حوادث الطرق تكبِّد دول الخليج 19 مليار دولار سنوياً
أسابيع المرور الخليجية بحاجة إلى إعادة قراءة وتقييم
ملف الحوادث المرورية في دول مجلس التعاون الخليجي، وما يترتب عليها، يشكل أحد التحديات الكبيرة، التي من المهم وضع الاستراتيجيات الكفيلة بمعالجة هذا الملف الشائك، الذي يمثل “نزيفاً” متدفقاً في الأرواح والكوادر البشرية، خاصة أن الغالبية من ضحاياه هم من فئة الشباب.
كل دول مجلس التعاون تصرخ من الحوادث المرورية، وتبحث عن معالجات لهذه الظاهرة الخطيرة، وتتحدث عن أرقام سنوياً من الضحايا، وغالباً ما تكون هذه الأرقام في تصاعد، عدا ما يترتب على هذه الظاهرة من إصابات وعاهات وخسارة في الوظائف، إضافة إلى الخسائر المادية التي تتكبدها الدول الخليجية جراء الحوادث المرورية.
الأرقام تُظهر أن الدول الخليجية تتكبد سنوياً أكثر من 19 مليار دولار، وهو ما يمثل 3.7 % من إجمالي الخسائر العالمية، ونسبة الوفيات فيها تتصدر القائمة عالمياً، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الوفيات نتيجة حوادث السيارات تشكل 21 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة من السكان، بينما تبلغ في دول الخليج 24 حالة لكل 100 ألف نسمة، فيما أعداد الوفيات تتجاوز 10 آلاف حالة وفاة، والاصابات تتجاوز 65 ألف إصابة، وهي أرقام بالنسبة لمجتمعاتنا الخليجية مفزعة ومرعبة، في مجتمعات تعاني أصلاً من محدودية النسبة السكانية، خاصة المواطنة منها، وهو ما يجعل ملف الحوادث المرورية من الملفات التي تعتبر في غاية الأهمية.
جميل أن نشهد أسابيع مرورية مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهي جهود بالتأكيد مقدرة، ويشكر القائمون عليها، ولكن من المهم أن يتم تقييم مسيرة هذه الأسابيع المرورية، التى قاربت على ثلاثة عقود من الزمن، وما تحقق من مكاسب فعلية على أرض الواقع، بعيداً عن المجاملات، وكيف يمكن تفعيل آليات هذه الأسابيع السنوية بما يخلق وعياً لدى الجمهور، يساهم في الحد من الحوادث المرورية القاتلة.
قرأت أمس جزءاً من محاضرة ألقاها العقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف، مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة، والتي تحدث فيها عن أعداد الضحايا في المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومن بين ما قاله إن العقدين الماضيين تجاوز عدد الضحايا جراء الحوادث المرورية 86 ألف شخص، وهو رقم يتجاوز عدد ضحايا حروب الارجنتين وحرب الصحراء الغربية وحرب الهند وباكستان وحرب الخليج وحرب نيبال الأهلية وحرب استقلال كرواتيا التي بلغ مجموع ضحاياها 82 الف شخص.
د. شرف وصف هذه الحوادث بـ “إرهاب شوارع”، وهو وصف دقيق، وصائب، وفي مكانه، فما يسقط من ضحايا على الشوارع ربما أضعاف ما يسقط في العمليات الارهابية، وهو ما أشار إليه عندما قارن بين من سقط جراء حوادث السيارات عام 2011 في السعودية ومن سقط من ضحايا العنف في العراق في نفس السنة، حيث بلغ عدد ضحايا العنف في العراق نحو 4200 شخص، بينما حوادث الطرق بلغ عدد ضحاياها 7153 شخصاً.
والوضع في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ليس بأفضل حالاً كثيراً عما هو بالمملكة، صحيح أن السعودية هي الأعلى عالمياً في نسبة حوادث الطرق، ففي قطر راح ضحية الحوادث العام الماضي 204 حالات وفاة، وهو رقم أقل من عام 2011، على الرغم من أن الإصابة بالحوادث ارتفعت في عام 2012، لكن الوفيات انخفضت.
وفي دولة الإمارات الرقم وصل إلى 628 حالة وفاة العام الماضي، إضافة إلى 7586 إصابة، وهكذا في باقي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث الوفيات تشكل أرقاما تكاد تكون متصاعدة، والأمر المهم أن الأرقام لا تتوقف عند الوفيات فحسب، فهناك أعداد كبيرة تخرج من دائرة الإنتاج في المجتمع، وبدلاً من أن تكون مصدراً للعمل والانتاجية، خاصة أن نسبة الشباب هي الغالبة في هذه الحوادث، تتحول هذه الأعداد الى عالة على المجتمع، وتدخل الدولة في دوامة أخرى من مراحل العلاج والمتابعة للحالات المرضية والإصابات التي نتجت عن الحوادث المرورية.
ملف حوادث الطرق لابد ان يؤخذ بجدية أكبر في دول مجلس التعاون الخليجي، ويجب ألا تقتصر الجهود على وزارات الداخلية أو إدارات المرور، إنما يجب على الجميع المساهمة بإيجابية في التوعية بحوادث الطرق، وما يترتب عليها من آثار مدمرة للأسرة والمجتمع والدولة.
نحن بحاجة إلى أن تعي مؤسسات المجتمع، ويعي الأفراد، أن مسؤولية الحوادث المرورية، مسؤولية مشتركة، بحيث يكون هناك تعاون حقيقي مبني على أسس وخطط ورؤى متكاملة، فاليد الواحدة -كما يقولون- لا تصفق، وهكذا بالنسبة لوزارات الداخلية وإدارات المرور، التي بحاجة إلى من يساندها في الادوار التي تقوم بها، ولكن من المهم لوزارات الداخلية أو إدارات المرور التفاعل كذلك مع محيطها المجتمعي، وألا تكتفي فقط بسن القوانين، وفرض الغرامات، دون أن يكون هناك حوار فعلي بين المجتمع وهذه الجهات الرسمية، التي من المؤكد أنها حريصة على مصلحة المجتمع، كما هو حال جميع الأفراد.
نريد خلق شراكة حقيقية بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والأسرة والتعليم والمؤسسات والوزارات الخدمية.. وغيرها من الجهات، من أجل التقليل من نسب الحوادث المرورية، التي نسمع عنها يومياً، ويذهب العشرات والمئات ضحايا لها يوميا، وتمثل كوارث حقيقية، ونزيفاً دائماً، وحرباً في الشوارع، فيما مجتمعاتنا بأمس الحاجة إلى هذه الطاقات البشرية التي تذهب وهي في عمر العطاء.
اعتقد أن أسابيع المرور يجب إعادة قراءتها من جديد، وتقييمها بشكل جاد، خاصة ان معطيات المرحلة تختلف، وتطلعات السائقين متغيرة باستمرار، فجيل اليوم ليس كما كان عليه جيل التسعينيات، بل ولا جيل ما قبل 5 سنوات، فالثورة التقنية والتكنولوجية تلعب أدواراً، جزء منها سلبي، وهو ما يتعلق بالانشغال في استخدامها خلال قيادة السيارة، ولطالما وقعت حوادث قاتلة جراء الاستخدام السيئ لتقنيات أصبحت جزءاً رئيسياً في حياتنا، وجزءاً أساسياً وملتصقاً بحياة الشباب.
هذه المتغيرات يجب أن تؤخذ في برامج واستراتيجيات وخطط وزارات الداخلية، وأن تترجم على أرض الواقع، وأن تلامس هذه الخطط الأوجاع الحقيقية، وتعالج المشاكل اليومية، حتى نستطيع الحد من الحوادث القاتلة، والتقليل من هذه الظاهرة التي تعاني منها مجتمعاتنا الخليجية جميعها.
يجب دراسة ظاهرة حوادث الطرق، ودراسة تطلعات شباب اليوم، والعقليات التي يفكرون بها، ورؤيتهم للممارسات اليومية في الشوارع… وإشراكهم في المشاكل والحلول، حتى يكونوا جزءاً من الحل وليس المشكلة…
لا نريد أن تظل الجهات المعنية هي التي تفكر وتخطط وتنفذ.. وتأمر الشباب بالالتزام بما فكرت به، وما شرعته من قوانين، إنما نريد إشراكهم في الخطوات، والدفع بهم للمساهمة بطرح رؤاهم لكيفية إيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا بصورة عامة، ومن بينها بالطبع ظاهرة الحوادث المرورية.