سئلت مرة ما الذي ستكتبه في اليوم الوطني؟
حقيقة السؤال صعب، ليس لي وحدي، انما لكل مواطن يعيش هذه اللحظات، فمناسبات كثيرة قد لا تستطيع ترجمة فرحتها وسعادتها بكلمات او أسطر، فمهما ملكت ناصية الكلمة، ستظل تخونك الكلمات، ويخونك التعبير في التعبير عن هذه المناسبات، وربما اهمها اليوم الوطني.
لكن ما يجب أن يفهم، وأن يغرس في الاذهان، ويرسخ في الأفكار، أن الأوطان بحاجة الى أفعال قبل الأقوال، وهذه هي الوحيدة الكفيلة بالتعبير عن حبك لوطنك.
ونحن اليوم أمام هذا الوطن العظيم، في مناسبة وطنية، قد لا نجد الكلمات وهي كذلك التي توفيه حقه، ولا نجد سطورا نسطرها في التعبير عن مدى حبنا وولائنا لهذا الوطن وقيادته، لأن ترجمة المشاعر لا تقاس بكلمات أو بألحان أو بمسيرات مهما قلنا ومهما عبرنا ومهما سطرنا..
أؤمن أن حب الوطن فعل يجب أن يترسخ فينا، وينطلق منا، فعل يجب أن يكون متلازما لقولنا، بل يسبق قولنا، فالرجال أفعال، وهكذا علمتنا قيادتنا.
نعم، من يتأمل سيرة ومسيرة قيادة هذا الوطن منذ الأزل إلى يومنا هذا سيجد الفعل سابقا للقول، فعل لا يراد منه رياء أو منة، انما نجدة نابعة من قيم ومبادئ تمثل مرتكزات هذا العمل، والتاريخ خير شاهد على هذه المبادرات والافعال، وربما نجدة أهلنا في غزة قبل أيام لانقاذهم مما يعانون منه من ظلام دامس، وبرد قارس، مثال حي على هذه الافعال المتأصلة في سلوك قيادة هذا الوطن.
نحن لا نتحدث عن مجرد احتفال بيوم وطني، يحتفل فيه الكبار والصغار، وينشدون الاهازيج، ويرددون الاغاني، وتتحرك المسيرات، ثم ينتهي كل شيء في اليوم التالي.
ليس هكذا يوم قطر الوطني، نعم قد يكون الأمر كذلك بالنسبة لدول اخرى، لكن في قطر الوضع مختلف تماما، كل خطوة، وكل حفل، وكل كلمة.. في هذا الاحتفال، يراد منها ترسيخ مبدأ، وتكريس فكرة، وتثبيت قيمة، وتأصيل سلوك…
ليست العبرة بحجم الاحتفال، بقدر ماذا يتضمن هذا الاحتفال، وما هي الرسائل التي ينقلها الاجيال، وما هي القيم التي يرسخها في ابناء الوطن في الحاضر والمستقبل.
لسنا في محل المزايدة على حب الوطن، إلا ان الحب الحقيقي للأوطان يتجسد في بنائها وتعميرها والتضحية من اجلها، بالعمل الجاد والمخلص، بالفعل المترجم على الارض، بعيدا عن التغني بشعارات الحب.
الوطنية عمل يتجسد في مدى التزامنا بالانظمة والقوانين والتشريعات المنظمة لحياتنا في مجتمعنا، وعدم تجاوزها أو الاساءة لها، أو مخالفتها، في كل شأن من حياتنا.
فليس من الوطنية على سبيل المثال ضرب عرض الحائط بقانون المرور أو مخالفة السير وعدم الالتزام بالسلوك الحميد في الشارع..
الوطنية أن تكون أمينا على ما أؤتمنت عليه، وبالمناسبة ليست الامانة محصورة في المال، إنما في كل شيء، فالوظيفة امانة يجب اداؤها على اكمل وجه.
الحفاظ على مكتسبات الوطن هي الوطنية التي يجب أن تترسخ في سلوكنا وحياتنا اليومية..
محاربة الفساد، وكشف المفسدين، والحفاظ على المال العام، هي الوطنية التي يجب أن تكون مغروسة في كل فرد منا.
الوطنية ان تكون خير سفير وممثل لهذا الوطن في الداخل والخارج..
الوطنية أن تؤدي العمل على أكمل وجه.. “ان الله يحب إذا عمل احدكم عملا ان يتقنه”.. هكذا علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهكذا ربانا هذا الوطن، وهكذا يجب ان نكون..
الوطنية ان تكون مبادرا للخير، معطاء دون انتظار لما يقدم لك، ودون انتظار للمنافع التي ترتجيها لأي عمل تقوم به..
الوطنية ان تعمل على تكون ايجابيا في تعاملك مع قضايا الوطن، ان تكون عنصر بناء في صرح هذا الوطن..
الوطنية ان تجتهد ايها الطالب.. ايتها الطالبة من اجل التفوق والحصول على الدرجات العلمية العليا، التي تمكنك فيما بعد من خدمة هذا الوطن في مختلف القطاعات..
الوطنية ان نربي ابناءنا على القيم التي ارساها المؤسس المغفور له ان شاء الله الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، وسار على نهجه الابناء والاحفاد.. الوطنية ان ننقل الى الاجيال صورا مشرفة عن قيمنا ومبادئنا واخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا بكل امانة وصدق..
الوطنية هي عدم الانسلاخ عن الهوية الحقيقية لهذا الوطن العزيز، ومبادئه العظيمة التي قام عليها..
الوطنية ان تقدم نموذجا يحتذى في سلوكك واخلاقك وحديثك.. ان كان ذلك في البيت او العمل او الاسرة او المجتمع.. ان كان ذلك في الداخل او الخارج.. ان كان ذلك في السر او العلن..
الوطنية ان تقدم نموذجا مميزا للانسان القطري المجتهد في عمله، والمميز باخلاقه، والمعروف بتواضعه، والمشهود له بكرمه وحبه للخير والعطاء..
الوطنية ان تتعامل مع الآخرين ايا كانوا بأخلاق رفيعة، وادب جم، وسلوك حضاري يضرب به المثل..
الوطنية ان تجعل عملك يتحدث عنك، وانجازك يقدمك للآخرين، ومبادراتك تجعل منك شامة في المجتمع وبين الأمم..
الوطنية ان تفعل الخير، وتدل عليه، وتمنع الشر، وتغلق ابوابه.
الوطنية أن يشار اليك بالبنان ليس لمنصبك او مالك.. انما لاخلاقك السامية، ومبادئك العظيمة، وتواضعك الجم..
أمور كثيرة تمثل الوطنية الحقيقية.. تمثل احتفالنا الحقيقي باليوم الوطني.. الذي نستذكر خلالها تلك المثل والقيم والمبادئ التي اسس عليها هذا الوطن، وترعرعت على مدى عقود من الزمن بفضل قيادات ورجال قدموا التضحيات، وقدموا الغالي والنفيس، ورفضوا التنازل عنها مهما كانت تلك التضحيات..
هذه المبادئ والقيم يجب علينا ان نتمسك بها، وان نغرسها في ابنائنا، وان ننقلها للاجيال بكل امانة وحب من اجل هذا الوطن..
غدا سنحتفل بتاريخ عزيز، تاريخ يمثل موعدا لشحذ الهمم من اجل مسيرة يتعزز فيها البذل والعطاء لخدمة هذا الوطن، والولاء والوفاء لقيادته، التي تعمل ليل نهار من اجل خدمة الوطن والمواطن، والارتقاء بالخدمات التي تقدم في كل المجالات، والوصول بهذا الوطن الى مصاف الدول المتقدمة عالميا، ان كان ذلك في التعليم او الصحة او الاقتصاد او الاجتماع او الثقافة او الرياضة….
غدا سنحتفل، ولكن يجب ان نتذكر تلك العطاءات الكبيرة والعظيمة التي قدمت في مسيرة هذا الوطن، حتى وصل الينا بهذه المكانة الرفيعة، التي تستوجب علينا المحافظة عليها، ثم الاضافة على هذا البناء العظيم، لنسلم الراية الى الاجيال القادمة والوطن قد خطا خطوات اكبر واعظم في ساحات المجد.
ان كنا نهنئ الوطن وقيادته الرشيدة في هذا الوطن، فان افضل تهنئة هي العمل ثم العمل ثم العمل من اجل هذا الوطن، حتى نكمل مسيرة رجالات هذا الوطن، الذين ما بخلوا على الوطن في شيء، وما احوجنا ان نستذكر تلك التضحيات، وتلك العطاءات، وتلك القيم والمبادئ.. لنكمل المسيرة بهذه الروح، وبهذه الاخلاق، وبهذه القيم والمبادئ…
حفظ الله قطر وقيادتها واهلها ومن يعيش فيها، وأدام عليها الأمن والامان والعز والاستقرار، وحفظها من كل مكروه، وجعلها مفتاحا للخير، مغلاقا للشر.