جاءت كلمة سمو الأمير المفدى بالقمة العربية في شرم الشيخ شاملة لكل التحديات التي تواجه الأمة في هذه المرحلة التاريخية والمفصلية التي تمر بها، مستعرضاً أبرز الملفات الشائكة التي تؤرق الشعوب العربية بشكل كبير، وتمثل مخاطر تعرض الأمن العربي للتهديد.
لقد وضع سمو الأمير المفدى — حفظه الله ورعاه — يده على الجرح العربي الغائر منذ سنوات وفي أكثر من مكان، طارحاً في الوقت نفسه معالجات حقيقية تنقذ الأمة مما هي فيه، وتوجد حلولاً للعديد من الأزمات، التي باتت تنتقل من قمة لأخرى، بل استفحلت في العديد من البلدان العربية.
نعم عاصفة الحزم التي تقود تحالفها المملكة العربية السعودية الشقيقة، تمثل بارقة أمل في واقع عربي مظلم في كثير من جوانبه، والتي تدعم الشرعية في اليمن الشقيق، وتضع حداً للانقلابيين الحوثيين، الذين أوشكوا على اختطاف اليمن، بعد أن ارتكبوا أعمالاً إرهابية، وجرائم بحق اليمن الشقيق ومؤسساته وأبنائه.
لم تغب القضايا الأساسية للأمة عن خطاب سمو الأمير، بدءاً بفلسطين التي تمثل القضية المركزية للأمة، مروراً بما يعانيه أهلنا في غزة، من حصار جائر امتد لنحو 9 سنوات، وهو أمر غير مقبول، وقال سموه بعد أن طالب برفع الحصار عن القطاع الذي يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ جراء الحصار الظالم: علينا نحن أيضا أن نفعل كل ما في وسعنا لتسهيل الأمور على إخواننا الفلسطينيين، مضيفاً سموه “لم تعد شعوبنا تتقبل التناقض بين حديث الدول العربية عن عدالة القضية الفلسطينية والظلم اللاحق بالفلسطينيين من جهة، والقبول بما يعانيه الشعب الفلسطيني من جهة أخرى”.
لقد كان سموه واضحاً في الحديث المركز عن القضية الفلسطينية، ليعيد بذلك البوصلة تجاه هذه القضية، وإنه مهما كانت هناك أحداث وقضايا تشغل العرب، إلا أن القضية الفلسطينية هي الأساس وستظل كذلك إلى أن يستعيد هذا الشعب حقوقه المسلوبة، وترجع المقدسات إلى أهلها.
وإذا كانت القضية الفلسطينية قد تصدرت خطاب الأمير في هذه القمة، فإن قضية الشعب السوري وهو يحمل آلامه وجراحه وثورته تدخل عامها الخامس، كانت حاضرة وبقوة في الحديث عن هذه المعاناة، التي سببها نظام فاشي مستبد، مارس أبشع أنواع القتل والإبادة بحق شعبه طوال السنوات الماضية من عمر ثورة هذا الشعب، الذي تحرك باحثاً عن إصلاحات سلمية، إلا أن النظام قابل ذلك بإبادة، واستخدام الخيار الأمني، رغم أن المطالبات الشعبية لم تتجاوز في بداية الأمر إصلاحات للنظام.
لقد وصف سمو الأمير معاناة الشعب السوري الشقيق، والأعمال الإجرامية التي قام بها النظام من تحويل سوريا إلى ركام، وتشريد الملايين من الشعب، الذي تحول ما بين نازح ولاجئ، إضافة إلى أكثر من 350 ألف قتيل، مستخدماً (النظام) أبشع أشكال القتل وحشية وأشدها بشاعة، دون أن يراعي حرمة للأطفال أو النساء أو الشيوخ، فكان لابد من الوقوف أمام هذه الهمجية التي يمارسها هذا النظام تجاه شعبه، في صورة لم يألف لها التاريخ مثيلاً.
وعلى الرغم من هذه الجرائم التي يندى لها الجبين، التي ارتكبها النظام السوري بحق الأبرياء من السوريين، يخرج علينا من يتحدث عن تصالح بين النظام والشعب، ويساوي بين القاتل والمقتول، وينادي بحل سلمي دون تلبية مطالب الشعب السوري، مع بقاء هذا النظام الفاسد والمفسد…
لقد كان سمو الأمير واضحاً حيال القضية السورية، كما كان على الدوام، مخاطباً القادة العرب: “علينا أن نوضح بشكل جازم وقاطع أن هذا النظام ليس جزءاً من أي حل”، مذكراً سموه بما طرحته الجامعة العربية في بداية التحرك الشعبي السوري من حل سياسي، يؤمن تغييراً سلمياً توافقياً وتسوية تشمل النظام نفسه كطرف فيها، ولكن النظام رفض وأطلق عمليات الإبادة والتهجير ضد شعبه.
وتساءل سموه: ألم يحن الوقت أن نسأل: هل سنبقى ننتظر ما سوف يفعله الآخرون في سوريا؟ لقد اتضحت تماماً حدود فعلهم، ولم يعد ثمة مجال للتكهن والتحليل، فمتى نتحرك نحن كعرب لإنهاء هذه المأساة بالتنسيق مع من يجب ان ننسق معه؟”.
أما اليمن الشقيق، فقد لخص سمو الأمير الموقف بكلمات وجمل محددة، وأن تحالف “عاصفة الحزم” جاء بطلب من الرئيس الشرعي لليمن لمجلس التعاون الخليجي لحماية هذا البلد الشقيق وشعبه ومؤسساته واستقراره، بعد أن أجهض “أنصار الله” الذراع العسكرية للحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، كل المحاولات الجادة والمخلصة لمجلس التعاون، وارتكبوا اعتداءات بحق الدولة اليمنية، وأفرغوا نتائج الحوار الوطني من مضمونه، والأخطر من ذلك — كما قال سمو الأمير — أن جماعة أنصار الله والرئيس السابق بسلوكهم هذا يزرعون في اليمن بذور ظاهرة مقيتة لم تكن قائمة فيه، وهي الطائفية السياسية، مؤكداً سموه أن ميليشيات أنصار الله والرئيس السابق تتحمل المسؤولية عن التصعيد، داعياً كل الأطراف الى احترام الشرعية المتمثلة بالرئيس هادي وحكومته، ومشدداً على أنه على الجميع الاصطفاف إلى جانب الشرعية في اليمن ورفض سياسة الأمر الواقع، مؤكداً سموه أن قطر لن تألو جهداً في تحقيق ذلك بالتعاون مع الأشقاء.
وتطرق سمو الأمير في خطابه الذي يمثل علامة فارقة إلى الأحداث في ليبيا الشقيقة، التي هي بأمس الحاجة إلى الحوار الجاد بين جميع الأطراف، وقال سموه ” المخرج الوحيد من تداعيات الأزمة هو حل سياسي يحترم إرادة الشعب الليبي ويلبي طموحاته المشروعة في الأمن والاستقرار ويهيئ الظروف لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية..”.
ورحب سمو الأمير بعلاقات إيجابية مع إيران، مؤكداً على علاقة حسن الجوار التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنطقة والأمة الإسلامية، مؤكداً في الوقت نفسه على أن علاقة حسن الجوار تقوم أيضاً على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وعلى الرغم من القضايا السياسية الضاغطة في مختلف الملفات، فإن قضايا الشعوب والاهتمام بالتنمية لم تغب عن سمو الأمير، فقد أكد سموه “أن تحقيق التنمية لشعوبنا هو المرتكز الأساسي لاستقلال إرادتنا وقرارنا، وهو الضامن للحياة الكريمة لشعوبنا”.
لقد وضع سمو الأمير النقاط على الحروف حيال مختلف القضايا التي تشغل بال الشعوب، وحدد الموقف منها بصورة جلية، مقدماً الحلول بصورة واضحة، بعيداً عن “العموميات”، والجمل الإنشائية، فنحن في مرحلة بأمس الحاجة إلى معالجات جذرية لقضايا الأمة، والالتحام مع تطلعات الشعوب، لذلك لم ينس سموه أن يشير إلى جامعة الدول العربية التي تمثل “بيت العرب” وهي تحتفل بعامها السبعين، إنها (الجامعة) لم ترتفع إلى مستوى أمل الشعوب وحاجات الأمة في هذه المرحلة التاريخية، وأنه قد آن الأوان لإصلاحها والارتقاء ببنيتها وهياكلها إلى مستوى التحديات التي تواجهها الأمة.
واختتم سمو الأمير خطابه بجملة يفترض أن يستحضرها العرب قادة وشعوباً، عندما قال “عند كل منعطف تاريخي يثبت أنه لا يكون معنا أحد كعرب إذا لم نكن نحن مع أنفسنا، وإذا لم نفعل نحن ما يجب فعله”، وهذه حقيقة نعايشها اليوم، فقضايانا مبعثرة هنا وهناك، والأعداء يتلاعبون بنا، لأننا لم نعد أمة متماسكة، نعمل مع بعضنا البعض، وهو ما دفع الأطراف الدولية للبحث عن مصالحها وعن الأقوياء في المنطقة للتحالف معهم.