مقالات

مشروع وطن وأجيال

المبادرة التي تبناها سمو الأمير المفدى – حفظه الله – بإنشاء صندوق للتعليم والصحة، وأعلن عنها مجلس الوزراء الأربعاء الماضي، برأس مال يبلغ 360 مليار ريال، بهدف توفير الموارد المالية المستدامة للخدمات الصحية والتعليمية، خطوة غير مسبوقة على مستوى العالم، فلم تُقْدِم أي دولة على خطوة بمثل هذا المشروع الجبار، الذي من المؤكد ستكون له ثمار،  لا ينعم بها هذا الجيل فقط، إنما هو مشروع المستقبل.. مستقبل الوطن.. ومستقبل أبنائه.

هذه الخطوة التي بادر بها سمو الأمير المفدى، ليست الوحيدة في طريق بناء منظومة تعليمية وصحية، ضمن منظومة متكاملة لبناء دولة مؤسسات في بلد يحمل شعار الإنجاز في كل يوم تشرق فيه الشمس، ويسابق الزمن من أجل بناء حقيقي يترجم على أرض الواقع في مشاريع تنموية في مختلف المجالات.

هذا الاهتمام خاصة في مجالي الصحة والتعليم هو الذي حقق لدولة قطر مركزاً متقدماً في تقرير التنمية البشرية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث حققت المركز الأول عربياً والمركز 36 عالمياً في 2013، وهي في تقدم مستمر، فقد حلت في عام 2012 بالمركز 37 عالمياً وإن كانت أيضاً تصدرت الدول العربية.

هذا التقرير يعتمد على النمو الاقتصادي وجودة التعليم والصحة، ومؤشرا الصحة والتعليم هما المقياس لتقدم أي مجتمع في أي دولة.

ولا يخفى أيضاً حجم الاهتمام والإنفاق على التعليم، ومسيرة التطور الذي شهدته منظومة التعليم بصورة متكاملة، بما فيها التعليم الجامعي، والبحث العلمي، الذي أعلنت قطر عن تخصيص 2.8 % من ناتجها القومي للصرف على هذا القطاع، وهو أمر لم يسبق أن تم في أي دولة عربية، إضافة إلى إنشاء مركز بحثي، وهو “مركز سدرة”، الذي يعد واحداً من أبرز المراكز البحثية على مستوى العالم، ويتوقع افتتاحه العام المقبل، إضافة إلى ذلك المدينة التعليمية وما تشكله من أهمية كبرى لاستقطابها أفضل الجامعات في العالم، وبالتالي أصبحت قطر اليوم حاضنة لنوعية عالية من التعليم، ومستوى متميز، سيساهم في تشكيل حاضر ومستقبل قطر من خلال هذه النوعية الرفيعة من المستوى التعليمي الذي تستهدفه الدولة، وتعد له أرضية متكاملة الخدمات.

قد تتأخر ثمار هذه المؤسسات التعليمية والبحثية التي تنشأ حالياً، وهذا أمر طبيعي، فمثل هذه المشاريع العملاقة، لا يمكن أن تظهر نتائجها بين يوم وليلة، إنما هي زرع يغرس اليوم، لتأتي أجيال قادمة من هذا الوطن تقطف ثماره.

والأمر أيضاً بالنسبة للقطاع الصحي، حيث تتسارع الخطى لإيجاد منظومة صحية متكاملة، وان كانت هناك اليوم شكاوى تتحدث عن قصور -في الوقت الراهن – في الخدمات الصحية التي تقدم، وهذه الشكاوى في كثير من الأحيان محقة، ربما لأسباب كثيرة، منها الجمود الذي شهده القطاع الصحي لسنوات طوال، دون أن نشهد تحريكا لبنى المنظومة الصحية، وهو ما أدى إلى حدوث فجوة بين الاحتياجات الفعلية للمواطنين والمقيمين، وبين العدد الفعلي للمؤسسات الصحية بالدولة، ومستوى الخدمات المقدمة.

والتعليم أيضاً اليوم به شكاوى من قبل البعض، وملاحظات في الأداء، بسبب الانتقال إلى نظام جديد في التعليم، وان كان ذلك غير مبرر لارتكاب أخطاء إدارية — وان كانت من المؤكد غير مقصودة، إنما في إطار الاجتهاد — في المنظومة التعليمية، وضرورة تلافي تلك الأخطاء، وعدم تكرارها بين فترة وأخرى.

اليوم نحن أمام تأسيس مشروع جبار وهو إنشاء صندوق للتعليم والصحة، وهو خطوة متقدمة جداً، وفيها رؤية استشرافية لبناء هذا الوطن، وترسيخ عمل المؤسسات، خاصة قطاعي التعليم والصحة اللذين عادة يكونان بحاجة إلى ضخ أموال ومخصصات مالية كبيرة فيهما، وبالتالي إنشاء هذا الصندوق الذي سيعمل على توفير الموارد المالية المستدامة بمثابة الوقف الذي يمكن من خلاله الصرف على هذين القطاعين دون الاعتماد الدائم على موازنة الدولة، التي قد تتأثر تحت أي ظرف مستقبلي.

ورغم أهمية هذه الخطوة، لكن يبقى الأهم في كيفية ترجمة هذه المبادرة المباركة لسمو الأمير المفدى – حفظه الله ورعاه – وضرورة وضع الركائز الصحيحة لهذا المشروع منذ اللحظة الأولى، وأن يتم اختيار الكفاءات لهذا العمل، حتى ينفذ بصورة صحيحة، مع أهمية الرقابة والمحاسبة في تنفيذ مثل هذا المشروع العملاق، لانه يمثل مشروع دولة ووطن وأجيال قادمة، لأننا لا نريد الدخول في تجارب المشاريع التي تأخر إنجازها أكثر من مرة، ينبغي أن نستفيد من التجارب التي مر بها عدد من المشاريع، حتى يتم تلافي الأخطاء التي وقعنا فيها، وأدت إلى تأخير إنجازها ومضاعفة الموازنات المخصصة لها.

وبالمناسبة ليس فقط مشروع المطار الجديد الذي تعثر بصورة غير مقبولة أبداً، هناك مشاريع أخرى تعرضت لانتكاسات وتأخير في الإنجاز وزيادة موازناتها..، وهو ما ينبغي أن نعيه جيداً في مشاريعنا القادمة، وألا تتكرر نفس الأخطاء، خاصة أن البلد مقبل على مشاريع بالمليارات، وهو ما يتطلب رقابة حقيقية من الجهات المعنية، سواء هيئة الرقابة الادارية والشفافية، أو ديوان المحاسبة، أو الجهات الحكومية الأخرى، وقبل ذلك الجهاز الذي يشرف على تنفيذ المشاريع، يجب أن يكون دقيقاً ومؤتمناً، يراعي الله ومصلحة الوطن.

هذه المبادرة العظيمة نتطلع إلى أن يتم تأسيسها على قواعد قوية، وركائز متينة، وتسلم لشخصيات ذوي معرفة، من باب اختيار القوي الأمين لإدارة هذا المشروع، بدءا من أولى المراحل التنفيذية، كون هذا المشروع غير المسبوق على مستوى العالم، هو مشروع وطن وأجيال، وسمو الأمير المفدى عندما طرح هذا المشروع ينظر إلى المستقبل، وإلى بناء هذا الوطن عبر عمل مؤسسي حقيقي، وهو الجهد الذي يسعى اليه سمو الأمير المفدى وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله ورعاهما.

إن قطر وبفضل من الله ثم بفضل القيادة الحكيمة لسمو الأمير المفدى وسمو ولي عهده الأمين، باتت نموذجاً في المشاريع التنموية التي تتبناها، وأصبحت مبادراتها تتخطى نطاقهيا الإقليمي والقاري، وبفضل هذه المبادرات وهذا الإخلاص والاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة لهذا الوطن وأبنائه، الذي يمثل الهاجس الأول والأخير لسمو الأمير وسمو ولي العهد، تبوأت قطر هذه المكانة الكبيرة والمتقدمة عالمياً.

حفظ الله قطر.. قيادة وشعباً، ومن يعيش على أرضها، وأدام عليها العز والأمن والأمان.. وأفاض عليها من بركات الأرض وخزائن السماء.. وجميع ديار المسلمين.

 

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x