مقالات

التعليم بحاجة إلى مبادرات إيجابية بعيدا عن النظرة «السوداوية»

تجدد الشكاوى مع بداية كل عام دراسي يوحي بأنه «لا آذان صاغية»

مع بداية كل عام دراسي تتجدد الاشكاليات نفسها التي يتحدث عنها اولياء الامور، وهو ما يوحي بانه “لا آذان صاغية” لتلك الشكاوى التي تتعالى في الميدان او وسائل الاعلام.

المشاكل التي يتحدث عنها افراد المجتمع، متعددة الاطراف، ان كانت مع المجلس الاعلى للتعليم وهيئاته واداراته المختلفة، او مع قطاع المدارس بشقيه العام “المستقلة” او الخاص، وللاسف فإن كل طرف يرمي تلك المشاكل على طرف آخر، والغالبية تبحث عن “شماعة” لتعليق تلك المشاكل، وهذا احد الاسباب الكامنة خلف عدم ايجاد حلول جذرية لمشاكل التعليم، انه لا احد يعترف بوجود المشكلة اصلا، واذا ما اعترف بوجود المشكلة فانه يبحث عن تبرير لها، حتى يبرئ نفسه، ويلقي المشكلة وتبعاتها على اطراف اخرى.

هذه الدوامة التي نعيشها في التعليم بحاجة الى مبادرات ايجابية، بمعنى الاجتماع على قاعدة متفق عليها، ثم البناء عليها، لايجاد حلول لمشاكل التعليم، مع ضرورة اشراك اولياء الامور، الذين يشتكون من تغييب ادوارهم.

اما اذا كانت نظرتنا “سوداوية” فاننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، وستظل “قبعة” الاتهامات تنتقل من طرف لآخر، دون الوصول الى حقيقة الوضع الراهن، لواحد من اهم القطاعات، بل القطاع الذي يقود محركات المجتمع والدولة، والذي عليه تقاس مؤشرات التنمية والتقدم في أي مجتمع، عالميا، وهو التعليم.

اشعر في كثير من الاحيان ان المجلس الاعلى للتعليم بعيد عما يدور في الميدان، وان كل ما يتحدث عنه هو نظريات جميلة، وافكار خلاقة، ومبادرات نوعية،..، لكنها بحاجة الى انزال على ارض الواقع، وترجمتها في خطط فعلية تتبناها الاجهزة التابعة مباشرة للمجلس، او التي تكون تحت مظلة المجلس، ويشرف عليها، كما هو الحال بالمدارس الخاصة، التي يشتكي منها المواطنون والمقيمون لتدني العديد منها في جوانبها الادارية والتعليمية، دون ان تجد من يستمع الى شكاوى اولياء الامور، سواء في المجلس او ادارات هذه المدارس، التي “تتفرعن” دون ان تجد من يوقفها، او تطبق عليها القوانين واللوائح “الجميلة” الموجود في ادراج المجلس.

ابسط الامور ان رسوم المدارس الخاصة في تزايد سنويا بنسبة لا تقل عن 10 %، ووصلت هذا العام في احدى المدارس الى نحو 40 %، وهذا يتم بالتأكيد بموافقات مسبقة من قبل المجلس الاعلى للتعليم، وفي مقابل هذه الزيادات ماذا قدمت هذه المدارس من خدمات او برامج جديدة للطلبة.. فعليا لا شيء، بل على العكس فان الجانب الاداري والتنظيمي في كثير من هذه المدارس ولا اريد هنا ان اسمي مدرسة بعينها حتى لا يقال انه استهداف لتلك المدارس، متدن جدا، وغائب في كثير من الجوانب، ولا يجد اولياء الامور جهة ادارية فاعلة، ولديها قرار التغيير للجوء اليها، او سماع شكواهم، وان وجد من الادارة من يستمع لبعض اولياء الامور، فانها مجرد “فضفضة” دون ان يعقبها تغيير او تطوير للنظم الادارية.

كنت اتمنى من المسؤولين في المجلس الاعلى للتعليم اخذ مبادرة التفتيش الفجائي على المدارس خلال الايام الماضية امس وامس الاول تحديدا للوقوف على اوجه القصور، ومشاكل التسجيل واستلام الكتب والملابس..، والاسلوب البدائي في التنظيم والادارة، وكيف يضطر اولياء الامور للانتظار بالساعات من اجل تسلم كتب او ملابس ابنائهم في المدرسة..

كثير من هذه المدارس الخاصة تحولت الى مراكز ربحية على حساب التعليم، على الرغم من كل الاموال والرسوم الاضافية التي تسحبها من “جيوب” اولياء الامور، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يعرفون لمن يلجأون ، بل ان العديد منهم لجأ للمجلس الاعلى للتعليم حاملا شكواه من مدارس خاصة، فكان ان رد على عقبيه، دون النظر فيها، وفي احسن الاحوال استلام الشكوى والسكوت عليها، وهو ما دفع القائمين على بعض المدارس الخاصة الى التجرأ باتخاذ خطوات “مادية”، بمعنى تقليص النفقات على حساب جودة التعليم، سواء في نوعية المدرسين او اختيار الاداريين او المبنى المدرسي او البيئة التعليمية اجمالا..، وللاسف لم نجد مساءلة حقيقية لهذه المدارس.

زيادة تحصيل الرسوم الدراسية لم يواكبها تطور نوعي في اداء هذه المدارس، فلو انعكست زيادة الرسوم على الطلاب فلا اعتقد ان اولياء الامور سوف يعترضون كثيرا، ولكن أن تحدث زيادة سنوية، وابتكار اساليب مختلفة لتحصيل هذه الرسوم تحت مبررات متعددة، يدفع اولياء الامور للضجر من هذه التصرفات، حتى الرسوم الدراسية التي تدفعها الدولة مشكورة لكل طالب قطري وهي 28 الف ريال، لم تعد تفي بتسديد الرسوم في الغالبية العظمى من المدارس الخاصة، وبات على ولي الامر ان يضع مبالغ اخرى اضافية لدفع الرسوم في المراحل الدراسية المختلفة، بل ان العديد من هذه المدارس تضع عراقيل، وتفرض شروطا تكاد تكون تعجيزية لاستقبال الطلبة او استكمال العام الدراسي التالي، سواء فيما يتعلق بتحصيل مبالغ حجز مقعد، او تحصيل الرسوم عن الفصل الدراسي من ولي الامر، دون انتظار لصدور الدفعات من المجلس الاعلى للتعليم، وهو ما يشكل عبئا ماليا على ولي الامر، خاصة اولئك الذين لديهم اكثر من ابن في المراحل الدراسية.

بالرغم من كل الخطوات الايجابية التي قطعها التعليم خلال المرحلة الماضية التي شهدت ايضا سلبيات في مناح مختلفة، وشوائب علقت بقرارات وتنظيمات ولوائح صدرت..، الا اننا بحاجة الى “نفضة” في مفاصل التعليم في كل قطاعاته، بحيث تواكب المرحلة التي تتطلع لها الدولة، ويتمناها المجتمع، وتتوافق المخرجات مع ما يصرف على هذا القطاع من مخصصات مالية ربما هي الاعلى بين دول العالم، خاصة اذا ما اضفنا الى ذلك المبادرة التي تبناها سمو الامير الوالد حفظه الله ورعاه بانشاء صندوق لدعم التعليم والصحة براس مال 360 مليار ريال.

هذا الاستثمار في التعليم يدفعنا لايجاد منظومة تعليمية على اعلى المستويات، جودة وكفاءة ومخرجات ايضا، فلا يعقل ان تصرف الدولة كل هذه المبالغ، وتخصص كل هذه الموازنات، ثم نتحدث عن ضعف في المخرجات التعليمية، او بيئات تعليمية غير جيدة، او تنظيمات ادارية ليست على المستوى المطلوب..

لا يمنع ان تعقد مؤتمرات من اجل النهوض بالتعليم، والاستفادة من التجارب الناجحة لبعض الدول، دون التخلي عن خصوصية مجتمعنا وقيمنا ومبادئنا واخلاقياتنا..، ولا ينبغي نقل تجارب الآخرين بخيرها وشرها، دون تمحيص لما يناسبنا وما قد يتنافى وعاداتنا وتقاليدنا وديننا..

وفي الوقت نفسه من المهم ان تكون هناك شراكة فعلية بين التعليم كمؤسسة وبين الاسرة، وان يكون هناك تكامل في الادوار، وايضا تواصل بين من هم في الميدان وصناع القرار التعليمي، حتى لا يكون هناك فجوة او جدار فاصل، كل يعمل دون ان يكون هناك رابط حقيقي في الادوار.

الحديث في التعليم ذو شجون.. تمنياتنا للقائمين على العملية التعليمية بالتوفيق والسداد، ولابنائنا بالجد والاجتهاد والنجاح بتفوق..

 

ولنــا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x