من المؤسف حقاً أن يصل القضاء في مصر إلى هذه المرحلة من الاستخفاف بالعقول ، وإلى هذه المرحلة من ” السقوط ” في يد السلطة العسكرية الانقلابية في ” أم الدنيا “.
يمكن استيعاب – ربما – كل “مهازل ” المؤسسات التي نشاهدها اليوم في مصر ، بدءاً من الإعلام ومرتزقته وسحرته ، مروراً بالفن والثقافة والرياضة .. ، لكن أن تصل هذه المهازل إلى المؤسسة القضائية ، هنا الكارثة.
بالأمس صدر حكم على الرئيس السابق محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر ، والذي انقلب عليه العسكر في 2013 بعد عام واحد من حكمه في مؤامرة تتكشف خيوطها يومياً ، في قضية مضللة عرفت باسم ” التخابر مع قطر ” ، فحكم على الرئيس مرسي بالسجن المؤبد 25 عاماً مع إضافة 15 عاما أخرى ، والإعدام لـ ” 6 ” متهمين آخرين من بينهم زملاء إعلاميون.
مسرحية ممجوجة ، وسيناريو مبتدأ ، وممثلون يسمون بـ ” القضاة ” أتوا بهم من الصفوف الابتدائية وصعدوا بهم إلى المسرح، وليس منصات القضاء ، لأن هذه المنصات أكبر من هؤلاء ، ولا تتشرف بأن يجلس عليها ” أقزام ” كهؤلاء.
عيب بحق مصر وتاريخها أن يلوثه اليوم من يتولى السلطة فيها من هم بهذه السطحية في التعامل مع الدول عموماً ، وليس مع الأشقاء ، فعار على هؤلاء أن يلفقوا تهمة التخابر لرئيس منتخب أتى عبر صناديق الاقتراع مع دولة شقيقة ، التي وقفت مع مصر الشعب منذ اليوم الأول لثورة يناير في 2011 ، فكان الأمير الوالد أول رئيس دولة يحط رحاله فيها بعد أشهر بسيطة من نجاح الثورة ، وكان ذلك في مايو 2011 ، وعندها كان المجلس العسكري من يتولى إدارة الأمور ، ثم كانت زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد عندما كان ولياً للعهد آنذاك بعد زيارة سمو الشيخ حمد بن خليفة بشهر واحد ، وتحديدا في شهر يونيو من عام 2011 ، وقدمت قطر للشقيقة مصر أشكالا من الدعم انطلاقاً من واجبها تجاه الأشقاء ، ووقعت الاتفاقيات خلال تلك الزيارة ، والتي كان المجلس العسكري في المشهد السياسي ، ولم يكن هناك إسلاميون أو اخوان مسلمون في المشهد السياسي ، بل ان قطر عندما احتاجت مصر إلى دعم في مجال الوقود في 2013 قبل الانقلاب على مرسي قامت بالتبرع مجاناً بارسال خمس شحنات غاز ، تم تسليم ثلاث شحنات منها خلال حكم مرسي ، والاثنتان اكتملتا بعد الانقلاب عليه ، ولم تمتنع عن ذلك ، لأنها تؤمن أن هذا الدعم هو للشعب المصري الذي تربطنا به أواصر الاخوة والمحبة.
التخابر مع قطر .. إنها لسبة في جبين من يحكم مصر اليوم ، أن يتم الحديث عن مثل هذه القضية ، ويجند لها الاعلام المرتزق في مصر ليل نهار للايهام على أنها قضية القضايا بالنسبة للشعب المصري ، الذي بات يعاني أشد المعاناة في حياته المعيشية اليومية ، ولالهائه عن قضايا مصيرية تتعلق بالاقتصاد والمياه والفساد والأمن المرتهن للعدو والتراجع على صعيد ، بما فيها التعليم الذي احتلت مصر فيها المرتبة 139 من 140 ..
أما الوضع الاقتصادي فحدث ولا حرج ، فالدين الخارجي في 2015 كان 48 مليار دولار ، قفز بنهاية مايو الماضي إلى 83 مليار دولار ، أما الدين الداخلي فأصابني الذعر وأنا أحاول قراءته، بل لم أعرف حقيقة قراءة الأرقام من كثرتها ، فالأرقام تتحدث أن الدين الداخلي يصل إلى 2.6 تريليون جنيه مصري ، ما يعادل 260 مليار دولار ، وهو ما يعادل 80% إلى 90% من الناتج القومي الاجمالي المصري ، مما يعني دخول مصر مرحلة الخطر ، ومرحلة الافلاس.
أما الجنيه المصري فقد وصل مقابل الدولار إلى نحو 12 جنيها ، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ مصر.
الأمر الآخر فيما يتعلق بالعجز المائي ، فالذين هاجموا مرسي بدعوى سد النهضة ، أين هم اليوم وقد انتهت اثيوبيا من 70% من بناء السد ، ويوشك على العمل قريبا ، وعندها سيعاني الشعب المصري الكثير فيما يتعلق بندرة المياه.
لقد روج الاعلام المصري ومرتزقته أن مرسي باع لقطر الأهرامات وقناة السويس ومبنى الاذاعة والتلفزيون ” ماسبيرو ” .. ، وخلقوا الأزمات ، ثم ماذا ؟ هل قدموا شيئا على ذلك .. بالطبع لا .. ، كانوا يكذبون كما يتنفسون عبر أبواق مأجورة وهم أجراء.
اليوم وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي ، الذي أعلن انه لا يسعى لمنصب ولا لحكم ولا حتى لترقية وظيفية ، مصر كلها ” مرهونة ” للخارج ، بل هي اليوم ” مختطفة ” ، فمصر تستحق من هو أفضل من هؤلاء ليحكمها ، واذا ما استمر الوضع بهذه الصورة التي تعيشها ، فان سلم الانحدار سيكون سريعا في مختلف المجالات.
السيسي اليوم ينسق مع ” الاسرائيليين ” في عملياته العسكرية ضد أبناء سيناء ، التي يمارس ضدهم كل أشكال القمع والقتل بدعوى ، ويتآمر على غزة بالتنسيق والتعاون مع ” الاسرائيليين ” جهاراً نهاراً ، ويستقبل الوفود ” الاسرائيلية ” في السنة 365 يوما ، والمسؤولون ” الاسرائيليون” يعلنون ليل نهار ان علاقاتهم مع مصر تعيش أزهى عصورها بفضل ” الرئيس ” السيسي .. فمن يا ترى يستحق المحاكمة ؟ ومن يا ترى يشكل خطراً على الأمن القومي المصري والعربي ؟!
يحاكم أول رئيس منتخب في تاريخ مصر بتهمة ” التخابر ” مع قطر .. أي مهزلة هذه ؟ انها وصمة عار ستظل تلاحق السلطة الحاكمة والسلطة المنفذة والسلطة القضائية .. واؤلئك المصفقون ، وتلك الأبواق المأجورة. لم يعرف عن قطر أنها تآمرت على أحد ، فسجلها ناصع البياض ، بينما آخرون يحاصرون غزة ، ويقتلون جوعاً أطفالها ونساءها وشيوخها .. فمن يا ترى المتآمر ؟ ومن يا ترى يفترض أن يحاكم ؟ .
بالفعل اننا نعيش في زمن العجائب ، ينطبق فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ” ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ : ” الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ ”
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنا كلمة