رسم سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه في خطابه أمس في افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى ملامح المرحلة المقبلة، ومتطلبات العمل، وكيفية التعاطي مع المستجدات، في ظل تحديات إقليمية ودولية، تدفع بنا كما قال سموه ” للحيطة والحذر وليس الخوف والفزع “.
خطاب حدد الأولويات، وقدم رؤية واضحة لملفات غاية في الأهمية، خاصة الملفات المحلية والاقتصادية منها تحديدا، كونها تمثل محركا لمزيد من التنمية والنهضة التي تشهدها البلاد على مختلف الأصعدة.
وعلى الرغم من أهمية الملف الاقتصادي الذي أفاض في الحديث عنه سمو الأمير المفدى، إلا أن الخطاب بدأ بعنصرين أساسيين بالغي الأهمية، واختتم كذلك بعنصر مرتبط بهما، وينعكس على جميع الملفات التي نتحدث عنها.
بدأ سمو الأمير المفدى خطابه بالتذكير بالمضي في إقامة دولة القانون والمؤسسات والحفاظ على مقومات الأسرة والمجتمع، واختتم الخطاب بأن قطر لا تغير مبادئها، قد نراجع أنفسنا، ونقيم أفعالنا لكي نصحح أخطاء إذا ما وقعت، ولكن لا نغير مبادئنا…
هذه الركائز إذا ما ضبطت فإنها تنعكس إيجابا على كل الملفات، اقتصادية كانت أو سياسية أو تعليمية أو صحية.. دولة قانون ومؤسسات.. أسرة مستقرة ومتماسكة.. مبادئ لا نحيد عنها.. والتاريخ الماضي والحاضر يؤكد ذلك، والشواهد عديدة على أن قطر وقيادتها تنطلق في مواقفها حيال مختلف الأحداث من ثوابت قويمة، ومبادئ أصيلة، لا تتزحزح ولا تتغير.
لقد حمل الخطاب الوضوح والشفافية في تناول القضايا، وقدم رؤية شمولية للتعامل مع هذه الملفات بواقعية، ومعالجات حقيقية، ومكاشفة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ليكون المواطن على دراية تامة بكل ما يدور حوله، وبما تفكر به القيادة من مشاريع، وما تحمله من رؤى مستقبلية، من أجل المضي في بناء هذا الوطن بشراكة فاعلة من قبل الجميع.
استعرض سمو الأمير المفدى في خطابه الوضع الاقتصادي بالمنطقة، وانخفاض أسعار الطاقة، صحيح أن النمو في قطر هو الأفضل ليس فقط على المستوى الإقليمي والمنطقة، وإنما على المستوى العالمي، فالنمو وصل إلى 6.1%، وهي نسبة لم تحققها دول المنطقة، فمتوسط معدل النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يتجاوز 2.4%، بينما على المستوى الخليجي بلغ متوسط النمو 3.6% من مجمل الناتج المحلي، لكن هذا لا يعني الركون إلى هذا الوضع، بل من الواجب البحث عن البدائل، وهو ما طرحه سمو الأمير المفدى بكل واقعية ووضوح، بعيدا عن الخوف والفزع، مع أخذ الحيطة والحذر، أن مفتاح عبور هذه المرحلة بسلام هو أن يدرك كل منا أنه كما استفاد في مراحل النمو السريع وارتفاع أسعار النفط، فإن عليه أن يحمل أيضا مهام المرحلة ومسؤولياتها وأعباءها.
هذه الخطوة وهذه المشاركة العادلة فيها إنصاف، ومن المؤكد كما قال سمو الأمير أن المواطن ليست لديه مشكلة في المساهمة حين يشعر أن ثمة إنصافا في الأمر، وفي ذلك عدالة، فمن المهم الإبقاء على عملية التنمية في مسارها الصحيح، دون أن تتأثر بانخفاض أسعار الطاقة.
لقد احتاطت قطر ومن خلال رؤية 2030 إلى إمكانية حدوث تقلبات اقتصادية، وهو ما دفع إلى وضع إستراتيجيات وطنية، وإرساء ركائز تنمية مستدامة والسعي الحديث لتوسيع قاعدة مساهمة القطاع الخاص والقطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني، الذي بات اليوم تشكل مساهمته نحو 50% بنهاية 2014، وفي الوقت نفسه هناك توسع كبير في حجم الاستثمارات القطرية في الخارج، والتي باتت تمثل رقما مهما في الاقتصاد الوطني، فخلال الأشهر التسعة الماضية على سبيل المثال استثمرت قطر نحو 47 مليار ريال حول العالم في مختلف المجالات، وأصبحت قطر اليوم حسب التقارير الدولية سابع أكبر مستثمر على مستوى العالم. هذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا وجود رؤية صائبة للقيادة، وسعي حثيث لترجمة الخطط والإستراتيجيات على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال قال سمو الأمير المفدى في خطابه العام الماضي أمام مجلس الشورى إنه وجه الحكومة بوضع خطط وجدول زمني لحل قضايا المخازن والمناطق اللوجستية وحل قضايا سكن العمال، ووضع خطة لسد الاحتياجات إلى الأرض في الدولة..، وعدد من الملفات المهمة.
واليوم بعد مرور عام من هذه التوجيهات رأينا أنها قد ترجمت على أرض الواقع عبر مشاريع، فقبل أيام افتتح معالي رئيس مجلس الوزراء اكبر مدينة لسكن العمال على مستوى الخليج تستوعب 100 ألف عامل، فيما المناطق اللوجستية تم افتتاح عدد منها ويجري العمل على الانتهاء من مناطق أخرى، سواء مناطق اقتصادية كانت منها منطقة رأس أبوفنطاس أو منطقة ام الحول، أو مناطق لوجستية، التي منها منطقة ابوصليل ومنطقة جنوب الوكرة، وبركة العوامر، وفي هذه الأيام تستقبل شركة ” مناطق ” الطلبات للراغبين بالحصول على أراض في مناطق لوجستية جنوب البلاد.
وفيما يتعلق بالأراضي السكنية فقد وجه سمو الأمير ببناء ألفي فيلا سكنية جنوبي الدوحة، وسيتم تخصيصها للقطريين الخاضعين لنظام الإسكان، وفي الوقت نفسه أعلنت وزارة البلدية عن توزيع مئات القسائم السكنية على المواطنين في أكثر من منطقة.
اذن ما يتحدث عنه سمو الأمير المفدى في خطبه يتم ترجمته إلى مشاريع على أرض الواقع، وهو ما يؤكد على المتابعة التي يوليها سموه لقضايا المواطنين والقضايا التي تتعلق بحياتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم.
وفي خطاب الأمس تحدث سموه عن اهمية إزالة العقبات البيروقراطية، وتسهيل الإجراءات سواء كان ذلك للمواطن او المستثمر، والعمل على معالجة الازدواجية في عمل بعض الوزارات، داعيا سموه إلى ضرورة توحيد الاجراءات بين الوزارات من خلال نافذة واحدة قدر الإمكان.
ان الفرصة مواتية اليوم امام القطاع الخاص لأخذ زمام المبادرة، ولعب أدوار اكثر فاعلية في عجلة الاقتصاد، والدخول في منافسة قوية، والا ينتظر وصول المشاريع اليه، بل يجب أن يكون مبادرا، متحملا المسؤولية تجاه الوطن في هذه المرحلة، خاصة في ظل الدعم المقدم من سمو الأمير بالتوجيه للحد من منافسة الدولة للقطاع الخاص، ووقف الدعم عن عدد من الشركات وخصخصة بعضها، وتحويل إدارة بعضها إلى القطاع الخاص..، وهو ما يتيح فرصا كبرى امام القطاع الخاص للمنافسة الفاعلة، وليس مجرد وسيط بين الدولة والشركات الخارجية.
إننا أمام مرحلة مهمة تتطلب تعاونا ومشاركة جماعية، افرادا ومؤسسات وشركات، وعدم الوقوف متفرجين على الجهود التي تقوم بها الدولة، دون ان تكون لنا مساهمة فاعلة في تحمل المسؤولية كل حسب دوره وطاقته، ولا يعفى الفرد من هذا الدور، خاصة الشباب الذين يعول عليهم الوطن في الحاضر والمستقبل، فلا يمكن بناء الاوطان بعيدا عن ادوار ابنائها، خاصة الشباب منهم، وهو ما اكد عليه سمو الأمير المفدى بأهمية انخراط الشباب في جميع المجالات والقطاعات، وعدم الاكتفاء بقطاع بعينه أو بعض منها، فالمواطنة كما قال سموه ” ليست مجموعة من الامتيازات، بل هي اولا وقبل كل شيء انتماء للوطن “.
هذا الانتماء الذي تحدث عنه سمو الأمير حفظه الله يترتب عليه منظومة من الحقوق والواجبات تجاه الدولة والمجتمع، فكما نطالب بالحقوق يجب علينا ان نؤدي الواجبات تجاه الوطن والمجتمع والاجيال القادمة، بحيث نكون عناصر ايجابية، ونضع لبنة في صرح هذا الوطن العزيز.
هذا الانتماء الحقيقي يدفع بك لكي يكون الوطن في صدارة اهتماماتك، وفي رأس اولوياتك، ويدفع بك لعدم استغلال الوظيفة أو المنصب لاغراض خاصة، او السماح بارتكاب مخالفات إدارية ومالية، فلن يكون مقبولا التسامح مع الفساد المالي والإداري كما قال سمو الأمير حفظه الله.
لقد سجلت قطر خلال هذا العام مكاسب وانجازات دولية على أكثر من صعيد، وهذا لن يتأتى دون تخطيط وعمل ومثابرة، ففي عدد من مؤشرات التنافسية الدولية تصدرت قطر الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، واحتلت مراكز متقدمة عالمية، وهو ما يشير الى ان هناك قيادة تخطط وتضع الاستراتيجيات، وتسخر الامكانيات، وتستثمر الفرص، وتوظف قدراتها من اجل الارتقاء بالوطن والمواطن في كل المجالات.
إننا مدينون لقيادتنا، وهو ما يفرض علينا جميعا، افرادا ومؤسسات وشركات القيام بتحمل المسؤوليات في هذه المرحلة، والمساهمة الفاعلة في عجلة الاقتصاد، وان نتفاعل ايجابيا، وان نكون مبادرين في دعم مسيرة الوطن، لكي نحافظ على مسار التنمية المستدامة في دولتنا.
لقد كان خطاب سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه كعادته دائما نابعا من القلب، مستعرضا كل القضايا بكل شفافية وصراحة، مقدما الحلول، راسما خطى المستقبل، حاملا هم الامة، مدافعا عن قضاياها وقضايا شعوبها.
ولنـــــــــــــــــا كلمـــة