مصر.. تقود الأمة
ما بين “الرصاص المصبوب” في العملية الإسرائيلية على غزة 2008 والعدوان الجديد عملية “عمود السحاب” أمس الأول، مضت تقريباً 4 سنوات، تغيرت خلالها معادلات كثيرة بالمنطقة، أبرزها غياب أنظمة لطالما تغاضت عن الاعتداءات الإسرائيلية على غزة تحديداً وعلى الفلسطينيين بصفة عامة، مما يشكل وضعاً جديداً في ظل الثورات العربية التي أتت بقيادات وانظمة تنصت جيداً للشارع العربي، بعد أن وصلت الى سدة الحكم عبر تجارب ديمقراطية منتخبة بنزاهة وشفافية.
في “الرصاص المصبوب” ظلت غزة تقصف ليل نهار، وتدك بكل انواع الاسلحة، وتنهمر عليها الصواريخ، دون ان يحرك نظام عربي ساكناً، اللهم صرخة سمو الأمير المفدى، الذي سارع من اليوم الأول بالدعوة لقمة غزة، وحاول نظام مبارك عرقلة القمة بكل ما أوتي من قوة آنذاك، مرضاة لإسرائيل، بل انه كان ينتظر أياما قليلة لتخترق دبابات إسرائيل شوارع غزة، وتسيطر عليها من جديد، إلا أن المقاومة وبفضل من الله افشلت هذه المؤامرة.
اختلف الوضع اليوم، منذ اللحظة الاولى للعدوان الاسرائيلي على غزة، نهضت مصر الجديدة، مصر العظيمة بقيادتها وشعبها، مصر التي تسري روح جديدة فيها، بعد أن أسقط الشعب نظاماً أراد تركيعه، والمشي على كرامته،..، نهضت لتلبي نداء غزة الجريحة، فكانت الاستجابة السريعة للرئيس محمد مرسي باستدعاء السفير المصري من مستوطنة تل ابيب، ومغادرة سفير العدو الاسرائيلي لأرض الكنانة، والاعلان بموقف صلب متضامن مع غزة وشعبها، فتم فتح معبر رفح، وتجهيز مستشفيات المناطق القريبة منها، ومن بينها العريش لاستقبال جرحى الاعتداءات الاسرائيلية، وليس هذا فقط، بل ان الرئيس المصري يرسل اليوم رئيس وزرائه على رأس وفد كبير لزيارة غزة.
هذه هي مصر التي نريدها، وتريدها الامة العربية، هذه المواقف العظيمة لا تصدر الا من بلد عظيم، وقيادة عظيمة، في حين نظام مبارك اغلق حدوده مع غزة طوال فترة عدوان “الرصاص المصبوب” ليقول لاسرائيل اقتلي وابيدي شعب غزة المسجون في مساحة محدودة من الارض، بل لم يكتف النظام المقبور بمحاصرة غزة فوق الارض، انما سعى لفرض حصار حتى تحت الارض، عبر حفر اسوار حديدية اخترقت الارض لأمتار عدة على طول الحدود، لخنق القطاع، وتركيع اهله، وتسليمهم الى العدو.
رهان الامة على مصر ودورها، فكلما كانت مصر قوية، كانت الامة العربية قوية، ومصونة الكرامة، ومهابة الجانب، والعكس صحيح، والتاريخ يشهد بذلك، فمن اوقف زحف التتار كان جيش مصر، وتحرير المسجد الاقصى على يد القائد صلاح الدين الايوبي من الصليبيين بدأ من مصر..، هكذا هي مصر عندما تكون فيها قيادة مخلصة للامة، فانها تتصدر المواقف، وتتصدر الصفوف، مدافعة عن قضايا الامة، ولن تنهض الامة الا بنهضة مصر، وقوة مصر.
لقد ولى زمن العربدة الاسرائيلية في الارض العربية، وبدأ نجم “اسرائيل” في الأفول، بدءا من العملية العدوانية التي اقدمت عليها امس الاول باغتيال القائد القسامي احمد الجعبري، ورفاقه في عدوان غادر، يعتقدون انهم بذلك سيقضون على المقاومة، او سيكسرون الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية “حماس”، ولفصائل المقاومة الاخرى، ولا يعرفون انهم بذلك يصنعون ابطالا آخرين، ويقربون في الوقت نفسه ساعة الصفر، ولحظة الحسم، واقتراب تحرير الارض والمقدسات.
لقد اغتالت “اسرائيل” مؤسس حركة حماس شيخ المجاهدين احمد ياسين في 2004، واعتقدت انها بذلك قضت على حماس نهائيا، وسبق ذلك اغتيالات لقادة عدة من بينهم يحيى عياش ومحمد ضيف وعماد عقل..، وتلا ذلك اغتيال قادة آخرين امثال صلاح شحادة واسماعيل ابوشنب وعبدالعزيز الرنتيسي وسعيد صيام..، وغيرهم كثر، من قادة حماس والجهاد الاسلامي وفصائل المقاومة الاخرى، ولم يفت ذلك في عضد حماس او الجهاد الاسلامي او غيرهم، بل صاغوا استراتيجيات جديدة في التعامل مع العدو، وتفننوا بطرق واساليب نوعية في العمليات الجهادية، وخرجوا قادة جددا، قادوا العمل الجهادي بكل فدائية.
لن تنكسر ارادة الشعب الفلسطيني باغتيال قادته، ولن تستطيع اسرائيل- بكل ما اوتيت من قوة – وقف المقاومة طالما كانت هناك حقوق مسلوبة، وطالما كانت هناك مقدسات محتلة، وطالما كانت هناك اجيال محرومون من حق العودة لوطنهم..
كل اعتداءات اسرائيل ستنكسر على صخرة صمود الشعب الفلسطيني.. فغزة العزة ستظل صامدة.. غزة الكرامة لن تركع..
غزة اليوم ليست وحيدة في الميدان، فقد دمعت لدمعتها الامة كلها، ونهضت لنجدتها الامة كلها، ممثلة بمواقف مصر العظيمة، قيادة وشعباً..
لقد تغيرت المرحلة، فمن يعيش اليوم في الملاجئ وتحت الارض هم الاسرائيليون، ومن يعيشون الرعب في كل لحظة هم الاسرائيليون، فشعب غزة يتسابق للشهادة، فقد رأينا بالامس الجماهير الغفيرة التي خرجت في وداع الشهيد البطل والقائد احمد الجعبري، وكيف اقسمت على مواصلة المشوار الى النهاية بكل شجاعة وبطولة..
كل شهيد يسقط فان دماءه تفتح الطريق، وتختصر المسافة، نحو التحرير، ولم يحدث في التاريخ ان استرجع شعب ارضه ومقدساته وكرامته من خلال التوسل الى من يحتله، فالمحتل لن يفرط في شبر اخذه من اصحابه الاصلييين الا بالقوة، ولكم في “اوسلو” خير شاهد.
بقدر حزننا على سقوط الشهداء من أهلنا في غزة، بقدر فرحنا لعودة مصر الى دورها الريادي والقيادي في الأمة، هذه الروح التي لطالما انتظرتها الشعوب العربية من القيادة المصرية، لذلك فنحن نبارك في الحالتين، بالشهداء وبالروح الجديدة التي تسري في مصر وقيادتها.