خطاب الأمير يؤسس لـ «الفعل» العربي
يؤسس خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام القمة العربية الاسلامية الطارئة التي عقدت أمس بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية الشقيقة مرحلة جديدة لـ «الفعل» العربي الإسلامي المطلوب فورا لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في غزة.
حمل خطاب سمو الأمير رسائل واضحة ومحددة في التعامل مع العربدة الاسرائيلية والمجازر التي ترتكبها بحق أهل غزة، مطالبا بـ «اتخاذ موقف حازم من الجريمة المتواصلة في غزة، ولا يجوز الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار، بل علينا اتخاذ خطوات رادعة لوقف جريمة الحرب المتواصلة، بحيث تظهر ايضا ثقل ووزن الدول الاسلامية، فمواصلة اسرائيل عدوانها وارتكاب جرائم الابادة بهذا الاستهتار لا يلحق الضرر بالامن القومي العربي والاسلامي فحسب، بل ايضا بالأمن الوطني لدولنا».
هذه الرسالة هي التي يجب أن تصل الى الكيان الاسرائيلي، الذي لم يعد يعير أي اهتمام للبيانات او المطالبات العربية، لأنه بات على يقين أنها «مجرّد» بيانات فارغة من اي فعل حقيقي على الأرض، أو خطوات ملموسة يمكن أن تؤثر عليه.
هذه المواقف العربية الاسلامية هي التي دفعت ايضا الاطراف الدولية لعدم الانصات الى الصوت العربي الاسلامي، أو ما يصدر من القمم والاجتماعات التي تعقد على جميع المستويات للاسف الشديد، فلو أن هناك «فعلا» عربيا لازم كل قرار صدر من عشرات القمم والاجتماعات طوال السنوات الماضية، لما رأينا هذا الاستهتار بالعالم العربي والاسلامي، الذي يبلغ عدد دوله 57 دولة، وعدد سكانه قرابة 2 مليار مسلم، يتوزعون في قارات العالم الخمس، مع مواقع استراتيجية بالغة الأهمية والدقة، وممرات مائية تربط قارات العالم، ويمتلكون من الثروات تحت الأرض وفوقها ما لا يعد، وبالرغم من ذلك لا وزن حقيقيا لهذه الكتلة الجغرافية والسكانية والاقتصادية المسماه بـ «العالم الاسلامي»، وقبله «العالم العربي».
كان خطاب سمو الأمير المفدى خطاب الزعيم والقائد الذي يستشعر حجم المسؤولية، في هذه المرحلة التاريخية، وهو يرى ما يعانيه شعب من أمته يتعرض لحرب ابادة علنية، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، الذي لم يحرك ساكنا، بل وصل الأمر الى «تبلد المشاعر»، وتحول الأمر الى ظواهر غير مألوفة، فقد «ارتفعت بشكل ملحوظ معدلات المناعة لدى بعض الدول التي تدعي حماية القانون الدولي والنظام العالمي، حيث رأينا مناعتهم تجاه مناظر القتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين سواء كانوا اطفالا او نساء، وكذلك قصف المستشفيات والملاجئ اصبح لا يؤثر فيهم، ووصلت معدلات المناعة لديهم الى رؤية جثث الابرياء وهي تنهشها الكلاب لا تحرك لتلك الدول ساكنا، – سبحان الله – قوة المناعة فقط على أشقائنا الفلسطينيين».
وفي الوقت نفسه فقد لامس الخطاب مشاعر الشعوب العربية والاسلامية التي تتطلع الى موقف حازم وصارم ينتصر لأهل غزة، ويوقف هذه المجازر الوحشية التي يتعرض لها اخوتهم في فلسطين، وتحدث بلسان هذه الشعوب العربية المسلمة التي سموه واحد منها، فأشار الى أن «قلوبنا تنفطر ألما لمشاهدة قتل الأطفال والنساء والشيوخ بالجملة».
هذا الخطاب جمع بين الزعامة لقائد تحرك منذ اللحظات الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة، ولم يدخر جهدا في سبيل وقف هذا العدوان الوحشي، سواء عبر التواصل مع زعماء العالم، او عبر اللقاءات واستقبال الوفود على جميع المستويات من اطراف عدة، وتحولت الدوحة طوال الأيام الماضية شعلة نشاط سياسي ودبلوماسي ومركزا لوقف العدوان على غزة، او القيام بجولات مكوكية متنقلا من عاصمة لأخرى، حاملا هم فلسطين وأهل غزة، أو مساعي الوساطة التي تقودها قطر بجهود كبرى، سواء لفتح الممرات الانسانية وادخال المساعدات الاغاثية، لتوفير ما يمكن توفيره لأهل غزة من مساعدات غذائية وطبية وايواء وغيرها من المساعدات، سواء التي ارسلتها دولة قطر الى قطاع غزة عبر مدينة العريش المصرية، او جهود ومساعي فتح الممرات الآمنة بصورة دائمة.
وفي نفس الوقت عبّر الخطاب عن مشاعر ووجدان الانسان العربي والاسلامي تجاه ما يحدث من انتهاكات وجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وتحديدا ما يحدث اليوم بحق اشقائنا في قطاع غزة.
الحرب على غزة فضحت الغرب الذي طالما تغنى بشعارات حقوق الانسان والحريات وحماية الاطفال والنساء، واذا بهذه القيم التي ادعى أنه يحملها، ما هي الا شعارات جوفاء، انهارت واختفت مع أول قنبلة وصاروخ نزلا على رؤوس الابرياء في غزة، وسقطت كل الاقنعة التي طالما توارت خلفها انظمة غربية، فبانت حقيقة ما يدعون أنها مجرد ادعاءات اذا ما كان المتضرر هو الانسان العربي والمسلم.
اليوم حتى الجوانب الانسانية لم يعد الغرب يعيرها اهتماما، فالحصار الظالم المضروب على اهل غزة ليس فقط منذ 37 يوما مع بدء هذه الحملة الشعواء من العدوان والمجازر، بل منذ 17 عاما وأهل غزة يعانون من الحصار الظالم، لكن اليوم باتت غزة وأهلها محرومين حتى من الغذاء والماء والدواء والوقود، وبات الاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس وسيارات الاسعاف والمساجد والملاجئ، يمر مرور الكرام على حضارة الغرب «اللاإنسانية»، وهي تتعامل مع أهل غزة.
هذه الحضارة الغربية وهذا النظام الدولي يرى بأم عينيه قصف المستشفيات بمن فيها، ويرى عائلات وأحياء سكنية تباد بالكامل وشعبا يجبر على النزوح والتهجير قسريا، لكنه صامت بل مشارك في هذه الجرائم، هذه هي حضارة القرن الواحد والعشرين.
لقد طرح سمو الأمير المفدى قضية الشعب الفلسطيني، التي تشكل عنوانا بارزا وتتصدر الأولويات في قطر، قيادة وشعبا، ومتجذرة في الوجدان القطري، وتحدث عن معاناة أهلنا في غزة وهم يتصدون للعدوان الاسرائيلي المتواصل عليهم منذ 37 يوما، وشخّص الواقع الدولي، وقدم الحلول على الصعيد العربي والاسلامي، وشدد على أن الحل الوحيد والمستدام لقضية الشعب الفلسطيني هو اقامة دولته المستقلة، والاعتراف بحقوقه كاملة.
فلسطين قضيتنا، والدفاع عنها والوقوف الى جانب أهلها واجب ديني ووطني واخلاقي، والتصدي للمشروع الصهيوني مسؤولية عربية اسلامية.