ملحمة جديدة في حب الوطن برزت في احتفالية أمس.. مشهد لا تراه إلا في قطر.. عندما تصر قيادة الوطن على مصافحة الحشود الغفيرة المحتفلة، مواطنين ومقيمين يداً بيد، بعيداً عن أي حواجز رسمية..
يترجل سمو الأمير المفدى وسمو الأمير الوالد حفظهما الله سيرا على الأقدام، في مشهد قل نظيره، ليلتقيا الكبير والصغير.. المواطن والمقيم.. يصافحان هذا ويسلمان على ذاك.. يلوحان بأيديهما لمن هو بعيد مكانيا لكنه قريب قلبيا.. يتلقيان الأوشحة من هذه الطفلة ويلتقطان الصور مع ذاك المقيم.. لا يتردد احد الشباب بطلب اخذ صورة «سيلفي» مع سمو الأمير الذي يرحب مباشرة ويقف ليلتقط تلك الصورة..
يمشيان مئات الامتار.. سمو الأمير وسمو الأمير الوالد حفظهما الله ورعاهما بعينه التي لا تنام وكنفه الذي لا يرام.. والابتسامة لا تفارق محياهما.. لا يفرقان بين قطري ومقيم على هذه الارض الطيبة.. يحرصان على مبادلة التحية بأحسن منها..
صدقا.. مشهد لا تراه الا في قطر، عندما يصر زعيمان على مصافحة الجمهور يدا بيد، في منطقة مفتوحة، ومن كل الجنسيات دون حراسة، فهذا دليل على ما يتمتعان به من حب جارف ومكانة عالية عند الشعب.. كل الشعب.. مواطنين ومقيمين، يقاسموننا العيش، ويشاركوننا تنمية هذا الوطن..
عدلا في الحكم، وقدّما لأبناء شعبهما حياة كريمة، ونقلا هذا الوطن الى مصاف الدول المتقدمة، فأصبحت قطر اليوم «راية خفاقة على رأس جبل» بفضل من الله ثم بإيمان وإخلاص وصدق نوايا قائد هذا الوطن، والعمل الجاد من اجله..
عدلا في الحكم.. فحق لهما ان يتربعا على قلوب الشعب.. وحق لهما ان يترجلا سيرا على الاقدام وسط آلاف من الجماهير، التي كانت تتمنى ان تحملهما على الاعناق حبا ووفاء وتقديرا وامتنانا وعرفانا بما قدماه لهذا الوطن ومواطنيه..
تتحدث احدى السيدات الآسيويات التي حضرت الى كورنيش الدوحة منذ الساعات الاولى من الفجر للمشاركة باحتفالية اليوم الوطني «مددت يدي عندما رأيت اميركم قادما، فقلت في نفسي انه سيصافح مواطنيه فاذا به يصافحني ويبتسم لي.. لم اصدق ذلك.. فأنا لم استطع ان اقابل رئيس بلدي وجها لوجه وليس مصافحته، فكيف بي ان اصافح اميركم.. كانت لحظات عظيمة لن انساها في حياتي ابدا».
هذه السيدة التي أتت من وطنها الام مغتربة وتعيش على هذه الارض الطيبة، هي واحدة من مئات الاشخاص الذين صافحهم سمو الأمير المفدى وسمو الأمير الوالد حفظهما الله ورعاهما، بكل أريحية وهما يبتسمان لكل من يصافحانه..
إنه التواضع الذي عرف عن قيادة هذا الوطن، فرفعها عزا ومكانة، ليس فقط بين ابناء هذا الوطن ومن يقيم على ارضه، بل على مستوى العالم، وفي جميع المحافل الإقليمية والدولية.. وعرف عن اهل قطر طوال التاريخ، وهنا يقول سمو الامير المفدى «لقد عُرف القطريون من قديم الزمان بحسن اخلاقهم وكرمهم وتواضعهم، وإقلالهم الكلام، وإكثارهم العمل، ونصرتهم المظلوم».
لا نتحدث في احتفالية اليوم الوطني عن عروض وقدرات وإمكانات أبداها أبناء الوطن في كل القطاعات، خاصة القطاعات الامنية والعسكرية، بل نتحدث قبل ذلك عن رسائل تبث، وقيم تغرس، وسلوك يدرّس، فكم كانت تلك اللحظة عندما انحنى سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه، عند وصوله إلى منصة الاحتفال، مقبلاً يد والده ووالد الجميع سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني؛ عظيمة تحمل كل معاني البر بالوالدين..
نعم هو واجب، وهو امر طبيعي يقوم به سمو الامير المفدى، لكن عندما يرى الجيل قائده يتحلى بهذه القيم النبيلة، وهذه الأخلاق الرفيعة، فإنه بالتأكيد سيتأسى به، ويقتدي بقائده، في التواضع وإجلال والديه، وتقدير الكبير، ورعاية الصغير، واحترام الناس أيا كانت جنسياتهم او الوانهم..
انها صورة ناصعة البياض لأخلاقيات هذا المجتمع، الذي يستلهم من هذا الاحتفال الوطني هذه القيم العظيمة، التي تترجم على ارض الواقع، ويراها ماثلة امامه من خلال قيادته الرشيدة والواعية، هذه القيادة التي حملت همّ الوطن والمواطن منذ تأسيس هذه الدولة على يد المؤسس المغفور له إن شاء الله الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني طيب الله ثراه، وسار على نهجه من جاء بعده، مسترشدين بأفعاله ومواقفه وأخلاقه وأعماله، مستلهمين افكاره ومبادئه..
وهي قيم ومبادئ لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، حتى يومنا هذا، وتحرص قيادة هذا الوطن على التمسك بها والتاكيد عليها.. وهنا يشدد سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه، في خطابه امام افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى الشهر الماضي بالقول «اصبح الجميع يعرف ان قطر لا تغير مبادئها، قد نراجع انفسنا، ونقيّم افعالنا لكي نصحح اخطاء إذا وقعت، فجلّ من لا يخطئ، لكننا لا نغير مبادئنا».
أمس لم يحتفل اهل قطر وحدهم باليوم الوطني، شاركنا هذه الفرحة اهلنا وأحبتنا وأشقاؤنا في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث توافدت أعداد من كل دول الخليج للحضور الى الدوحة ومشاركة اشقائهم في قطر هذه الاحتفالية، وهذا دليل على ما يربط الشعوب الخليجية من علاقات أخوية، لا يمكن فصلها او الإضرار بها مهما كانت الظروف، فهذه المجتمعات الخليجية تعيش نسيجاً واحدا، واسرة واحدة، تفرح لفرح أي طرف، وتحزن لحزن أي طرف.. انه المصير الواحد الذي يجمعنا، وسنظل كذلك بإذن الله، قلبا واحدا، وجسدا واحدا، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..
وفي نفس الوقت كانت مشاركة إخوتنا المقيمين على هذه الارض اكثر من رائعة.. لا يقلون فرحا عن فرحنا.. منذ أيام وهم يستعدون لهذه المناسبة.. ارتدوا كل ما يتحدث عن فرحتهم.. ابناؤهم لبسوا أوشحة اليوم الوطني.. سياراتهم زينوها بما يستطيعون.. توافدوا أمس منذ الساعات الاولى على الكورنيش للمشاركة في الاحتفال وحضور المسير الوطني.. تجد الكثير منهم محتضنا علم قطر كأنه علم بلاده الأم وربما أكثر.
هذه الروح لم تأت من فراغ، انهم يشعرون ان قطر هي بالفعل بلدهم، يعيشون بأمن وأمان فيها.. يستقرون مع أسرهم على أرضها.. توفر لهم حياة كريمة.. يتعلم ابناؤهم بمدارسها.. يخالطون اخوانهم القطريين بكل احترام ومودة.. انهم جزء من هذا المجتمع، ونعتز بمشاركاتهم وجهودهم البناءة في خدمة هذا الوطن، الذي نسأل الله عز وجل ان يديم عليه الامن والامان، والمزيد من الاستقرار والازدهار..
لم تنته احتفالاتنا، ولم ينته يوم الوطن، فجميع ايام العام هي ايام الوطن.. الذي سيظل حاضرا في كل عمل نؤديه، خالصا مخلصا لله ثم لهذا الوطن وقيادته الحكيمة، التي نسأل الله عز وجل أن يحفظها بحفظه، ويتولاها بأمره.. إنه نعم المولى ونعم النصير..