مقالات

هل آن الأوان لتطوير الخدمة الوطنية؟

بعد 3 سنوات من تطبيق برنامج الخدمة الوطنية، الذي يشمل من هم دون 35 عاما، بفئتيه حملة الشهادة الجامعية (3 أشهر) ومن لا يحملها (4 أشهر).. هل آن الأوان لتقييم هذا النظام المتمثل في برنامج الخدمة الوطنية؛ للوقوف على ما هو إيجابي وما هو سلبي، والانطلاق نحو مرحلة جديدة؟

كل قانون أو مشروع يحتاج بين فترة وأخرى إلى تقييم وإعادة دراسة والبحث عن نقاط القوة ونقاط الضعف.. والبحث في الوقت نفسه عن كيفية الاستفادة من التجارب الناجحة عند دول أو أطراف أخرى.. وهذا أمر طبيعي تقدم عليه دول في قوانينها، وشركات في أنظمتها، ومؤسسات في هياكلها..

لا يعني بالطبع إعادة النظر في مشروع ما بعد مضي سنوات من العمل به أنه فاشل تماما، بل إن متطلبات كل مرحلة تفرض نمطا وأداء مختلفا، وهذا في اعتقادي ما قد ينطبق على قانون الخدمة الوطنية، الذي من المؤكد أنه يمثل خطوة متقدمة في إعداد الشباب وتأهيلهم، وأدى مهمة كبيرة، وحقق أهدافا متعددة، خاصة فيما يتعلق بتعويد جيل الشباب على انضباط أفضل، وتعليمهم مهارات وأدوات جديدة في التعامل مع الأحداث، وإكسابهم خبرات جديدة في الحياة العامة..

الخدمة الوطنية رغم قصر مدتها، فإنها قدمت نماذج مميزة من الشباب القطري المدرك لمتطلبات الحياة الجديدة، واحتياجات الوطن في مراحل مختلفة، والتفاعل الإيجابي مع المعطيات التي قد تطرأ.

في مرحلة ما أدت الخدمة الوطنية بشكلها وتنظيمها الحالي الغرض منها، خاصة فيما يتعلق بتهيئة المجتمع — والشباب تحديدا — للانخراط فيها، وبالتالي تطويرها والتخطيط للانتقال إلى مرحلة أخرى، أكثر جدية وجدوى أمر مطلوب، والبحث عن تجارب مماثلة وناجحة قاريا ودوليا أمر مهم.

لا ينبغي الاقتصار في الخدمة الوطنية على مرحلة سنية معينة، أو تدريبات “سطحية ” لقطاعات محدودة، أو مدة زمنية قصيرة، كما هو الحال اليوم 3 و4 أشهر، وهي مدة قصيرة لا تتيح الفرصة لتعليم الملتحقين بالخدمة كل الفنون الدفاعية المطلوبة للذود عن الوطن، خاصة إذا عرفنا أن هذه المدة مناصفة بين الميدان والعمل الإداري، أو التوزيع على الوحدات والقطاعات العسكرية المختلفة.

نحن اليوم أمام تحديات ومخاطر جديدة تمر بها المنطقة ويمر بها العالم، وما كان نافعا ومجديا في مرحلة ما، قد يتطلب إعادة النظر فيه في مرحلة أخرى، فهناك معطيات جديدة تتشكل في الإقليم، وهو أمر لا يجب إغفاله أو تجاهله، بل يجب التعامل معه بكل جدية، ونحن واثقون من أن قيادة هذا الوطن والقائمين على الخدمة الوطنية، ممثلة بقواتنا المسلحة، يضعون كل ذلك نصب أعينهم، ويدركون التحديات والمخاطر الجديدة التي تمر بها المنطقة، والعمل من أجل الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن.

إعداد العنصر البشري وتأهيله واستثماره بصورة مثلى من مرتكزات رؤية قطر 2030، التي تولي هذا الجانب عناية بالغة، واهتماما خاصا، وتعتبره الثروة الحقيقية للوطن، الذي ينهض بنهضة أبنائه، ويكبر بهم طالما كانت هممهم تعانق السحاب عزة وشموخا وكبرياء..، وهكذا هم أبناء هذا الوطن ورجالاته.

ما الذي يمنع القوات المسلحة والقائمين على البرنامج التدريبي للخدمة الوطنية من إعادة النظر في هذا البرنامج، بل إحداث “ثورة” تدريبية تعليمية في هذا النظام، بما يتوافق ومتطلبات المرحلة، واحتياجات الوطن، ونحن واثقون أن كل المجتمع، أفرادا ومؤسسات، شيبا وشبّابا، بنين وبنات، سيكونون صفا واحدا داعما لكل ما يخدم الوطن، ويحقق المصلحة الوطنية العليا، ويعزز من اعتماده على قدرات أبنائه، ويتيح فرصا أمثل لاستثمار إمكاناتهم بما يخدم الوطن في كل المجالات، فالدفاع عن الوطن والذود عنه ليس مقتصرا على مجال أو قطاع دون آخر، لكن لابد من وجود عملية منظمة لخدمة الوطن، وآلية مدروسة وواضحة، نجني ثمارها حاضرا ومستقبلا.

ليس هناك ما يمنع من دراسة التجارب الناجحة في هذا المجال، والإخوة القائمون على البرنامج والمختصون بقواتنا المسلحة هم الأقدر على القيام بذلك، والمجتمع بكل فئاته وأبنائه معهم قلبا وقالبا، فالهدف خدمة الوطن، وهذا لا خلاف عليه بين الصغير والكبير.

اليوم المنطقة “تمور مورا”، والأخطار محدقة، وعلينا أخذ الحيطة والحذر والاستعداد لكل الظروف، والإعداد الفعلي لذلك، وهذا يتطلب ليس فقط إعادة النظر في برنامج الخدمة الوطنية، بل حتى القطاعات المدنية الأخرى، خاصة التعليم، فالعمل يجب أن يكون ضمن منظومة موحدة ومتناسقة ومنسجمة فيما بينها، بحيث كل يكمل الآخر، وفق استراتيجية ورؤية واضحة المعالم.

نعتقد أن الخدمة الوطنية بحاجة إلى أن تنتقل لمرحلة جديدة أكثر عمقا وتخصصا وشمولية.. للتعامل مع مستجدات الواقع، واحتياجات الحاضر، ومتطلبات المستقبل، بكل جاهزية.

 

ولنـا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x