إسرائيل هزمت كل العرب في 1948 واليوم لا تستطيع هزيمة حركة حماس
قراءة لعدوان 2008 و 2012 على غزة
عدوان 2012 بعد اسبوع واحد بدأت اصوات الاسرائيليين تتصاعد بايقاف هذه الحرب، على الرغم من ان 84% من الرأي العام الاسرائيلي يوافق على ضرب غزة، ولكن لتغير المعادلة العسكرية لصالح المقاومة الفلسطينية، جاءت الاصوات من داخل اسرائيل بايقاف هذه الحرب، التي استخدمت فيها اسرائيل القوة الجوية، ولم تتجرأ على الدخول في مواجهة عسكرية برية، واكتفت بقصف الآمنين والمنازل والتجمعات العامة ومقرات مدنية واماكن خاصة للاعلام والمراسلين.
ولم تفلح اسرائيل طبعا في ايقاف صواريخ المقاومة في الحربين الاولى والثانية، وان كان الوضع اختلف في الحرب الثانية، على الرغم من محدودية المنطقة التي تنطلق منها هذه الصواريخ، وهي غزة ذات المساحة الجغرافية الصغيرة.
على مستوى المقاومة، استطاعت الصمود في العدوان الاول، وان كان الضحايا والشهداء وصل عددهم لنحو 1200 شهيد على مدار الـ 22 يوما، وفي الوقت نفسه لم تتعد صواريخ المقاومة المدن القريبة من غزة، ولم تصل بصواريخها العمق، لكن ظلت تنطلق الصواريخ حتى اليوم الاخير دون ان تفلح اسرائيل في ايقافها.
في العدوان الثاني 2012، تغيرت المعادلة تماما لصالح المقاومة، فقد فاجأت العدو بتطور نوعي في الاداء العسكري، فبعد اسبوع من العدوان سقط نحو 100 شهيد، في المقابل وصلت صواريخ المقاومة للعمق الاسرائيلي للمدن المحتلة في فلسطين، بما فيها ما تسمى تل ابيب والقدس المحتلة وبئر سبع وعسقلان..، وهي مدن تبعد عن غزة بمدى يتراوح بين 70 و85 كم، فنزلت صواريخ المقاومة فيها، واصابت اهدافا، وان لم تكن بالتأثير القوي، الا انها ادخلت الاسرائيليين الى الملاجئ بمن فيهم قادة العدو، فكان الاسرائيلي قبل ان يبحث عن مقهى او مطعم ليجلس فيه يسأل عن اقرب ملجأ قريب منه، فصافرات الانذار لم تتوقف عن الدوي في المدن الرئيسية في فلسطين المحتلة، وهي مفاجأة لم يتوقعها قادة اسرائيل.
اضافة الى ذلك قيام المقاومة بتوجيه صواريخها الى الطائرات الاسرائيلية، فكان ان استطاعت اسقاط طائرة تجسس بدون طيار، وهذا تحول نوعي، رافق ذلك توجيه صواريخ المقاومة الى البوارج الاسرائيلية التي كانت تقصف غزة من البحر.
وبالتالي تعامل المقاومة مع العدوان كان مغايرا تماما عن عدوان 2008، حيث حدث تطور ايجابي على مستوى الاداء، وتطور نوعي في السلاح والقوة الصاروخية، وان لم تكن بالطبع تتوازن مع القوة العسكرية الاسرائيلية، لكن هناك تطورا، في الوقت الذي لم يشهد الجيش الاسرائيلي اي تطور نوعي، لا على مستوى الاداء، ولا على مستوى الاسلحة، حتى القبة الحديدية التي اعلن عنها الكيان وانها ستمنع صواريخ المقاومة من الوصول الى اسرائيل، فشلت في التصدي لجميع هذه الصواريخ، ولم تستطع منع سقوط الصواريخ، اضافة الى التكلفة الباهظة للقبة وللصواريخ التي تتجهز فيها، حيث تحتوي كل منصة على 20 صاروخا، تكلفة كل صاروخ تقريبا 50 الف دولار، اي ان تكلفة الصواريخ فقط في كل منصة مليون دولار، غير تكلفة بناء المنصة بحد ذاتها.
وقبل الحديث عن دول الجوار، وتحديدا مصر في الحربين 2008 و2012، أذهب لتسليط الضوء على المواقف الغربية والامريكية، صحيح ان الغرب وامريكا اعطيا الضوء الاخضر منذ الطلقة الاسرائيلية الاولى في الحرب الثانية، وقالت امريكا ان اسرائيل تدافع عن نفسها، وبررت العدوان الهمجي على غزة، الا انها سارعت الخطى بعد ايام قليلة قبل مرور اسبوع للبحث عن تهدئة، على عكس الحرب الاولى، التي تركت فيها اسرائيل تقتل الاطفال والنساء والشيوخ ليل نهار، دون ان تحرك امريكا او الدول الغربية ساكنا لاكثر من ثلاثة اسابيع، فلماذا سارع الغرب وامريكا لايجاد “هدنة” بعد اقل من اسبوع في حرب 2012، وطلبوا من الرئيس المصري التدخل الفوري واستخدام الضغط لايجاد هذه الهدنة؟
انها صواريخ المقاومة بالدرجة الاولى، وتغير معادلة الردع، ووصول الصواريخ الى المدن الاسرائيلية المختلفة، ووقوع اكثر من 5 ملايين اسرائيلي في المدن تحت رحمة هذه الصواريخ، اضافة بالتأكيد لتغير مواقف الدول العربية بعد الربيع العربي، وما صاحب ذلك من اقتلاع انظمة طالما كانت تمثل حليفا استراتيجيا للعدو. هذه المعطيات الجديدة دفعت امريكا رئيسا ووزيرة خارجية، ووزراء خارجية دول اوروبية اخرى فرنسا والمانيا للهبوط باسرائيل متضامنين وداعمين، وفي نفس الوقت باحثين عن مخرج لنتنياهو وباراك لحفظ ماء الوجه في هذا العدوان، بعد ان فشلا في تحقيق اي هدف مما سعيا اليه في هذا العدوان، خاصة اطلاق الصواريخ، وتدمير حماس، واخراجها من المعادلة، والقضاء على حكمها في غزة.
◄ مصر.. بين حربين
اما عن مصر، فقد اختلف دورها تماما بين هذين العدوانين، او هاتين الحربين ان صح التعبير، فنظام مبارك -وليس مصر الشعب العظيم- باع نفسه لاسرائيل، فكان الحليف الاستراتيجي للعدو، وربما الجميع يتذكر ان وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني اعلنت الحرب على غزة في عام 2008 من مصر، خلال زيارة قامت بها يوم 25 ديسمبر 2008 اي قبل بدء العدوان بيومين فقط وهددت باسكات الصواريخ التي تطلقها حركة حماس من غزة وقالت: “الوضع في غزة اصبح عائقا امام اقامة الدول الفلسطينية.. اسرائيل لن تقبل بعد الآن بهذا الوضع.. كفى يعني كفى والوضع سيتغير”.
وقالت في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية نظام مبارك، ابو الغيط: “سيطرة حماس على غزة ليست مشكلة لاسرائيل فقط، نحن نتفهم احتياجات مصر في ان يسود الهدوء في القطاع، ولكن ما نفعله هو تعبير عن احتياجات المنطقة”.
عندما بدأت اسرائيل هجومها الغاشم، وعدوانها الجائر على غزة في 27 ديسمبر 2008، لم يحرك نظام مبارك ساكنا، بل على العكس شدد الحصار على غزة، واغلق معبر رفح تماما، ورفض ادخال اي مساعدات، او السماح لابناء مصر الشرفاء بالدخول لايصال المساعدات اللازمة، خاصة الطبية منها، وليس هذا فقط، بل جميعنا يتذكر كيف سعى نظام مبارك الى منع عقد قمة غزة بالدوحة، التي دعا اليها سمو الامير المفدى، وحاول جاهدا افشالها، ومارس ضغوطا جبارة على الزعماء والرؤساء العرب لعدم حضور هذه القمة، واعترف ابوالغيط فيما بعد علانية بالسعي لافشال قمة غزة بالدوحة.
وكان ينتظر نظام مبارك ساعات فقط -حسب تصريحات احد المسؤولين- لاختراق الدبابات الاسرائيلية شوارع غزة، لتعيد احتلالها، وتبعد حماس عنها، لتسقط بذلك هذه الحكومة التي اتت بانتخابات حرة في 2006، وكان على الطرف الآخر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “ابومازن” ينتظر الاشارة بعد سقوط حكم حماس للدخول الى غزة، ولكن المقاومة الفلسطينية اسقطت هذه المؤامرة، وصمدت 22 يوما امام القوة الغاشمة الاسرائيلية.
اما مصر الجديدة.. مصر 25 يناير.. مصر الثورة.. فقد اختلف تعاطيها مع العدوان الاسرائيلي الثاني 2012، واختلفت الرسائل الصارمة والشديدة التي بعثت بها الى اسرائيل منذ اللحظة الاولى للعدوان، عندما استدعت السفير المصري من دولة العدو، وابعدت السفير الاسرائيلي من قاهرة المعز، واوفدت رئيس وزرائها الى غزة في اول زيارة لمسؤول مصري على هذا المستوى، وهو مؤشر يدل على المكانة التي تحظى بها غزة، وان مصر لن تتركها فريسة في يد الاسرائيليين، بالتالي لم تعد غزة وحدها في الميدان، صاحبت هذه الخطوات السريعة تصريحات ومواقف ثابتة للرئيس الدكتور محمد مرسي، الذي جاء من رحم ثورة مباركة، ووصل الى الحكم عبر صناديق اقتراع، وانتخابات حرة مباشرة، لم تشهدها مصر طوال عقودها الثلاثة الماضية.
لم يقف الموقف المصري عند ذلك، بل اوعز الرئيس بفتح معبر رفح بصورة دائمة، مع الايعاز لمستشفيات المناطق المجاورة وابرزها العريش بالتعامل مع الحالات وجرحى العدوان الاسرائيلي، وعلاجها على الفور، وفي نفس الوقت خرجت القوافل الطبية والمساعدات الانسانية من شعب مصر العظيم ومن روابطها وجمعياتها والنقابات فيها لتقديم الدعم الى اهل غزة، والوقوف معهم تحت القصف، وهو امر لم يعهده اهل غزة في العدوان الاول.
ايضا الموقف المصري الجديد في حرب 2012 ليس هو في حرب 2008، المعطيات الجديدة على الارض اختلفت، فمصر عادت الى موقعها الريادي في قيادة الامة العربية، والتصدي لقضاياها المختلفة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، التي طالما قدمت مصر الشهداء في سبيلها، وبالتالي لم تعد هذه القضية المركزية “تائهة” بين اروقة المنظمات الدولية، او تتقاذفها الدول شرقا وغربا.
هذا الموقف المصري الجديد كان هو المحرك لمواقف عربية ايجابية، سواء من خلال الاجتماع الوزاري العربي، او من خلال وفد وزراء خارجية الدول العربية الذي قام بزيارة غزة لأول مرة، وغزة تحت الرصاص، وهو وان كان زيارة حمل رسالة مفادها ان العرب في هذه المرحلة لم يعودوا كما كانوا في 2008.
مصر هي المحرك لقاطرة النهضة العربية، والواقفة مع غزة، وهو ما ظهر واضحا في هذه المرحلة، عكس ما كان في العدوان الاول.
هذه المواقف العربية جاءت بفضل الثورات والربيع العربي الذي اطاح بأنظمة قمعية.. تسلطية.. ديكتاتورية.. جثمت على صدور الشعوب العربية دهورا، الى ان نهضت هذه الشعوب، ونفضت هذا الغبار الذي تراكم عليها منذ عقود، وبالطبع الثورة المصرية العظيمة هي في الصدارة.
◄ إسرائيل في تراجع
هناك العديد من التوقعات التي تحدثت عن افول الدور الاسرائيلي خلال السنوات القليلة القادمة، والبعض توقع لهذه الدولة الا تستمر الى ما بعد 2025، وبالمناسبة لم تقم لليهود دولة في فلسطين، انما جاؤوا اليها متسللين في الليل، وفي غفلة من الزمن استولوا على هذا الوطن بدعم غربي في مقدمتها البريطاني في العصر الحالي، ثم تبعه دعم امريكي كامل في هذه المرحلة، مع دعم غربي من اجل ابقاء العرب متقهقرين، فوجود اسرائيل يخدم الغرب عبر اشغال العرب بحروب دائمة، وابقاء المنطقة في حالة توتر دائم، وبالتالي عدم الاستقرار، وهذا كفيل بإبقاء العرب في مؤخرة الركب.
منذ عام 1948 تابعوا تراجع الدولة العبرية، في هذا العام 1948 استطاعت اسرائيل ان تهزم الجيوش العربية مجتمعة، وفي عام 1967 هزمت بعض الجيوش العربية، وكان هذا آخر انتصار فعلي لها، ففي عام 1973 انهزمت امام مصر، ثم زاد التقهقر، فجاءت الانتفاضة الفلسطينية في عام 1987 التي هزت اركان الدولة العبرية، وفي عام 2006 لم تستطع ان تنتصر على حزب الله، واصيب جيشها بانتكاسة، وفي عام 2008 لم تستطع كذلك الانتصار على حركة حماس، التي اثبتت صمودا عجيبا طوال الـ 22 ، واليوم في حربها مع حركات مقاومة تبحث عن هدنة بعد اسبوع من عدوانها، علام يدل هذا التراجع والانهزام؟.
صحيح ان العرب ربما في هذه المرحلة ليسوا جاهزين لشن حرب مع اسرائيل، وليس مطلوبا منهم في هذه المرحلة القيام بذلك، اليوم العرب يعيشون مرحلة صحوة، ومرحلة تصحيح مسار، قد يحتاج الامر سنوات، وهذا امر طبيعي، فكل الامم والدول التي مرت بثورات، ومرت بتصحيح مسار، تعرضت لكبوات في بداية الامر، الا انها سرعان ما نهضت، واستعادت زمام المبادرة، وامتنا العربية هي الاقدر على معالجة الهفوات والكبوات التي تعترض طريق صحوتها اليوم من اي امة اخرى، كونها تمتلك مرجعية واضحة، ولها تجارب عبر التاريخ، تعرضت لكبوات و”سقطات” لكنها عالجت امورها، ونهضت من جديد.
اسرائيل تخسر اليوم من اي وقت مضى، وبقاؤها في هذه الحرب يعرضها لخسائر افدح، صحيح ان الضحايا في غزة اكبر بكثير مما يقع في الوقت الراهن في اسرائيل، وهذا امر طبيعي لأمة مجتمع واي امة تريد الخلاص والانعتاق من قيود الاحتلال، ولا يجب الاعتقاد بان فلسطين سوف تتحرر باتفاقيات او معاهدات، ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة.
اسرائيل لن تتنازل عن الاراضي الفلسطينية، ولن تقدمها على طبق من ذهب للشعب الفلسطيني، ولكم في اتفاقيات اوسلو خير شاهد، فالسلطة الفلسطينية لا تستطيع ان تدخل الخيط في الابرة الا بموافقة اسرائيل، ورئيس السلطة لا يستطيع ان يتحرك الا بموافقات اسرائيلية، هذه حقيقة، فالاسرائيليون هم المتحكمون على ارض الواقع حتى في الضفة الغربية التي هي مركز السلطة، على الرغم من كل التنازلات التي قدمتها السلطة، وكان آخرها قضية العودة.
العصر الاسرائيلي آخذ في التراجع، والدولة العبرية آخذة بالتقهقر، وقوتها العسكرية في افول، والعالم الغربي وامريكا لن تستمرا في دعم دولة ليس لها مقومات وجود على ارض فلسطين، وليس لها تاريخ في هذه المنطقة.
مصر اليوم هي القائدة بالمنطقة، على عكس ما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، وهذا مؤشر قوي على عودة الروح للامة العربية بقيادة مصر الجديدة.
“كفى”.. هكذا عنونت بعض الصحف الاسرائيلية صفحاتها الاولى لتدعو حكومتها لايقاف العدوان الغاشم على غزة، بعد اسبوع تقريبا من شنه، لماذا؟
لو رجعنا بالذاكرة قليلا الى عدوان 2008 على غزة الصامدة، في عملية “الرصاص المصبوب” لوقفنا على مفارقات عدة، على المستوى الاسرائيلي، وعلى مستوى الاقليم ودول الجوار، وبالطبع على مستوى المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها، وفي مقدمتها حركة حماس التي جاءت الى حكم غزة عبر صناديق الاقتراع الحر والمباشر في عام 2006، وهي الديمقراطية التي يتحدث عنها الغرب، وتطالب بها امريكا، ولكن بالطبع ليس بالنسبة للوضع الفلسطيني او العربي.
المفارقة الاولى ان عدوان 2008 استمر 22 يوما، اي دخل اسبوعه الرابع، استخدمت اسرائيل خلاله كل انواع الاسلحة الجوية بما فيها المحرمة دوليا، اضافة الى عملية عسكرية برية، لم تحصد من خلالها شيئا فعليا على الارض.