عفواً «كولن» لا نريد محاضرات «إنشائية»
مدير الدوحة لحرية الإعلام ينتقد الصحافة والصحفيين في قطر دون الاستشهاد بـ «دلائل»
استوقفتنى خلال الاحتفال الكلمة التي ألقاها مدير مركز الدوحة لحرية الإعلام السيد يان كولن، التى حمل فيها على الإعلام القطري، وتحديدا الصحافة، وقال إن الإعلام القطرى يفتقر الى التقارير الصحفية التى تعتمد على التحري، مع انتقاد لمهنية الصحافة والصحفيين، او الكثير منهم.
لست متحدثا بداية عن زملائى الصحفيين او الكتاب فى قطر، وان كان هذا شرفا لي، وليس لدي تحفظ على أي انتقاد او ملاحظات توجه للصحافة والاعلام فى قطر، بل نتقبل ذلك، ونعتبر ان الآخر يمثل بالنسبة لنا مرآة عاكسة لما نحن فيه وما يجب أن نكون عليه، واكون سعيدا عندما يوجه لى شخصيا أى زميل او قارئ عزيز ملاحظات وانتقادات على عملي فى مجال الصحافة، وارحب بأى انتقاد لـ «الشرق»، لأن أى عمل لابد ان يصاحبه تقصير أو خطأ، وهذا أمر طبيعي، فالانسان الذى يعمل هو الذى يخطئ، بينما الجالس في بيته غير معرض للخطأ.
هذه مقدمة أحببت أن اسجلها حتى لا تُفهم الامور على غير محلها.
أعود لكلمات السيد كولن، التى نشرناها بالامس فى «الشرق» مع الانتقاد دون أى تحفظ، وابرزنا ما قاله حتى على الصفحة الاولى، واليوم أود التوقف عندها، بعدما منحناه المساحة التى ابدى من خلالها رأيه بالاعلام القطري، ونحترم ذلك، خاصة انه فى مؤسسة اعلامية يفترض منها دراسة عميقة لواقع الاعلام القطري، وهو لم يحدث للاسف الشديد.
فكان الاحرى بالسيد كولن، وهو فى هذا الموقع ان يكون أكثر دقة فى توجيه ملاحظاته، فلا يجوز لشخص فى هذا الموقع ان يتحدث عن العموميات، ويقوم بتعميم رأيه على وسائل الإعلام والصحافة فى قطر، فهذا امر غير مقبول، فقد رأى ان اعلامنا يفتقر الى التحري، وانه يتجاهل ما يحدث فى قطر، وهنا اطلب منه ان يحدد ذلك، وان يأتى لنا بأمثلة دقيقة على افتقار اعلامنا القطرى بصورة عامة لقضية التحري، وما هى القضايا الجوهرية التى تجاهلها إعلامنا القطري.
لا نريد أن يقدم لنا كولن محاضرات ” إنشائية “، ولا نريد ان يسقط ” خلفيته “، وما يحمل من احكام مسبقة عن قطر على صحافتنا واعلامنا، على الرغم من انه مضى على اقامته اكثر من عام، كان بمقدوره ان يقيم بصورة جيدة واقع الاعلام، وان يضع يده على ” الجرح ” ان كان موجودا بدلا من الحديث فى العموميات.
مدير مركز الدوحة لحرية الاعلام كولن الذى ينتقد الاعلام القطرى اليوم، هو نفسه اشاد بهذا الاعلام قبل نحو عام، وتحديدا فى احتفالية العام الماضى عندما قال ان الاعلام فى قطر يتمتع بالكثير من المهنية والحرفية، فما الذى تغيّر من العام الماضي الى الآن؟.
كنت اتمنى لو تقدم السيد كولن فى هذه الاحتفالية بتقرير مفصل عن واقع اعلامنا، اين الخلل، وكيف تتم معالجة ذلك، واين اوجه القصور، وكيف يمكن تلافى ذلك، لكن ما قاله مجرد ” تهم ” لم يقدم عليها أى دليل، ولم يستشهد بأى واقعة ترشدنا الى مواقع الضعف او الخلل، او كيف تمكن معالجة ذلك.
ثم يتحدث عن ” كثير ” من الامور التى تحدث فى قطر وان الاعلام لا يتحدث عنها، الا اننا لم نسمع منه شيئا فى تلك الاحتفالية عن هذه الاشياء الكثيرة، فهل الامر مجرد ” ادعاء ” ام أن لديه حقائق؟.
الصحافة الاستقصائية فى كل دول العالم تواجه تحديات، وتحتاج الى متخصصين والى فريق عمل متفرغ، فهى ليست مجرد تغطية او تحقيق صحفي، وكنا نأمل من مركز الدوحة لحرية الاعلام وعلى رأسه كولن ان يقدموا عملا احترافيا فى هذا المجال، وان يسعوا الى اعداد وتأهيل الكوادر المتخصصة فى هذا العمل الصحفي، الذى يعتمد على التحري، وهو ما يطالب به، فأين دوركم فى هذا المجال؟ ولماذا فقط الاعتماد على دورات تدريبية فى مجالات محدودة، هى بعيدة تماما عن التوعية بالقوانين والتشريعات والمهنية الصحفية؟.
كان الاحرى بالمركز ورئيسه الذى ينتقد الكتّاب القطريين ان يقوم بتنظيم دورات تدريبية، والعمل على تأهيل الكوادر القطرية وتطوير مهنيتهم، بدلا من القول بان هناك الكثير من الصحفيين لا يتحرون الصدق فى المعلومات.
ثم يقول ان مهنة الصحافة فى قطر بحاجة الى الكثير من اجل رفع مستوى المهنة..، وحقيقة استغربت من هذا القول، الذى يطعن فيه بمسيرة الصحافة القطرية الممتدة لاكثر من 40 عاما، ويطعن فيه بالكوادر القطرية التى عملت طوال هذه المدة الزمنية،..، بمعنى آخر ان كل الجهود التى بذلها كل الاساتذة والزملاء هى دون المستوى.
اعيد واكرر ان صحافتنا ليست مثالية، وبها اوجه نقص وقصور، وهذا امر طبيعي، فحتى تلك الصحف العالمية التى تحتفل اليوم بمسيرة تجاوزت المائة عام واكثر هى بحاجة الى تطوير ومواكبة، لكن ان يتم توجيه ” تهم ” جزافا دون ان يتم تقديم ادلة على ذلك، ودون ان يقول لنا المنتقد أين الخلل، وكيف استنتج ذلك، وما المعايير التى اعتمد عليها، وما هى المرجعية التى استند اليها، وما هى الحلول الممكنة لتطوير صحافتنا والكوادر العاملة بها، ورفع ادائها بما يخدم المجتمع.
من السهولة بمكان توجيه الانتقاد لأى عمل، ولكن من الصعوبة ان تطرح البديل، وان تقدم الحلول الواقعية، التى تعالج اوجه القصور فى أى عمل، وهذا هو التحدى الحقيقي، فالمطلوب من المركز ومديره ان كان صادقا ان يسعى اليه، بدلا من الحديث ” الانشائى “.
أقام مركز الدوحة لحرية الإعلام امس الأول احتفالا بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، وهي سنة حميدة يتم الاحتفال بها عالميا، تقديرا للجهود التي يبذلها العاملون في بلاط صاحبة الجلالة، والتضحيات التي يقدمونها، بما فيها التضحية بأرواحهم من أجل ايصال رسالة الإعلام بكل مصداقية ومهنية.