مقالات

الأمير في الأمم المتحدة 3-5 ثمة أنظمة أصبحت عبارة عن إرهاب شامل.. تشن حروب إبادة ضد شعوبها

المعالجات العسكرية العاجلة يجب ألا تنسينا ظروف وأسباب نشأة التنظيمات الإرهابية..

استيقظ العالم فجأة ليتحدث عن خطر “إرهاب” تنظيم الدولة المعروف بـ “داعش”، وسعي أمريكا إلى تشكيل تحالف دولي يضم أكثر من 40 دولة من أجل محاربة هذا التنظيم، الذي يبلغ عدد أفراده – حسب التقديرات الأمريكية – ما بين 20 و 30 ألف شخص، من أجل القضاء على هذا التنظيم، الذي يتمدد في العراق وسوريا، دون البحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت لخروج مثل هذا التنظيم، أو الأسباب التي أدت لظهوره، وقبلها من ساهم بصناعته وتشكيله…

أمريكا قالت إن الحرب على “داعش” قد تمتد 3 سنوات، وستكلف نحو 500 مليار دولار، من خلال تحالف – كما قلت – يضم 40 دولة حتى الآن، في حين أن حرب تحرير الكويت على سبيل المثال، بلغ عدد دول التحالف فيها 34 دولة، وتكاليف حرب التحرير بلغت 61 مليار دولار، بمعنى أن تكاليف الحرب على “داعش”، الذي هو تنظيم وليس دولة كما في الحالة العراقية عام 1991، مثلت أكثر من 8 أضعاف تكاليف الحرب على دولة.

وبعيداً عن هذا كله، فإن استخدام القوة العسكرية دون سواها لن يحل قضية “الإرهاب” الذي يتحدث عنه العالم اليوم، وتقود الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً ضده، فهذه التنظيمات نتاج ظروف معينة، والقضاء عليها يتطلب معالجة البيئات التي نشأت فيها، وإلا فإنها ستعود مرة أخرى ما دامت لم تتم المعالجة الحقيقية للأسباب التي دفعت بنشوئها.

هذا ما أكد عليه سمو الأمير المفدى في كلمته أمام مجلس الأمن عندما قال “لا مناص من الاستجابة الأمنية وحتى العسكرية العاجلة للخطر الداهم الذي تمثله الجماعات الإرهابية التي تجند وتنقل المقاتلين الإرهابيين عبر الحدود، ولكن الاستنفار الآني والعاجل والمُلِح، لا يجوز أن يجعلنا نهمل ظروف نشأته وأسبابه ودوافعه”.

ويمضي سموه بالقول “ثمة أنظمة أصبحت عبارة عن إرهاب شامل منظم، تشن حروب إبادة ضد شعوبها”.

ويرى سموه أنه “لا يمكن الانتصار على الإرهاب دون تجنيد المجتمعات المتضررة ذاتها ضده”.

ويؤكد سموه في خطابه الذي وضع يده على الجرح، سعياً لمعالجة جادة، بعيداً عن “المهدئات” أو “المسكنات” التي يعمل بها البعض، فيقول “العمل العسكري وحده ليس سبيلاً لحل كافة المشاكل، ولابد أن يأتي في سياق حلول سياسية، تفتح أفقاً لمستقبل أفضل، فالعنف يولد العنف إذا لم يكن جزءاً من حل سياسي شامل”.

هذه الرؤية هي التي يحتاجها العالم لمعالجة قضاياه، فما يحصل اليوم في قضية “داعش” أنها فرع من أصل، وتحالف العالم من أجل قطع الفرع أو “الغصن”، وترك الأصل الفاسد يترعرع ويعيث في الأرض الفساد، ثم يتم الحديث عن الإرهاب.

طبيعي جداً أن يصل الأمر بطوائف مختلفة في المجتمعات إلى مرحلة التطرف، واستخدام طرق مرفوضة في التعبير عن رأيها، واللجوء إلى العنف، لأن كل الطرق قد سدت بوجهها، وما “داعش” إلا نتاج بيئة خصبة من إرهاب النظام الرسمي في سوريا، وحالة الاقصاء والتهميش التي عاشها مكون أساسي في المجتمع العراقي، ولا نستغرب أن نرى “دواعش” كثراً يخرجون الى الساحة ما دامت العدالة الاجتماعية والحريات والكرامة الإنسانية مغيبة في المجتمعات.

لقد حذرت قطر منذ بداية الثورة السورية في مارس 2011، عندما خرج الشعب السوري مطالباً بحقه في الحرية والتعبير والإصلاح، فما كان من النظام إلا أن واجه هذه المطالب المشروعة بالقمع والقتل والاستبداد، ظل هذا الشعب منحازاً لسلمية المطالب، رافضاً اللجوء إلى “العسكرة” إلا أن النظام كان خياره منذ اليوم الاول خياراً أمنياً قمعياً لكل الأصوات، متحدثاً عن مؤامرة “كونية” يتعرض لها، وظلت آلة القتل تحصد الشعب السوري والعالم يتفرج، دون أن يحرك ساكناً، وظل النظام يمارس كل فنون القتل، بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية، التي لم تحرك ساكنا للمجتمع الدولي لنجدة الشعب الذي يذبح على يد نظامه.

عام رابع ومأساة الشعب السوري تتفاقم، أكثر من 250 ألف قتيل حسب الأرقام الرسمية، وبالتأكيد الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.. نحو 10 ملايين ما بين لاجئ ونازح ومشرد.. مدن ومناطق أبيدت من على وجه الأرض.. محافظات دمر منها 70%.. مساجد انتهكت حرماتها ودمرت.. آلاف من الحرائر اغتصبن.. فماذا ينتظر العالم حتى يتحرك؟

أمريكا “زمجرت” لأيام عندما استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية وقتل نحو 1500 انسان بريء، وقالت إنها سوف تستخدم “ردعاً” ضد هذه الجريمة، لكن سرعان ما استخدمت “المهدئات” لتسحب كل التصريحات التي أطلقها القادة الامريكيون، بدءا بالرئيس اوباما وانتهاء بمسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون.. مرورا بمسؤولي الخارجية والامن القومي…

حتى هذه الجريمة النكراء لم توقظ الضمير العالمي، ولم يجد الشعب السوري يداً تمتد لإنقاذه، فماذا تنتظرون أن يفعل وهو يرى سيناريو القتل والتشريد يتزايد، ويرى العالم يتفرج على آلامه وجراحه؟

أمام الجمعية العامة قال سمو الأمير “سبق أن حذرنا أن مواصلة النظام الإرهاب وسياسة الإبادة والتهجير وعدم توافر الدعم للثورة السورية، حين كانت ثورة مدنية تطالب بالحرية والكرامة، سوف تدفع الكثير من السوريين الى الدفاع عن النفس، كما حذرنا المجتمع الدولي منذ البداية من انه اذا لم يفعل شيئا تجاه ما يجري في سوريا فسوف نصل الى ما وصلنا اليه”..

هذه هي النتيجة.. لأنه لم تتم معالجة حقيقية للوضع في سوريا، ولم يلزم المجتمع الدولي النظام السوري باحترام إرادة الشعب، ولم يجد هذا النظام مواقف جادة لوضع حد لسياسة القمع والقتل والارهاب التي يمارسها..، فكان أن تمادى في ذلك، لأنه لم يجد من يوقفه عند حده.

في العراق الوضع لم يكن أفضل حالاً، فالشعب الذي ظن نفسه أنه قد تحرر في 2003، ودفع ثمناً غالياً في سبيل ذلك، إذا به يدخل نفقاً مظلماً على يد قادته الجدد، ويدفع من حريته وكرامته ودماء ابنائه الكثير، وتستأثر طائفة واحدة على كل الأمور، واستفحل الأمر أكثر بمجيء نوري المالكي وتوليه منصب رئاسة الوزراء، الذي مارس كل الأساليب ضد مكون رئيسي في المجتمع من تهميش وإقصاء واعتقالات وتصفيات واغتيالات وتغيير التركيبة السكانية لمناطق مختلفة من العراق..، إلى أن جاءت ثورة العشائر بعد أن ضاق بها الأمر، بعد اعتصامات في الساحات لأكثر من عام، حاول المالكي خلالها استخدام القوة لإنهائها…

في أكثر من مرة تنبهت قطر وقيادتها إلى المخاطر المترتبة على تجاهل ما يعانيه الشعبان السوري والعراقي على وجه الخصوص، لكن لم نجد تجاوباً من المجتمع الدولي، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، الذي هو نتاج تراكمات وأعمال قمعية وإرهابية.

سمو الأمير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أعاد إلى الأذهان ما سبق التحذير منه، وكان مما قاله “لقد عانى الشعب السوري من الاستبداد والإرهاب، ولم يسمع المجتمع الدولي صرخات استغاثته، وكان الشعب العراقي نفسه أول ضحايا الإرهاب في العراق، ولكنه الشعب الذي قاتل الإرهاب وانتصر عليه، وجد نفسه عرضة للتهميش والتنكيل من قبل ميليشيات إرهابية طائفية، ومن هنا لابد من إقناع الشعب العراقي بأنه لن يدفع الثمن ألف مرة، وأنه حين يدافع عن وطنه إنما يدافع عن حقوقه وكرامته وحريته التي يجب أن تكفل، وهذا ما يجب ان تقتنع به غالبية الشعب السوري التي أغرقها النظام السوري بالدماء لتجرؤها على المطالبة بالحرية والكرامة “.

في ظل هذه الظروف المأساوية التي عاشها الشعبان السوري والعراقي، كان هذا النبت “الضار”، الذي يحتشد العالم اليوم لاقتلاعه دون معالجة البيئة التي نشأ فيها، التي هي مازالت باقية خاصة في سوريا، على أمل أن تعيد الحكومة العراقية الجديدة النظر في سلوكيات من كانت قبلها، بحيث يتم إشراك كل مكونات الشعب العراقي في صناعة القرار.

اليوم أمريكا تقوم بقصف مواقع تنظيم الدولة “داعش” في العراق وسوريا، لكن هذه الدولة نفسها لم تطلق رصاصة واحدة على مواقع النظام السوري التي تنطلق منها صواريخ سكود وطائرات الـ “سوخوي” والطائرات المحملة بالبراميل المتفجرة التي تلقى على رؤوس الشعب السوري..، فكيف يمكن إقناع الشعب السوري بأن التخلص من “داعش” هو لمصلحة الشعب السوري، وكيف يمكن أيضا إقناع شعوب المنطقة أن أمريكا تسعى بالفعل الى تنظيف المنطقة من “الإرهابيين”، في حين يرون الإرهاب الأكبر للنظام السوري قائم ومتواصل، ويستقبل أركانه في المؤسسات الدولية كما حصل بحضور وزير خارجية النظام السوري جلسات الأمم المتحدة ولقائه بالأمين العام بان كي مون، وإلقائه كلمة في الجمعية العامة، وكأنه لا يوجد اي شيء على النظام السوري!!

إنها قمة المهزلة، ثم يتم الحديث عن ظهور تنظيمات إرهابية، وانتساب شرائح مجتمعية مختلفة إليها، فما ينتظر العالم الذي تخلى عن هذا الشعب إذا ما لجأ إلى خيارات أخرى.

نعم نحن لا نتفق مع فكر وسلوك “داعش”، وأن ما تقوم به يمثل ممارسات إرهابية، ولكن في المقابل ماذا عن النظام السوري، ماذا نسمي ممارساته؟ ومن الذي صنع “داعش” وربما في المستقبل أخواتها، اذا ظل التعامل مع أحداث المنطقة برؤية أحادية الجانب، وإذا ما تم الكيل بمكيالين.

 

حفلت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخطابا سموه امام الجمعية العامة ومجلس الامن، والمقابلة الخاصة التي اجرتها «سي ان ان» مع سموه، اضافة الى اللقاءات الجانبية مع قادة ورؤساء الوفود، بحضور لافت لسموه، الذي كان بحق الصوت الهادر بالحق، والناقل الامين لقضايا الامة، والمدافع عنها بكل وضوح، امام العالم وقادته في هذا المحفل الدولي، واضعا النقاط على الحروف في كل القضايا التي لامست الجرح، ان كان ذلك على صعيد القضية الفلسطينية، ومرارة الاحتلال، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وما تعانيه غزة الصامدة.. مرورا بالمقاومة في غزة التي حياها سموه، وهو ما يحدث لأول مرة ان يقوم قائد عربي بمثل هذه الخطوة، اضافة الى ما يعانيه الشعب السوري من قمع وقتل واستبداد في عامه الرابع، وما يمارسه النظام السوري من ارهاب حقيقي.. واحداث العراق وليبيا وتونس واليمن.. وما يشكله الارهاب من خطر على العالم، استوجب تحالفات جديدة بالمنطقة، ولكن كيف يمكن معالجة ذلك، وهل الارهاب فقط من تنظيمات، ام انه نتاج القمع والاستبداد الذي تمارسه انظمة بالمنطقة تجاه شعوبها…

في سلسلة مقالات سوف اتوقف عند عدد من القضايا التي طرحها سمو الأمير خلال هذه المشاركة، والمواقف التي رسخها سموه، والسياسة التي تنتهجها قطر حيال مختلف القضايا الاقليمية والدولية، والتي كانت محل اهتمام الرأي العام العالمي..

 

ولنا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x