قد يكون هذا الامر مستغربا وغير مألوف في العالم العربي، الذي تعود لعقود من الزمن على الاعلام الرسمي، وانه لا يمكن لاي وسيلة اعلام ان تنطق الا بتوجيهات وبموافقات من الجهات الرسمية، والنظام السياسي في البلد الذي تصدر او تبث منه، وهو ما شكّل في حالة “الجزيرة” ظاهرة غير مألوفة، في وسط اعلام يسبح باسم النظام العربي، ويلفه التقليد، ونسج عليه العنكبوت.
لست معنيا بالدفاع عن قناة “الجزيرة” التي لطالما كانت محل نقد من قبل وسائل الاعلام القطرية، فلا يكاد يمر يوم الا وتقرأ نقدا لاذعا لبرامج او سياسات خاصة بهذه القناة، او تسمع عبر الاعلام الرسمي المشاهد او المرئي نقدا اكثر حدة حتى مما يكتب او يقال في الخارج، الا انني هنا معني بالدفاع عن بلدي، وعدم السماح لأي كائن كان بالإساءة الى قطر وقيادتها ورجالاتها ورموزها.
لماذا لم يحصر الاعلام البحريني وفي مقدمته الصحافة خلافه مع “الجزيرة” الانجليزية، التي ارى شخصيا انها في برنامجها الوثائقي “صراخ في الظلام” جانبها الصواب، ولم تكن موفقة لعدم التوازن في الطرح، وخلو البرنامج من استضافة الطرف الآخر، واكتفت بالمعارضة، وهو نهج غير مقبول.
الا ان التجريح والاساءة تجاوز الجهة التي بثت الفيلم، ووصلت الاساءة الى قطر، والادعاء بأن الاعلام القطري يحاول اعادة الفتنة والازمة الى مملكة البحرين الشقيقة، وهذا تجن كبير، وكذب مفضوح، وادعاء باطل، واتحدى الاعلام البحريني وفي مقدمته صحيفة “الوطن” ان يثبتوا ذلك، وان يستشهدوا بموضوعات نشرت او بثت في الاعلام القطري تستهدف الاساءة الى الاشقاء في البحرين، في الوقت الذي لم تخلو الصحف البحرينية من الاساءات الى قطر، ليس فقط على مستوى الكتّاب، بل على مستوى توجهات الصحيفة، وتبنيها النيل من قطر، والزج بمواطنين ونواب، واستدراجهم للحديث بسلبية عن قطر، فمن يا ترى يعمل على الاساءة للطرف الآخر؟ ومن يعمل على توتير العلاقات بين الشعبين والقيادتين في البلدين الشقيقين.. الاعلام القطري ام الاعلام البحريني؟.
الاعلام القطري بكل اطيافه ظل مساندا للاصلاحات السياسية التي قام بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وظل داعيا باستمرار لتغليب منطق الحوار لحل الازمة التي تعرضت لها المملكة الشقيقة، واشاد باللجنة التي شكلها الملك حمد مؤخرا للتحقيق في الاحداث التي وقعت بالبحرين خلال شهري فبراير ومارس الماضيين،…، ومرة اخرى اتحدى زملائي الصحفيين والاعلام البحريني ان يثبت عكس ذلك، او ان يقدم دليلا على ان الاعلام القطري سعى الى خلق ازمة او فتنة في البحرين.
ورفضنا أي تدخل خارجي في الشأن البحريني، وسبق ان كتبنا نحن في الشرق والصحف القطرية الاخرى رافضين أي اساءة او تدخل من أي طرف كان في البحرين، ويمكن للاخوة العودة الى مقال كتبته في 20 /4 /2011 مدافعا عن مملكة البحرين الشقيقة، في وجه التدخل السافر والتصريحات الاستفزازية لمسؤولين في ايران.
وكنا نتمنى من الصحف الزميلة في البحرين الشقيقة ان تفند ما عرضته “الجزيرة” الانجليزية، بدلا من الانتقال للهجوم على قطر والاعلام القطري، الذي لا تمثل “الجزيرة” جزءا منه، ولا تشكل جزءا من منظومته.
لماذا عندما توجه الـ “بي بي سي” مثلا انتقادات لاذعة، وهجوما متواصلا وما اكثر ذلك على انظمتنا العربية، وفي مقدمتها الدول الخليجية، لا نجد ردة الفعل التي قد تصل الى قطع العلاقات كما هو الحال مع قطر؟ هل سمعتم او قرأتم ان دولة عربية تقدمت باحتجاج وليس سحب سفير الى الحكومة البريطانية على ما تبثه الـ “بي بي سي” سواء الاذاعة او الفضائية، علما بأن الـ “بي بي سي” تموّل من قبل الخارجية البريطانية، وهذا معروف لدى الجميع، ولم نسمع ان أي دولة عربية تقدمت باحتجاج رسمي، مع العلم ان الـ “بي بي سي” “تشرشح” الانظمة العربية ليل نهار؟
والامر كذلك بالنسبة لـ “سي ان ان”، فلا يكاد يمر يوم الا وتبث برامج سيئة عن العالم العربي، وبالرغم من ذلك لم نجد مذكرات احتجاج ترسل ولو بالبريد العادي الى الادارة الامريكية!.
واذا كان الاخوة في البحرين منزعجين كما نحن من الفيلم الذي بثته “الجزيرة” الانجليزية لعدم حياديته، فلماذا يمارسون هم اليوم من خلال اعلامهم عدم الحيادية والموضوعية في هجومهم على قطر؟ لماذا هذا التناقض في السلوك الاعلامي؟ اليس من العقل ان تلتزم بهذا السلوك من الحيادية والمهنية والموضوعية.. قبل ان تدعو الآخرين اليه، او تنتقد اداءهم؟
مرة اخرى لا ادافع عن “الجزيرة” العربية او الانجليزية، فهما يملكان القدرة على ذلك، ولكن لابد من تصحيح الصورة، ولا يجوز ربط ما تبثه “الجزيرة” بالسياسة القطرية، فلطالما تحدثت “الجزيرة” بسلبية عن قطر، وبثت عن قطر اكثر من أي وسيلة اعلام خارجية، ولكن ما يميز السياسة القطرية انها تعمل علانية، وتحت ضوء الشمس، وليس لديها شيء تخفيه، وحتى تلك الصحف والمطبوعات التي تواصل الهجوم غير المنطقي و”المفبرك” على قطر تتواجد في السوق القطري دون مصادرة، ولا تمانع قطر او تعترض على توجيه أي نقد موضوعي لسياستها او توجهاتها، ولم تمنع بالمناسبة من دخول اراضيها أي كاتب نشر موضوعات ينتقد فيها قطر، حتى اولئك الذين تجنوا على قطر وقيادتها، واساؤوا اليها بدرجة كبيرة، رفضت ان تعاملهم بالمثل، او تصادر وتمنع المطبوعات التي ينشرون بها.
على مهلكم ايها الاشقاء في مملكة البحرين الشقيقة، وثقوا تماما ان الألم البحريني هو ألم قطر، وألم السعودية والكويت وعمان والامارات، هو ألم الجميع، ولا تذهبوا بعيدا في “تأويل” المواضيع، وان تفوتوا الفرصة على من يتربصون بعلاقاتنا الاخوية، ويسعون للنيل منها.
ايها الاشقاء في المملكة: قطر قيادة وشعبا لم يصدر منها ما يسيء اليكم، بل تتطلع دائما الى توثيق هذه العلاقات بشتى الصور، وتعمل على خلق قنوات تواصل اكثر بين الجانبين.. يجب الا تخلطوا بين قطر الدولة وبين قناة “الجزيرة”، التي تتمتع بحرية واستقلالية في ممارسة عملها الاعلامي، الذي قد نتفق او نختلف معه.
نحن نأمل ان يكلل الحوار الدائر حاليا بين جميع الاطراف بالمملكة بالنجاح، ويتوج بعمل وطني يجعل الوطن فوق الجميع، بعيدا عن التجاذبات والنعرات الطائفية.
املنا ألا يدفع الإعلام البحريني نحو تأزيم العلاقات بين البلدين، وافتعال احداث من اجل الاساءة الى قطر، التي ضمدت جراح الاشقاء البعيدين عنها في اكثر من موقع ومكان، فهل يعقل انها ستتأخر عن الوقوف الى جانب اخوتنا في البحرين خلال الازمة الطارئة التي مروا بها؟!.
استغربت حجم الافتراءات والحملة “العدائية” والتشويش الذي تقوم به بعض الصحف البحرينية هذه الايام ضد قطر، وبأسلوب رخيص جدا. للاسف الشديد ان القائمين على تلك الصحف عمدوا عن قصد للاساءة الى قطر، ولم يفرقوا بين خلافهم مع قناة الجزيرة الانجليزية، التي عرضت فيلما وثائقيا عن مملكة البحرين الشقيقة، فزجوا باسم قطر في هذا الخلاف. على الدوام، ومنذ انطلاق قناة “الجزيرة” الاخبارية العربية في نوفمبر 1996، اكدت قطر ان القناة مستقلة، ولا دخل لها في سياستها التحريرية، ولا تعبر عن السياسة او التوجهات القطرية، ومنحت القناة الحرية والاستقلالية الكاملة..
ولنا كلمة