مقالات

{تزوير} الشهادات العلمية يغزو مدارسنا

قبل أن تتحول إلى ظاهرة ويصعب اجتثاثها

هل صحيح أن كل من {هب ودب} أصبح مدرسا أو مدرِّسة، بعيدا عن أي معايير حقيقية تضبط من يقوم بالتدريس في مدارسنا المستقلة والمدارس الخاصة أيضا؟

سؤال قد يتحفظ البعض عن الإجابة عليه، خاصة العاملين في قطاع التعليم، أو القائمين على المدارس ” بنين وبنات “، بدعوى أن هذا اتهام يسيء إلى العملية التعليمية، ويقلل من جهد العاملين في الميدان من المدرسين والمدرسات.

لا خلاف على الجهود العظيمة التي يقوم بها المدرس أو المدرّسة، والعاملون بسلك التعليم، لكن هذه الجهود، وهذا الميدان العظيم الذي يحمل رسالة الأنبياء، دخلته أطراف لا علاقة لها بالتدريس، قد تمتلك هذه العناصر علما غزيرا لكن لا يعني ذلك أن يكون مدرسا أو مدرسة جيدة، تماما كاللاعب الممتاز، ليس بالضرورة أن يكون مدربا ممتازا، فما بالكم إذا كان بعض الملتحقين بقطاع التدريس لا يملكون شهادات علمية أصلا، وأن كل ما لديهم من {شهادات} ما هي إلا أوراق مزورة من البلد الأم؟ !

في كثير من الأحيان نتحدث باستحياء عن بعض المشاكل غير المعقولة التي تحدث في قطاعاتنا المختلفة، ونتحسس من طرقها مباشرة، وأعتقد أن قضية تعيين مدرسين ومدرسات في عدد من المدارس بمجرد تقديم ما لديهم من شهادات، دون التأكد من صحتها، وأنها صادرة من جهات علمية معتمدة، هي واحدة من هذه القضايا التي نتحدث عنها باستحياء .

للأسف الشديد في كثير من مدارسنا المستقلة تم تعيين مدرسين ومدرسات اكتشف فيما بعد أنهم يحملون شهادات ” مزورة “، ولكن بعد ماذا تم اكتشاف هذا الأمر ؟ .

الإشكالية أن اكتشاف هذا التزوير يتم بعد مرور عامين أو ثلاثة أو أكثر ـ هذا إن تم أصلا ـ من قيام هذا المدرس أو تلك المدرسة بالتدريس، بمعنى بعد {خراب البصرة} كما يقولون، ثم ماذا يكون العقاب .. لا شيء! .

كيف يحدث هذا التزوير؟ وكيف يتم تعيين من لا يمتلكون شهادات أصلا في قطاع التدريس ؟ ومن المسؤول عن هذه القضية ؟ ولماذا لا يتم الإعلان عن الحالات التي يتم ضبطها واكتشافها؟ ..

تتقدم عناصر وافدة إلى مدارسنا، والبعض منهم قادم بتأشيرة زيارة باحثا عن عمل، حاملا معه مئات الأوراق التي تقول من الوهلة الأولى إنها شهادات علمية، من جامعات في بلده، وفي كثير من الأحيان يكون التوجه لقطاع التعليم، وتحديدا التدريس في المدارس المستقلة أو الخاصة، قد يختلف سبب التعيين بين المستقلة والخاصة، لكن المحصلة أن هؤلاء يجدون لهم موطئ قدم، ويتم تعيينهم بالشهادات التي يحملونها معهم، ويقومون بالتدريس فعليا، ويتم إرسال هذه الأوراق إلى الجهات المعنية في المجلس الأعلى للتعليم للتأكد من صحتها، وفي نفس الوقت هؤلاء يقومون بالتدريس ولهم مخصصات مالية، وإقامات رسمية.. وما إلى ذلك.

المجلس الأعلى للتعليم كل ما يعمله أنه يقوم بمخاطبة الجهات المعنية في البلد القادم منه هذا الشخص، أو من الجهة التي حصل على الشهادة منها، ولن أحدثكم بالطبع عن الروتين القاتل، قد لا يكون عند الإخوة في المجلس الأعلى للتعليم، لكن في الطرف الآخر، وبعض الدول أصلا متخصصة في تصدير {الروتين القاتل} و{البيروقراطية المتعفنة}، ..، وفي بعض الدول لا يوجد نظام حقيقي للتأكد من صحة الشهادات ..، بمعنى أن الرد على مخاطبات المجلس الأعلى ـ هذا إن تم الرد أصلا ـ قد يستغرق عاما.. عامين .. ثلاثة ..، في هذه الفترة الشخص المعني يقوم بالتدريس وهو أصلا لا يملك المؤهلات التي تؤهله للقيام بذلك، فمن المتضرر الفعلي ؟

المتضرر الفعلي.. هو التعليم. هي العملية التعليمية.. هم أبناؤنا.. هم أبنائي وأبناؤك..، الذين ينتقلون إلى مرحلة تالية دون علم حقيقي، أو تأهيل فعلي، في المادة التي يقوم بالتدريس فيها أشخاص غير مؤهلين، لا أريد أن أسميهم مدرسين، لأن في ذلك ظلما لإخوتنا وأخواتنا المدرسين والمدرسات، الذين يبذلون جهودا جبارة خلال تأدية رسالتهم التعليمية .

وللأسف فإن تدريس اللغة العربية كان هو الطريق الأسهل لهؤلاء الأشخاص للدخول إلى التعليم، و”غزو ” المدارس، فكانت النتيجة هذا المستوى المتدني لأبنائنا في اللغة العربية، وهذا للأسف واقع مرير نعيشه، فهناك الكثير من أبنائنا الطلاب الذين ينهون المرحلة الابتدائية لا يكادون يستطيعون كتابة جملة أو فقرة دون أخطاء إملائية، ولن أتحدث عن قواعد اللغة العربية، فهذه كارثة أخرى.

كما أن انخفاض الرواتب التي يقبل بها هؤلاء، تغري القائمين على بعض المدارس من أصحاب التراخيص، بتعيينهم دون التدقيق أو التأكد من شهاداتهم، أو مدى قدرتهم على التدريس، وما إذا كانوا بالفعل مؤهلين أم لا، فتكون الانعكاسات السلبية على الطلاب.

والبعض الآخر أيضا من أصحاب التراخيص يقومون بتعيين أشخاص لتدريس اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، لمجرد أنهم يجيدون الحديث باللغة الإنجليزية، بمعنى أنه إذا كانوا يعملون في التسويق على سبيل المثال، وليسوا متخصصين في اللغة الإنجليزية أو في المناهج أو التدريس، لكنهم يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية، فإن ذلك لا يمنع البعض من تعيين هؤلاء كمدرسين لمادة اللغة الإنجليزية، بغض النظر عن غياب المؤهلات التي تمكنهم من تدريس اللغة الإنجليزية كمنهج، وليس مجرد التحدث بها !!.

وفي عدد من مدارس القطاع الخاص تطور الأمر إلى تعيين من لا يمتلكون خبرات كافية، وغير مؤهلين للتدريس، وفي أحيان أخرى غير متخصصين في المادة التي يقومون بتدريسها ..، والسبب أن رواتب هؤلاء هي الأقل مقارنة بالمتخصصين والمؤهلين للتدريس، وهذا الأمر دفع بعض المدارس في القطاع الخاص إلى استبدال معلمين ومعلمات ذوي كفاءة بمن هم أقل، والسبب خفض ما يصرف في بند الرواتب، مع العلم أن الرسوم السنوية لمدارس القطاع الخاص في زيادة بنسب لا تقل عن 10%.

بمثل هذه التعيينات يتعرض التعليم لنكسات، وتكون مخرجاته دون المستوى، خاصة في المراحل التأسيسية، وهو ما يفرض على المجلس الأعلى للتعليم تحمل مسؤولياته في اختيار الأكفأ من المدرسين والمدرسات، وألا يتم التعيين إلا بعد التثبت الفعلي من صدقية الشهادات التي يحملها المتقدم إلى مهنة التدريس، مع الخبرات الكافية، والتخصص المطلوب، وألا يترك للمدارس السماح لمن ترغب بتعيينهم بالتدريس إلا بعد التحقق من كل الشهادات.

لقد عانى تعليمنا خلال السنوات الماضية من بعض ” الآفات ” والسلبيات الخطيرة، والتي أصابت المشروع التعليمي الطموح إصابات جعلته يسير في كثير من جوانبه على ” عكاز “، وشوهت الرؤية التي انطلقت مع التجربة التعليمية الجديدة، وهو ما أحدث استياء بالغا من قِبل أطراف عدة، بما فيها العاملون في الميدان التعليمي.

إن السنوات الماضية كفيلة بتصحيح مسار التعليم ـ هكذا يفترض ـ وتصويب كل الأخطاء التي وقعت، خاصة في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للتعليم، والمخصصات المالية الكبيرة التي ترصدها من أجل تطويره، وهو ما يعني أنه لا مبرر للكثير من الأخطاء التي تقع في مسيرة التعليم، فكل الإمكانات قامت الدولة بتسخيرها من أجل الارتقاء بالتعليم، إيمانا بأن أي نهضة لأي أمة بابها التعليم.

 

.. ولنــا كلمة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x