مرة أخرى ..
واصلت الدبلوماسية القطرية تحقيق نجاحات جديدة، عبر مساعيها الرامية إلى إيجاد حلول للقضايا العالقة بين عدد من الدول الشقيقة والصديقة، سعيا لإبعاد شبح التوتر والاحتقان خاصة بين الأشقاء والأصدقاء في عالمنا العربي والإسلامي، وانطلاقا من إيمان دولة قطر الراسخ بضرورة حل النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية . عملية الإفراج عن الأسرى الجيبوتيين لم تكن وليدة أيام أو أشهر، فقد بدأت قبل سنوات لتثمر عن نتائجها الايجابية في هذه الايام، وتفتح الباب نحو تحقيق هدفها الأسمى باعادة الاستقرار والسلام والتعاون بين دول الشرق الأفريقي.
حيث استطاعت الجهود القطرية التي قادها سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه، الإفراج عن مجموعة من الأسرى الجيبوتيين لدى إريتريا، والذين مضى على اعتقالهم أكثر من 8 سنوات، وهو اختراق مهم في العلاقات بين الدولتين إريتريا وجيبوتي .
في عام 2010 عهدت الدولتان إلى قطر ملف علاقاتهما، بحثا عن وسيط نزيه وذي مصداقية، لحل الخلافات القائمة والمتصاعدة بينهما، فكان أن استطاعت قطر تسوية الخلاف الحدودي بينهما .
ولم ينته الأمر عند هذه النقطة دون متابعة، وهو أمر في غاية الأهمية، فما يميز الأدوار الإنسانية والوساطات التي تتولى أمرها قطر، أنها لا تتخلى عن دورها ” في منتصف الطريق “، دون إكمال المصالحة، وإيجاد حلول جذرية لقضايا الخلاف بين من يطلب دعم قطر ومساعدتها في هذا الأمر، وقبل ذلك الإخلاص والجدية والبحث عن المشتركات والأرضية التي تجمع بين الأطراف، للانطلاق نحو بناء الثقة بينهما، لترسيخ المصالحة، وإنجاح الوساطة .
نجاح الأمس يضاف إلى نجاحات متعددة حققتها قطر بدبلوماسية السلام على صعيد الوساطات، وانحيازها إلى روح الإنسان، وكيفية الحفاظ عليها، وهو ما يجعلها تبذل ما تستطيع من جهود لإنقاذ تلك الأرواح، لأنها تولي إنسانية الإنسان ـ أيا كان ـ أهمية كبرى، لذلك رأينا نجاحاتها في الإفراج عن عشرات بل مئات الأسرى والمختطفين في بقاع متعددة، عندما يطلب منها التدخل، فإنها لا تتردد أبدا .
رأينا نجاحات وساطاتها في الإفراج عن معتقلين وأسرى لبنانيين ومن أبناء الشعب السوري وأتراك وإيرانيين وراهبات معلولا ورهائن أمريكيين لدى طالبان والإفراج عن معتقلي حركة طالبان في سجن جوانتنامو وجنود فيجيين من قوات حفظ السلام في سوريا وجنود طاجيك .. وغيرهم، ممن تمكنت الدبلوماسية القطرية أن تفك أسرهم، وتعيدهم إلى أوطانهم وأسرهم سالمين .
هذه النجاحات تحققت بفضل من الله أولا ثم بجهود وحكمة وحنكة القيادة القطرية، وما تتمتع به من مصداقية وقبول دولي، وما عرف عنها من صدق في القول والفعل، والعمل على مسافة واحدة بين جميع الأطراف، دون محاباة لطرف على حساب طرف آخر، والإجماع على أنها وسيط نزيه، لا يبحث عن مصالح ولا يحمل أجندات خاصة، إنما هدفها إقامة علاقات صحية بين الأشقاء والأصدقاء، واستتباب الأمن، وترسيخ الاستقرار، وإيجاد أرضية للعيش المشترك بأمن وسلام .
قد يتبادر للذهن تساؤل: طالما أن قطر استطاعت تحرير كل هذا العدد من الأسرى والمختطفين من جنسيات مختلفة، لماذا لم تستطع حتى الآن تحرير مواطنيها المختطفين في العراق منذ ديسمبر الماضي ؟
بداية نؤكد أن القيادة القطرية تتابع هذه القضية ليل نهار، وهي شغلها الشاغل، وتعمل على أكثر من صعيد من أجل تحرير مواطنيها المختطفين في العراق، والذين كانوا في رحلة صيد في بلد عربي، أخذوا كل الموافقات والتراخيص اللازمة للقيام بزيارة هذا البلد العربي، إلا أنهم تعرضوا لغدر من قبل مجموعات خارجة عن القانون، وهو ما يحمل الحكومة العراقية المسؤولية كاملة عن سلامة هؤلاء المواطنين القطريين، الذين دخلوا العراق بإذن وموافقة منها، وضرورة المساعدة في الإفراج عنهم عاجلا، وعودتهم إلى وطنهم وأهلهم بأسرع وقت ممكن سالمين من الأذى .
إن القيادة القطرية وعلى رأسها سمو الأمير المفدى وكل الأجهزة المعنية، لم ولن تنسى مواطنيها المختطفين في العراق، وهي تعمل جاهدة للإفراج عنهم، ولن يقر لها قرار إلا بالإفراج عنهم، وهي في تواصل دائم مع المسؤولين العراقيين، الذين نتطلع إلى مساعيهم الجادة في الإفراج عن المختطفين القطريين، الذين لا جرم لهم إلا أنهم اختاروا بلدا عربيا لزيارته، فهل هذا الأمر يمثل جريمة ؟ .
إن العربي منذ القدم، حتى في عصر الجاهلية قبل الإسلام، عرف بإكرام الضيف، وحفاوة الاستقبال، وليس باعتقال ضيوفه أو اختطافهم، لذا تشكل واقعة اختطاف قطريين مسالمين زائرين لهذا البلد وصمة عار في جبين العراق الحديث، فكيف يتم اختطاف عربي في بلد عربي ؟ .
قطر ستواصل مساعيها الخيرة لرأب الصدع بين الأشقاء، لأن ذلك يمثل منطلقا ثابتا في عقيدتها، وأمرا مكرسا في مبادئها، وسياسة واضحة في تعاطيها مع مختلف الأطراف، ونهجا لا تحيد عنه في عملها .