عمليا التي حض عليها الاسلام، ودعا اليها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وابعاد “المتطرفين” الذين يحاولون ضرب أسافين يوميا في هذه العلاقات؟
ليس من صالح إيران على كل الأصعدة التدخل في الشأن الخليجي، ومحاولة استفزاز هذه الدول بصورة دائمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو من خلال تصريحات مسؤوليها التي لا تدعم أبدا الاستقرار بالمنطقة أو إقامة علاقات طيبة وسليمة بين الجانبين.
تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأخيرة تجاه دول مجلس التعاون لا تحتمل التأويل، وليست قابلة للبحث عن تأويلات لها، وعندما أقول مجلس التعاون فإنني أقصد أن هذه الدول الست هي كتلة واحدة.. دولة واحدة.. أمنها واحد.. مصيرها واحد.. وغير مقبول المساس بأمن واستقرار أي منها.. وأي تصريح أو استفزاز موجه لدولة واحدة هو موجه للدول الست، ويشكل تهديدا للدول الست، وهذا ما يجب على إيران الجمهورية الإسلامية والجارة أن تفهمه جيدا.