«الجزيرة» تغيّر اللعبة الإعلامية
باستحواذها على قناة «كرنت تي في» ودخولها لأكثر من 40 مليون منزل في أمريكا
اختراق شبكة الجزيرة الاعلامية للوسط الامريكي عبر استحواذها على قناة “كرنت تي في” الامريكية واسعة الانتشار قبل ايام، يعد مكسبا جديدا تحققه “الجزيرة” في مسيرتها الممتدة منذ نوفمبر 1996، بل هو مرحلة جديدة تدخلها هذه القناة التي حركت الاعلام العربي، وقدمت وجها جديدا للعالم العربي، واحدثت نقلة نوعية في التعاطي مع الاحداث.
الى ما قبل ظهور قناة “الجزيرة” كان المشاهد العربي يستمد اخباره من الاعلام الغربي والامريكي في كل ما يخص عالمه العربي.
بل واخبار “بيته” الداخلي، ولكن الصورة تغيرت تماما بعد هذا التاريخ بظهور قناة “الجزيرة” التي استطاعت ان تكسر الاحتكار القائم بتسيّد الاعلام الغربي والامريكي للساحة، فكان ان دخلت ساحة منافسة كبريات مؤسسات الاعلام العالمية، وتفوقت على الكثير منها، وباتت قبلة للمشاهد العربي، الذي وجد ضالته في “الجزيرة”، التي انحازت الى قضاياه، وفتحت امامه الرأي والرأي الآخر، بكل حرية وموضوعية ومصداقية، رافضة تسلط الانظمة على فكر وحرية تدفق المعلومات، ووصولها الى المشاهد، على الرغم من كل المضايقات التي تعرضت لها، والاستهداف الذي تعرضت له القناة والعاملون فيها ومراسلوها في كل مكان، الا ان كل ذلك لم يمنع من مواصلة خطها التحريري المبني على حق المشاهد بمعرفة ما يدور حوله وفي عالمه العربي بكل حرية، ونقل الاحداث بكل موضوعية.
واصلت “الجزيرة” نجاحاتها طوال سنواتها الماضية، ولم تكن هذه النجاحات “هدية” دون مقابل، بل قدمت في سبيلها التضحيات، بما فيها ارواح ودماء العاملين فيها ومراسليها، لتؤكد ان الرسالة الاعلامية اذا ما اراد لها اصحابها المصداقية والرسوخ والبقاء..، فلابد من ان تروى بالدماء.
اليوم “الجزيرة” تدخل مرحلة جديدة بشرائها لقناة “كرنت تي في”، حيث ستتمكن من دخول اكثر من 40 مليون منزل في امريكا، وسيتابعها اكثر من 120 مليون مشاهد داخل امريكا، وهو امر لم تستطع أي قناة غير امريكية تحقيقه، هذا النجاح الجديد يحسب لـ “الجزيرة” التي لم يمض على مشوارها 16 عاما، الا انها ولدت عملاقة، لتقتحم مجتمعات لم يسبق لأي وسيلة اعلام عربية ان وصلت اليها.
الى يومنا هذا جميع وسائل الاعلام العربية تبشر بالثقافة والفكر الامريكي والغربي، وتنقل الثقافة الغربية والامريكية، وتبث ساعات طوالا موجهة للمشاهد العربي عن تلك المجتمعات والثقافات، دون ان يكون في المقابل رسالة عربية، تحملها وسائل الاعلام العربية الى تلك المجتمعات الامريكية والغربية، بالمفاهيم والثقافة العربية، للاسف ان اعلامنا العربي ليس له هوية، ولا يمتلك اهدافا، ولا يحمل رسالة واضحة، لتقديمها الى الطرف الآخر.
قناة “الجزيرة” قلبت هذه الموازين، وغيرت قواعد اللعبة الاعلامية ان صح التعبير منذ ان انطلقت، فبدل ان تظل مجرد ناقل لما يأتي من الغرب، ومجرد تابع للامبراطوريات الاعلامية سواء في امريكا او الغرب، اصبحت هي مصدر الخبر والمعلومة، ليس فقط للمشاهد العربي او صانع القرار في العالم العربي، بل تجاوزت ذلك الى المشاهد الغربي والامريكي، ولصانع القرار في دول العالم.
“الجزيرة” اليوم بعد ان اقتحمت المجتمع الامريكي بكل قوة، ستتيح للمشاهد ان يرى الاحداث بمنظار منصف، خاصة للقضايا العربية، التي طالما كان التشويه مصاحبا لنقلها، نظرا لميول الآلة الاعلامية الامريكية الى الطرف المعادي للعرب وقضاياهم، او امتلاك الامبراطوريات الاعلامية من قِبل شخصيات ورموز يهودية معادية لقضايا الامة العربية، وهو ما ادى الى نقل صورة غير حقيقية عن القضايا العربية العادلة، مع تشويه صورة العربي في كل مناسبة، وتقديمه بصورة نمطية مسيئة في الغالب الاعم…
هذا الوضع ادى الى تكوين صورة مسبقة لدى الرأي العام الامريكي عن العرب وقضاياهم المختلفة، والصاق التهم غير الحقيقية بهم، خاصة فيما يتعلق بالارهاب، وبالتالي ظل المواطن الامريكي منحازا للاطراف الاخرى غير العربية، نظرا لغياب الحقيقة والانصاف فيما ينقله الاعلام الامريكي في معظمه.
وجود “الجزيرة” في امريكا سيغير من هذه القناعات لدى المشاهد الامريكي على المديين القريب والبعيد، نظرا لما تتمتع به من مصداقية ومهنية، ووضوح في الرؤية والاهداف، وانحيازها للقضايا العادلة للانسان في أي مكان، وهي سياسة ومنهج تسير عليهما الشبكة، وهو ما يحسب لها، ويضعها في صدارة الاعلام، الذي لا يحمل اجندات خاصة، ولا يحمل تزييفا للواقع، او نقلا غير صادق للاحداث، اضافة الى سعيها الى تقديم اعلام معمق للمشاهد الامريكي.
كل الاعلام العربي ولا اريد تسميته يدور في فلك امبراطوريات الاعلام العالمي، باستثناء “الجزيرة”، التي رسمت لنفسها سياسة لا لبس فيها ولا غموض، وخطت لنفسها طريقا واضحا، فكان ان كسبت الرهان، وكانت محل ثقة المشاهد العربي، وحلقت عاليا لتصل الى المشاهد في الغرب وامريكا، الذي تعود طوال عقود ان يسمع رايا واحدا في الغالب حيال القضايا العربية، وقضايا العالم الثالث بصورة عامة.
للاسف الشديد ان الاعلام العربي ينفق اموالا طائلة بالمليارات في ساعات بث لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا في احسن الاحوال، وفي كثير من الاحيان، تدس السم في العسل، وتسعى الى ضرب القيم والمبادئ والاخلاق..، وتحمل مشاريع واجندات اطراف معادية لتمريرها للمشاهد العربي، للتشويش عليه، ان لم تتمكن من عمل غسل دماغ له.
“الجزيرة” بخطوتها المتمثلة بالاستحواذ على قناة “كرنت تي في” تكون قد بدأت مرحلة جديدة من التحدي، وانتقلت الى مستوى عال من الطموحات، تاركة خلفها “مخلفات” الاعلام في عالمنا العربي.
من الظلم اليوم مقارنة “الجزيرة” بأي قناة في عالمنا العربي.. بين من يحمل رؤية واضحة، واستراتيجية مدروسة، ورسالة مفصلة، واهدافا نبيلة.. وبين فاقد لكل هذه المعالم..
“الجزيرة” اليوم بحق هي مشروع الامة لنقل صورة صحيحة عن عالمنا العربي وقضايانا المختلفة الى الرأي العام الغربي والامريكي بكل موضوعية ومهنية ومصداقية.
.. ولنــا كلمة