مقالات

انفجار خزان الغاز هزّ الوجدان الوطني والضمير الإنساني

اهتمام رسمي و«هبة» مجتمعية تظهر مدى تلاحم أبنائه

الانفجار الذي وقع بخزان الغاز الخاص بمطعم “اسطنبول” الخميس الماضي، على رغم ما خلفه من آلام شديدة، وما اوقع من ضحايا وصلوا لـ 11 حالة وفاة وعدد من المصابين، إلا انه قبل ان ينفجر في الحديد والاسمنت، فإنه هز الوجدان الوطني، والضمير الانساني في مجتمعنا، فكان ان تدافع الجميع للمساعدة في تخفيف الآلام التي خلفها هذا الحادث الاليم، ورأينا طوابير المواطنين والمقيمين امام مركز التبرع بالدم بمؤسسة حمد الطبية، بعدما اعلن عن الحاجة للتبرع بالدم لحاجة المصابين اليه.

وقبل ذلك رأينا كيف كان الاهتمام الرسمي وعلى اعلى المستويات متمثلا برئيس الوزراء وزير الداخلية معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني، والقيادات الامنية التي تواجدت منذ اللحظة الاولى لوقوع الانفجار، اضافة الى الجهود الكبيرة التي قامت بها الاجهزة الامنية المختلفة لاحتواء الحادث، وما قامت به الوزارة بالموازاة مع جهودها اللحظية في احتواء الحادث، والشفافية في تدفق المعلومات أولا بأول، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو امر يحسب لوزارة الداخلية، ثم عقد مؤتمر صحفي لسعادة اللواء سعد بن جاسم الخليفي المدير العام للامن العام بعد اقل من 3 ساعات من الحادث، لتقديم كل التفاصيل، وبالتالي عدم ترك مجال لأي اشاعة او اقاويل تريد ضرب المجتمع، او تجيير هذا الحادث الذي وقع قضاء وقدر، من اجل امور اخرى، او محاولة تضخيمه.

هذه الجهود بالتأكيد محل تقدير المجتمع، الذي يرى في وزارة الداخلية النموذج الذي يجب ان يحتذى من قبل وزارات ومؤسسات الدولة في الجاهزية والتفاعل مع الاحداث اولا بأول، والتواصل مع المجتمع دون اي حساسية، ودون سياسة منع تدفق المعلومات بكل شفافية.

هذه الهبة المجتمعية مواطنين ومقيمين تدل بكل وضوح على مدى التلاحم القائم في هذا المجتمع، بغض النظر عن الجنسيات، فمن توفى لم يكن يحمل جنسية بعينها، انما كان انسانا يحمل روحا، وهو ما حضنا ديننا على ان نوليه الاهتمام والرعاية، وهو المنهج الذي تسير عليه الدولة في رعايتها للانسان، ايا كان.

اتصلت بي زميلة صحفية لبنانية، تقول اطلعت على خبر ما حصل لديكم الخميس وما نشرتموه في الشرق في عدد الجمعة، وما افردتموه له من صفحات بلغت 11 صفحة، عبر لقاءات وتقارير ومتابعات ميدانية، ربما لا تحدث في اماكن اخرى، ولو ان مثل هذا الحادث وقع في لبنان، لرأينا انه نشر في الصفحات المتأخرة من الصحيفة، ربما يكون في الـصفحة 12، وربما لا تتجاوز عدد اسطره 11 سطرا، ليس لشيء الا لكونه حادث انفجار خزان غاز، وليس انفجارا متعمدا، او ذا طابع اجرامي او بصمات ارهابية.

قلت لها ربما هذا صحيح على لبنان الشقيق، الذي طالما عانى الكثير من الاحداث الدامية، وباتت مشاهد القتل ربما شبه مألوفة، بينما العكس في مجتمعنا الآمن والمستقر، الذي لم يألف ضحايا يقضون نحبهم حتى ولو في احداث ربما تكون طبيعية وقضاء وقدرا او حوادث سيارات..، وبالتالي عندما يحدث هذا في مجتمعنا يكون الاستنفار عاما، ليس مقصورا على الجهات الرسمية، التي تحرص على سلامة الارواح البشرية، وتضع في الصدارة الحفاظ عليها، وسلامتها في اي موقع كان، بل ان المجتمع بكل اطيافه يستنهض، مجددا روح التكاتف والتعاضد فيما بين افراده ايا كانت جنسياتهم، فمن يعيش على هذه الارض الطيبة، هو واحد منا لا نقبل ان يتعرض لأي اذى.

هذا الحادث الذي ذهب ضحيته افراد التقوا في هذا المكان من اجل سد جوعهم، او ممن يعمل في هذا المطعم، بالتأكيد هو اليوم يتصدر متابعات الجهات الامنية لمعرفة الاسباب الحقيقية التي نتج عنها الحادث، ولن يمر مرور الكرام.

ربما اثيرت اكثر من قضية بعد هذا الانفجار لخزان غاز في هذا المطعم، من بينها: الاكتظاظ الكبير للمحلات التجارية في محطات البترول.. مسؤولية من؟ وما مدى توفر الشروط واستيفائها في هذه المحلات؟ وهل وجود هذا الكم من المحلات هو بالفعل حاجة ماسة في محطات البترول؟ ومن المسؤول عن العملية التنظيمية لها؟..

ربما محطات البترول الجديدة فيها نوع من التنظيم، لكن ماذا عن المحطات الاخرى، التي هي الاكثرية اليوم، اين هذا التنظيم وكيف يمكن اعادة ترتيبها بصورة حضارية؟.

القضية ليست وجود مطعم في محطات البترول، او وجود محلات تجارية، لأن هذا الامر قائم في محطات البترول في الكثير من دول العالم، لكن القضية في العملية التنظيمية.

اليوم هناك محطات بترول لو لا قدر الله حدث بها اي حادث قد يتسبب بوقوع كوارث، ولا داعي هنا لذكر هذه المحطات التي تزدحم بها المحلات بصورة غير طبيعية، وتتركز بها انشطة تجارية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وتحولت هذه المحطات الى اسواق تجارية كاملة، تنافس المجمعات والاسواق التجارية..

قد تتوفر بها اجراءات الامن والسلامة، وقد تكون مستوفية للشروط، لكن تكدس هذه المحلات يخلق مشاكل قد تحدث في اي لحظة، واذا ما وقع حادث فان السيطرة عليه قد تكون صعبة، كون تداخل هذه المحلات وتشابكها، وصعوبة الوصول الى مكان الحادث، والازدحام غير الطبيعي القائم بها، وهو ما سيعوق وصول الاجهزة الامنية وسيارات الدفاع المدني او الاسعاف الى مكان الحادث.

لا نريد الانتظار لوقوع الحوادث ثم نتحدث عن ضرورة اعادة تخطيط او ترتيب هذه المحطات، التي بالتأكيد هناك حاجة لوجود عدد من المحلات القائمة على اسس صحيحة، واختيارات متوافقة، وليس محلات “خبط عشواء”، وانشطة متباعدة عن بعضها لا تمت لأي تصنيف فيما بينها.

من المهم على الجهات المختصة ان تحدد عدد المحلات ونوعيتها في كل محطة قائمة حاليا، لأنها تشكل خطرا ربما يقع في اي لحظة لا قدر الله، ولا نريد ان نحمّل جهة واحدة مسؤولية ذلك، فلابد من رؤية مشتركة للاطراف المعنية، يتم من خلالها التنسيق والتكامل واستعراض اوضاع كل محطات البترول، ومعالجة ما هو مخالف، ربما ليس قانونيا او في استيفاء الشروط القانونية، انما لكثرتها وتزاحمها وتكدس بعض المحطات بها، وهو ما يجب ان يمثل مخالفة بحاجة الى تصحيح.

◄ كلمة اخيرة..

الحادث المؤلم كشف عن مسؤولية وطنية عالية تحلى بها معظم مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، الذين تفاعلوا بايجابية مع الحادث، وكانوا ينقلون اخبارا صادقة، ويرجعونها الى مصادرها، دون نقل معلومات غير دقيقة او مجرد اشاعات مغرضة.. فتحية لهؤلاء الاعلاميين الذين يعرفون معنى امانة الكلمة، وانها مسؤولية، وان كلمة حرف يكتبونه هم مساءلون عنه امام الله قبل المجتمع.. شكرا لكم..

 

.. ولنــا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x