مقالات

قضية الشعب السوري ليست لاجئين وإرهاباً.. إنما ثورة من أجل الكرامة

بقاء الأسد ونظامه هو الجريمة الكبرى

ضج العالم الغربي — وليس العربي — بمؤسساته وصناع قراره وشعوبه من هول مشاهد غرقى اللاجئين السوريين الذين اقتحموا أبواب الدول الغربية، بعد سنوات خمس من القتل المروع الذي يتعرضون له على يد نظام وحشي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا، بمشاركة دول إقليمية ودولية تتقدمها روسيا وإيران وأحزاب وكتائب وعصائب وفيالق ومرتزقة من أقطار شتى في مقدمتهم “حزب الله ” اللبناني وعشرات من الفصائل العراقية،،

طرق اللاجئون السوريون أبواب الغرب وهم يعلمون أنهم ذاهبون لمجتمعات غريبة عليهم.. عرفا ودينا ولغة وثقافة وعرقا.. ولكن لا خيار أمامهم، بعد أن أوصدت الأبواب العربية أمامهم، هروبا من داخل الوطن الذي تحوّل الى مرجل يغلي يرمون به ليل نهار، ومن ينجُ منه فإن براميل النظام المتفجرة لن تخطئه أو أبناءه وأسرته.. فهو اليوم يفر من الموت إلى الموت.. من موت النظام الوحشي الذي يلاحقه ليل نهار.. ومن موت الضمير الإنساني وقبله الشقيق العربي..

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على المرء من وقع الحسام المهند

***

لقد حملت ” الهبة ” الغربية لاستقبال اللاجئين السوريين في ظاهرها الرحمة، ولكن في حقيقتها وباطنها عذاب أليم..

قد يقول البعض لماذا هذه النظرة ” السوداوية “، وهذا التحامل على الغرب ودوله وصنّاع قراره، وهم الذين أعرب العديد منهم عن تعاطفه مع هؤلاء الضعفاء، واستقبلوهم، في حين عالمك العربي لم يحرك ساكناً من أجلهم، ولم يخرج مسؤولوه أو جامعتهم الموقرة بتصريح واحد يتحدث عن المأساة الإنسانية التي يتعرض لها هؤلاء اللاجئون في الصحاري والبحار…

لا خلاف على المأساة التي يعيشها الشعب السوري، لكن أليس الغرب — بما فيه بالطبع أمريكا — شركاء في هذه الجريمة اللاأخلاقية التي يعيشها الشعب السوري…؟ وهذا الإجرام الذي يرتكب بحقه ليل نهار…؟

أعوام خمسة وهذا الشعب يقتّل جهارا نهارا، ولم يحرّك هذا الغرب الإنساني ساكناً لوقف النظام وداعميه من ارتكاب هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية السليم، وبهذا الصمت المطبق أخذ النظام وداعموه كل الأضواء وليس الضوء الأخضر فقط لممارسة كل أنواع القمع، واستخدام كل وسائل القتل وبسلاح غربي وأمريكي.. عذراً وأحيانا عربي.

لقد حشد الغرب وأمريكا قواته وسلاحه لوقف إرهاب ” داعش “، وتحدث عن تخصيص اكثر من 500 مليار دولار لقتال هذا القطيع المتوحش، الذى تربى على أعينهم، ولم يسألوا أنفسهم — أو بمعنى أصح لم يجعلونا نطرح هذا السؤال — من أين جاءت ” داعش ” وكيف نشأت وأين وتمددت في كل هذه المساحات الشاسعة في العراق وسوريا وكيف تحصل على السلاح ومن أين وكيف تنقله وتتحرك به بين هذه المناطق المكشوفة ولماذا لا نسمع عن قطع لطرق إمدادات هذا التنظيم الإرهابي..؟

لقد حاول الغرب وأمريكا في مرحلة أن يختزلوا الثورة السورية العظيمة في بعض عناصر ملتحقة للقتال مع بعض الفصائل السورية، ثم تحدثوا عن إرهاب ” داعش “، ولم يأتوا يوماً على ذكر عشرات الأحزاب والفيالق والعصائب والكتائب والمرتزقة التي تقاتل مع النظام، والتي تقدرها بعض المصادر بنحو 43 فصيلاً عربياً وغير عربي.. حاولوا أن يقولوا إن الثورة السورية ما هي إلا إرهاب.

واليوم يحاولون تغيير “بوصلة” الثورة السورية اليتيمة بجعل أنها قضية لاجئين لا أكثر ولا أقل، وهذه القضية يمكن حلها باستيعاب أعداد هؤلاء اللاجئين، وبالفعل أعلنت دول عربية عن تقاسم أعدادهم…

الثورة السورية العظيمة ليست قضية إرهاب أو لاجئين، إنما قضية شعب أراد الحياة بعزة وكرامة، ورفض الاستمرار بالعيش في ذُل ومهانة، فقوبلت هذه المطالب المشروعة بالحديد والنار، وصب عليه النظام العذاب صبا، منذ اللحظة الأولى لهذه الثورة، مستعينا بأمرين: تاريخه الوحشي في قمع المعارضين، وأنظمة قمعية تسير على نفس النهج، فتعرض الشعب السوري المسالم لأبشع آلة قمع عرفها التاريخ الحديث.

فالنظام اتخذ خياره الأمني منذ اللحظة الأولى للثورة، وأعلنها: إما أحكمكم أو أقتلكم، وبالفعل هذا ما حدث ويحدث طوال السنوات الماضية، فيما كان شعار هذا الشعب: مالنا غيرك يا الله، وكأن هذا الشعب يقرأ المستقبل عندما أطلق هذا الشعار في بداية الثورة، إن الجميع سوف يتخلى عنه، حتى أولئك الذين قالوا إنهم ” أصدقاء الشعب السوري “، وعقدوا اجتماعات في عواصم شتى، واكتفوا فقط بالشعارات، فيما أصدقاء النظام “يلعبون” على الأرض.

***

اليوم سوريا أفرغت من سكانها، فهناك أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، وأكثر من 6 ملايين نازح — سكان سوريا نحو 22 مليوناً — أي أن نحو نصف السكان ما بين لاجئ ونازح، والأعداد في تزايد، وهذه العملية ليست عشوائية، وأقصد التفريغ، إنما يراد لها ذلك، وهناك مناطق كاملة في سوريا هجر سكانها، وتم إحلال ” غرباء ” مكانهم، وهناك تقارير متعددة تتحدث عن تشكيلة “غريبة” اليوم تعيش في سوريا، بعد أن جلبت لتقاتل الى جنب النظام، ومن ثم منحت السكن والجنسية، ويدفع اليوم لتهجير المزيد من السوريين من مناطقهم، كما حدث في جواره بالعراق لمناطق عدة لمكوّن رئيسي من الشعب العراقي.

الهدف من ذلك تحسبا لأي عملية سياسية دولية قد تحدث، ليتم الاستشهاد بأن هذه مناطق تابعة للنظام، ومن يسكنها موالون له.

تغيير التركيبة السكانية يجري على قدم وساق على الأرض في سوريا اليوم، والعالم يتحدث عن قضية لاجئين، ولا يأتي على ذكر ما الذي دفع هؤلاء لركوب المخاطر، والتعرض للغرق، على مراكب مهترئة.

قضية الشعب السوري ليست قضية لاجئين أو إرهاب، القضية شعب أراد أن يعيش.. انتفض من أجل استرداد كرامته.. سعى للحصول على حريته.. أراد أن يبني مستقبل بلاده بعيدا عن الخوف والقمع وزوّار الليل، بل والنهار أيضا…

الغرب يتحدث عن لاجئين ولا يتحدث عن حريات وحقوق إنسان وكرامة بشرية.. أليس من حق الشعب السوري أن يعيش كما تعيش شعوب الدول المتحضرة، أم أن هذا حرام عليه، فيما شعوب الأرض تمتلك إرادتها وحريتها وكرامتها.. أما هو فلابد أن ينام على خوف.. ويصحو على خوف.. ويعيش في دوامة الخوف..

بقاء الأسد ونظامه هو الجريمة الحقيقية والكبرى بحق الشعب السوري، ومن يتجاهل ذلك، ويتحدث عن أمور نتجت عن جرائم هذا النظام، فإنه مشارك معهم في هذه الجريمة.

هناك مؤامرة على الشعب السوري، وتآمر على ثورته، ليس فقط من أمريكا والغرب، بل حتى من الأقربين الكثير منهم متآمرون على هذا الشعب العظيم وثورته النبيلة، لكن في نهاية الأمر لو بقى طفل سوري واحد فسوف ينتصر، فتاريخ ثورات الشعوب يؤكد انتصارها، نعم قد يطول الطريق، وتكثر الآلام، ويسقط في الطريق من يسقط، وينسحب من ينسحب، ويخون من يخون.. لكن النهاية لصالح الشعوب، والشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات، سينتصر عاجلا غير آجل.

 

ولنا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x