مقالات

الأمير في الأمم المتحدة 5-5 قطر.. مسيرة ناجحة في الوساطات ومنبر دولي للحوار

قادت مبادرات.. واخترقت ملفات.. وحلت أزمات..

بدأت سلسلة مقالاتي التي حملت عنوان “الأمير في الأمم المتحدة” بمقال عن تنظيم قطر لكأس العالم في 2022، ومشروعية هذا الحق، وأحقية قطر كبلد عربي مسلم أن يستضيف هذا الحدث، وهو ما أكد عليه سمو الأمير المفدى في حواره مع شبكة “سي ان ان”، الذي أشار خلاله إلى أن هناك البعض لا يريد أن يتقبل أن بلدا صغيرا مسلما عربيا يمكنه تنظيم حدث بهذا الحجم، مؤكدا سموه الثقة بقدرة قطر على استضافة الحدث بشكل ممتاز…

واليوم أختم هذه السلسلة بحديث سمو الأمير المفدى في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتأكيد على مواصلة السياسة القطرية بشأن الحوار والمضي قدما بسياسة حل النزاعات، وفي هذا الصدد يقول سمو الأمير المفدى “سوف تواصل قطر سياستها بتوفير فضاء للحوار في مناطق الصراع وفي التوسط بين الاطراف المختلفة، لاننا نؤمن بحل النزاعات بالطرق السلمية، ولاننا أرسينا تقاليد في الوساطة السلمية، وسوف نواصل توفير منبر لحوار التيارات السياسية والثقافات والديانات”.

وفي موضع آخر يقول سموه خلال حواره مع شبكة “سي ان ان” الاميركية “نحن نؤمن بالسلام، ونحن وسطاء ونجحنا في مواقع مختلفة”.

خلال السنوات الماضية وبفضل حكمة وحنكة سمو الأمير الوالد، استطاعت قطر أن تلعب أدوارا مؤثرة على صعيد السلام والأمن بمنطقة هي الأكثر اضطرابا في العالم، وهي منطقة الشرق الاوسط، وان تقود مبادرات نوعية على صعيد الوساطات، وأن تحقق نجاحات ربما في بعض الملفات لم تكن متوقعة، إلا أنها استطاعت ان تخترق ملفات ظلت تراوح مكانها لفترات طويلة، وربما اتفاق الدوحة في الشأن اللبناني في 2008 خير شاهد، عندما وصلت الأمور بين الفرقاء اللبنانيين إلى مرحلة “التأزم”، ودخلت على إثرها لبنان نفقا مظلما، ولم تستطع كل الوساطات أن تخترق هذا الانسداد، إلى أن جاءت حكمة سمو الأمير الوالد ليحقق فتحا في الأزمة اللبنانية، ويتم على إثرها انتخاب الرئيس ومن ثم انتخابات برلمانية، ثم تشكيل الحكومة.

واستمرت قطر في قيادة مبادرات على صعيد الوساطات الناجحة، إن كان ذلك في ملف المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، أو في ملف دارفور، الذي هو الآخر كان ملفا شائكا، إلا أن الجهد القطري حقق نجاحا من خلال جمع الفصائل المؤثرة في أزمة “دارفور” مع الحكومة السودانية، وأسفر هذا الجهد توقيع وثيقة الدوحة، التي تمثل اليوم ركيزة للسلام في دارفور.

اضافة الى ذلك حملت المساعي القطرية رسائل سلام في آسيا وافريقيا والعالم العربي، ونزعت في كثير من الاحيان فتيل حروب كادت أن تقضي على الأخضر واليابس.

واستمر هذا النهج يمضي قدما في عهد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد توليه الحكم، حيث سجل سموه نجاحات بارعة في مواقع حساسة، خاصة على الصعيد الانساني، والوساطة الانسانية التي قامت بها قطر طوال الأشهر الماضية كانت مؤثرة، ورسخت الدور القطري، الذي استثمرته القيادة في قطر من أجل إنسانية الإنسان، بعيدا عن ظروف اخرى.

ظهر ذلك جليا في أكثر من ملف، خاصة في ملف إطلاق الرهائن والمحتجزين والمختطفين في أكثر من مكان، كان من بين ذلك نجاح الوساطة الإنسانية القطرية لاطلاق راهبات معلولة في سوريا، والطيارين الأتراك اللذين اختطفا في لبنان، واطلاق مختطفين إيرانيين عند فصائل سورية، ومختطفي إعزاز، ومؤخرا جنود الأمم المتحدة للسلام الفيجيين، الذين تمكنت قطر من التوسط لاطلاق سراحهم.

وفي العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة ظهر بوضوح الثقل الذي تمثله قطر، فموقفها الداعم للمقاومة لم يمنع من أن تكون قبلة يقصدها الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، اضافة إلى مسؤولين ورموز سياسية دولية، للطلب منها لوضع ثقلها لايجاد حل ووقف العدوان الاسرائيلي.

ثم لتدعى الى اجتماع باريس لوقف الحرب على غزة، الذي حضرته أطراف أوروبية وأميركا وتركيا وقطر، ولتكون بذلك الدولة العربية الوحيدة التي حضرت هذا الاجتماع المهم.

كما استطاعت قطر أن تكون وسيطا بين الولايات المتحدة الأميركية وطالبان، حيث تمكنت من التوفيق بين الجانبين لاطلاق أسير أميركي عند طالبان، في مقابل إطلاق خمسة من معتقلي طالبان في معسكر جوانتانامو.

ربما ما تميزت به الوساطات القطرية أنها كانت تدير الملفات بهدوء تام، وصبر جلد، ونفس طويل، والتمكن من السيطرة على عدم تسرب أي من الأخبار قبل الوصول إلى بر الأمان، فعلى سبيل المثال، تبادل الاسرى والمعتقلين بين أميركا وطالبان شكّل عنصر مفاجأة كبيرا للمراقبين بان تتمكن قطر من التوسط بين الجانبين، وإيصال الوساطة إلى بر الأمان دون أن تتسرب كلمة واحدة طوال المفاوضات التي استمرت سنوات باعتقادي.

كما تميزت المبادرات القطرية بقدرتها على تفكيك الازمات بذكاء، والتعامل مع كل جزء منها على حدة، من أجل ايجاد الحلول المناسبة لها، فباتت قطر اليوم قبلة لكل من لديه ملفات شائكة تريد حلا، فعرفت بوساطات ناجحة.

والأمر الآخر أن قطر لم تكن تهدف لمصالح شخصية في مساعيها الانسانية، بقدر ما كانت تعمل لاحلال السلام والامن بين جميع الاطراف، وهو ما جعلها محل ثقة الجميع.

ما جعل قطر تحقق نجاحات منقطعة النظير في مجال الوساطات وحل النزاعات بالطرق السلمية، كونها وسيطا نزيها، يعمل مع الجميع على مسافة واحدة، ليس لديه أجندات خاصة، ولا ينتظر تحقيق مآرب شخصية، أو يسعى لتمكين نفسه في المكان الذي يتوسط فيه، بل تجد قطر تنسحب بهدوء بعد ان تنجز مهمتها.

هذا الامر جعلها محل ثقة الدول والمنظمات وفصائل مختلفة، واصبحت طلبات الوساطات تنهمر على قطر، وباتت وفود دول عدة تتزاحم عند باب قطر، طلبا لجهد قطري لحل صراعات مختلفة، والسعي لنزع فتيل أزمات في مناطق شتى.

بالتوازي مع هذا المسار الذي حققت فيه قطر نجاحات متعددة، كان هناك مسار آخر ايضا تميزت به قطر، وسجلت حضورا بارزا فيه، ألا وهو الحوار والنقاش، والتحول الى منبر دولي يلتقي من خلاله الجميع ليتحاوروا حول مختلف القضايا، فلا تكاد تخلو الدوحة في الاسبوع من مؤتمر هنا، أو اجتماع هناك، أو ندوة مميزة تسلط الضوء على قضية حيوية..، ففي العام الحالي بلغ عدد الفعاليات التي استضافتها الدوحة 182 فعالية، عدا المؤتمرات الطارئة التي يتم استضافتها، فباتت الدوحة تمتلك رصيدا كبيرا في تنظيم المؤتمرات والفعاليات المختلفة، ولو قبلها بـ 24 ساعة.

وقبلها كانت قطر قد حركت المياه الراكدة في الاعلام العربي باطلاقها لقناة الجزيرة الفضائية، التي تمثل نقلة نوعية، وأتاحت للانسان العربي متنفسا حقيقيا للتعبير عن رأيه بكل حرية، وفتحت أمامه المجال ليقول ما يؤمن به، لا ما تؤمن به الأنظمة.

وبالرغم مما شكلته هذه الخطوة من ضغوط كبيرة على قطر، من قبل دول عربية عديدة، وصل إلى سحب السفراء ولا يزال وقطع العلاقات الدبلوماسية، إلا أن قطر وقيادتها تحملت كل تلك الضغوط، لايمانها بحق المواطن العربي في الحصول على المعلومة، ونقل ما يدور في الفضاء العربي بكل شفافية، واتاحة الفرصة امامه ليعبر عن رأيه.

خطوات قطر كانت جادة نحو إصلاح الوضع العربي المتردي، لذلك رأينا مساعيها “لاطفاء” الحرائق التي تشتعل في أركان البيت العربي، وإخماد أي فتنة تطفو إلى السطح، ونجحت في أماكن عديدة، وقدمت نموذجا في الاصلاح وقيادة وساطات، وتبني مبادرات…

الحرص الشديد من القيادة القطرية على معالجة الاوضاع العربية كان واضحا، وخطابات سمو الأمير الوالد- حفظه الله- ثم سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير البلاد المفدى كان فيها من الطرق المباشرة والمصارحة حيال كل الملفات الشيء الكثير.

لم تكن قطر تتحدث فقط، بل كانت تقرن أقوالها بأفعال تترجم على الارض، ان كان ذلك على صعيد تقديم الدعم لقضايا الأمة، او تنفيذ التزاماتها، او في جهودها الانسانية..، اضافة الى انها كانت تتحدث بشفافية، وتعلن مواقفها بكل صراحة، حتى مع الاطراف الذين تختلف معهم في وجهات النظر، وهذا أمر يحسب للقيادة القطرية، انها تجعل المواطن العربي يعيش واقعه بكل تفاصيله.

هذه المواقف التي سجلتها قطر، حظيت من خلالها بمصداقية عالية لدى جميع الاطراف، واصبح الجميع يؤمن ان قطر تتعامل بموضوعية وشفافية ونوايا مخلصة من اجل احلال السلام، وتحمل صدقا في مساعيها، وتقف على مسافة واحدة بين الجميع، وليس لديها اي حسابات أو اجندات.

هذا النموذج الفريد الذي استطاعت ان تحققه قطر بفضل حكمة وحنكة قيادتها، والبراعة في ممارسة سياسة خارجية متوازنة، جعلها تحظى بهذه الثقة الكبيرة عالميا.

سمو الأمير المفدى حفظه الله يكمل اليوم ما بدأه سمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه، فتلك الركائز التي غرسها سمو الأمير الوالد، يبني عليها سمو الأمير المفدى، مواصلا المسيرة والنهج.

حفظ الله قطر، وحفظ قيادتها الحكيمة، وأدام عليها الأمن والأمان والاستقرار.. وحفظها بكنفه، ورعاها برعايته في الليل والنهار.

 

حفلت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخطابا سموه امام الجمعية العامة ومجلس الامن، والمقابلة الخاصة التي اجرتها «سي ان ان» مع سموه، اضافة الى اللقاءات الجانبية مع قادة ورؤساء الوفود، بحضور لافت لسموه، الذي كان بحق الصوت الهادر بالحق، والناقل الامين لقضايا الامة، والمدافع عنها بكل وضوح، امام العالم وقادته في هذا المحفل الدولي، واضعا النقاط على الحروف في كل القضايا التي لامست الجرح، ان كان ذلك على صعيد القضية الفلسطينية، ومرارة الاحتلال، والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وما تعانيه غزة الصامدة.. مرورا بالمقاومة في غزة التي حياها سموه، وهو ما يحدث لأول مرة ان يقوم قائد عربي بمثل هذه الخطوة، اضافة الى ما يعانيه الشعب السوري من قمع وقتل واستبداد في عامه الرابع، وما يمارسه النظام السوري من ارهاب حقيقي.. واحداث العراق وليبيا وتونس واليمن.. وما يشكله الارهاب من خطر على العالم، استوجب تحالفات جديدة بالمنطقة، ولكن كيف يمكن معالجة ذلك، وهل الارهاب فقط من تنظيمات، ام انه نتاج القمع والاستبداد الذي تمارسه انظمة بالمنطقة تجاه شعوبها…

في سلسلة مقالات سوف اتوقف عند عدد من القضايا التي طرحها سمو الأمير خلال هذه المشاركة، والمواقف التي رسخها سموه، والسياسة التي تنتهجها قطر حيال مختلف القضايا الاقليمية والدولية، والتي كانت محل اهتمام الرأي العام العالمي..

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x