مقالات

إنشاء الملاجئ.. رؤية مستقبلية للتعامل مع الكوارث

دور مميز وجهود مقدرة للأجهزة المعنية

ربما الأحداث الاخيرة المتعلقة بتوابع الزلازل التي ضربت ايران، وما وصل الى قطر ودول الخليج عموما من هزات ارتدادية، كانت هي الشغل الشاغل، والحديث الدائر للجميع خلال الفترة الماضية، مسؤولين وافرادا، وهو ما يطرح تساؤلا عن مدى جاهزية مختلف الأجهزة في القطاعين العام والخاص للتعامل مع مثل هذه الاحداث الجديدة على مجتمعنا، وعلى دول مجلس التعاون الخليجي عموما، اضافة الى الثقافة المجتمعية ايضا للتعامل مع الزلازل، التي لا تقل اهمية عن استعدادات الاجهزة الرسمية في هذا المجال.

لا نشكك ابدا في قدرة تعامل الاجهزة المعنية وفي مقدمتها اللجنة الدائمة للطوارئ والاجهزة التابعة لوزارة الداخلية مع مثل هذه الاحداث، سواء كانت كوارث طبيعية او غير طبيعية، وان كانت جديدة على مجتمعنا، الا ان العديد من الشواهد تؤكد ان الاجهزة الامنية هي الاكثر مواكبة للتطورات العالمية، والمستجدة محليا واقليميا ودوليا، الا ان ذلك لا يمنع من الاشارة والتذكير بضرورة وضع استراتيجيات جديدة او متطورة، تتكامل مع القطاع الخاص المعني ايضا فيما يتعلق بالبناء، والمواصفات المطلوبة به خلال المرحلة المقبلة، بعد ما استجد من امور تتعلق بوصول ارتدادات زلزالية الى قطر.

مواصفات البناء بالتأكيد بحاجة الى مراجعة، بحيث تتوفر بها حماية قدر الامكان للارواح البشرية، وهو متبع في بلدان العالم، خاصة تلك التي تتعرض لمثل هذه الاحداث، صحيح ان الامر لا يعدو كونه ارتدادات لهزات ارضية تضرب مناطق اخرى، لكن من الواجب اخذ الحيطة والحذر لكل ما قد يحدث مستقبلا من تطورات.

صحيح ان المباني في الوقت الراهن لم تتعرض لأية اضرار، ولكن هذا لا يعني عدم المضي قدما في وضع معايير وشروط جديدة فيما يتعلق بالمباني والمنشآت المختلفة.

هذا جانب، الجانب الآخر هو ما يتعلق بأهمية التفكير بايجاد ملاجئ عامة في الاماكن المزدحمة سكانيا، كما هو الحال بمنطقة الابراج، او المناطق السكنية الاخرى، اضافة الى المدارس، التي اعتقد انه من الواجب ان تتضمن تصاميمها المستقبلية ملاجئ تستوعب أعداد الطلاب او ساكني المنطقة، وهو امر موجود في الكثير من الدول.

قضية ايجاد الملاجئ قد يعتبرها البعض امرا مبالغا فيه، او لا نحتاجه في هذه المرحلة،..، قد يكون هذا الامر صحيحا، لكن لا تعرف متى نكون بحاجة اليه، لذلك لا يمنع ان يكون ضمن مواصفات المباني الحكومية او المباني العامة ملاجئ تخدم المناطق التي تتواجد فيها، او ايجاد ملاجئ مستقلة تستخدم في الاوقات العامة في انشطة وفعاليات مختلفة، وعند الحاجة تكون جاهزة للاستخدام كملاجئ للطوارئ لأحداث مختلفة.

هناك بلدان على سبيل المثال تحول الأنفاق الخاصة بالحركة المرورية خلال هطول الأمطار الى انفاق لتصريف المياه، بعد ان يتم اغلاقها امام حركة السيارات، وتحويل الحركة المرورية الى مسارات اخرى، وهي بذلك تستفيد من هذه الانفاق خلال فترات الطوارئ، واعتقد اننا بحاجة الى التفكير بمثل هذه الخطوات التي تجعلنا نستفيد من المرافق المختلفة حسب الاحداث التي قد نتعرض لها، تماما كما تم تحويل القرية الاولمبية الخاصة بدورة الالعاب الآسيوية 2006 الى مرافق خاصة بالمدينة الطبية، والاستفادة من القدرة الاستيعابية لهذه القرية في إسكان الكادر الطبي لمؤسسة حمد الطبية وايجاد مستشفيات بها، مع تحويل جزء منها الى مبان ادارية.

هذه الرؤية في التعامل مع مقدرات الدولة والمجتمع نحن بأمس الحاجة اليها خلال المرحلة المقبلة، خاصة ان هناك العديد من المرافق والمنشآت التي سوف تبنى من اجل استضافة نهائيات كاس العالم 2022، وهي مرافق بالتأكيد غاية في الاهمية والحيوية، الا انه من الاهمية بمكان ايضا النظر اليها لما بعد كأس العالم، وتصميمها بطرق يتم الاستفادة القصوى منها لخدمة المجتمع، وتسخير هذه الامكانات لاستثمارها طوال العام، دون اقتصارها على حدث او مناسبة بعينها.

القضية الاخرى هي ثقافة المجتمع في التعامل مع هذه الاحداث الخاصة بالارتدادات الزلزالية التي وصلت الينا، فالأفراد نظرا لغياب هذه الاحداث عن مجتمعنا ولله الحمد، ليست لديهم الثقافة الكاملة في التعامل مع الهزات الارضية او ارتداداتها، فكل ما يفعلونه هو الخروج من المبنى، ولكن اين يذهبون، لا يعرفون، لذلك رأينا ان كل من خرج الى الشارع وقف بجوار البرج او المبنى الذي يعمل به، وهو تصرف ليس صحيحا، لأنه من المفروض عند الخروج من المبنى الابتعاد عن الاماكن التي تحتوي مباني سكنية حفاظا على سلامة الافراد، فمن المؤكد انه في حالة سقوط او تداعي اجزاء من هذه المباني ستكون قريبة من المبنى نفسه، وهو ما سيوقع اضرارا بكل من تواجد بالقرب منه، والكثير منهم اخذ يلتقط الصور الخاصة بالتجمعات القريبة من المباني التي خرجوا منها.

ثم لابد من السعي لخلق توعية بمثل هذه الاحداث، وهذه التوعية ليست مسؤولية الدولة او وزارة الداخلية واللجنة الدائمة للطوارئ فحسب، انما المسؤولية تقع على عاتق الجميع، بما فيهم الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والعام..، بمعنى انه لابد ان تتضافر الجهود في سبيل خلق هذه التوعية المجتمعية من قبل الجميع، حتى الاسرة مسؤولة عن غرس ثقافة جديدة في ابنائها، دون التهويل من الموضوع.

الحذر والحيطة شيء مطلوب، لكن في نفس الوقت دون التهويل من القضية، او محاولة التشويش من قبل البعض على الجهود المقدرة التي تقوم بها الاجهزة المعنية بالدولة.

حقيقة ودون مجاملة، هناك عمل متكامل، وجهد كبير، واستراتيجية تعمل بها الدولة، وتحديدا وزارة الداخلية، التي تحرص على انجاز العمل قبل الحديث عنه اعلاميا، وهو ما يحسب لهذه الوزارة التي تقود النقلة النوعية في الاداء على مستوى الوزارات والاجهزة المختلفة، وترسخ العمل المؤسسي في اداراتها واجهزتها.

هذه الارتدادات الزلزالية التي وصلت الى كل دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها بالطبع قطر، تدفعنا للنظر الى زوايا اخرى ربما لم تكن حاضرة في ذهننا، والعمل على وضع خطط مستقبلية تتعاطى مع هذه الاحداث برؤية واضحة، وإلمام كامل بما يجب القيام به في حال وقوع مثل هذا الحدث اوأحداث اخرى لا قدر الله.

حفظ الله قطر قيادة وشعبا وكل من يقيم على هذه الارض الطيبة، وحفظ الله ديار العرب والمسلمين من كل سوء ومكروه.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x