نريد بيتاً خليجياً موحداً يقف أمام عواصف ستهب في قادم الأيام
قمة الكويت تنعقد في ظروف متشابكة ومرتبكة
تنعقد بدولة الكويت الشقيقة غداً القمة الخليجية، في ظروف بالغة الدقة، ومستجدات ربما لم تشهدها المنظومة الخليجية، إن على المستوى الداخلي أو الخارجي.
صحيح أنه في كل قمة عادة تطلق تصريحات تشير إلى أنها قمة استثنائية، وانها تنعقد في ظروف دقيقة وحساسة،..، وما إلى ذلك، لكن وضعية المنطقة، والتحالفات الجديدة، و”البؤر ” المتوترة في العلاقات الخليجية الخليجية، تؤكد أن هذه القمة بالفعل تنعقد في ظروف حساسة ومتشابكة، وعلاقات خليجية خليجية مرتبكة.
على مدار السنوات الماضية من عمر مجلس التعاون الخليجي ونحن نتحدث عن علاقات حميمية تربط هذه المنظومة رسميا وشعبيا، وهذه حقيقة، علاقات اخوية واسرية متداخلة، لكن ترجمتها على أرض الواقع لم ترتق إلى نفس المستوى الذي يجب أن تكون عليه، وما عشرات بل مئات القرارات والتوصيات التي صدرت منذ قيام مجلس التعاون في 1981 ولم تجد طريقها للتنفيذ، وظلت حبيسة الأدراج، إلا خير شاهد على أن هناك “مشكلة” موجودة، لم نتحدث عنها على مسمع فيما بيننا، وظللنا نؤجل بها من قمة لأخرى، ومن عام لآخر، دون أن نضع يدنا عليها، حتى وإن كانت مؤلمة.
كان الحديث والرهان على ان السنين قد تعالج هذه المشاكل والعقبات القائمة، وهو رهان باعتقادي في غير محله، فالقضايا التي ظلت تؤرق شعوب المنطقة لم تحسم، ولم تنفذ القرارات التي اتخذت بشأنها بجدية، ولم نعالج منذ البداية بعض الجروح التي حدثت، بل وصل الأمر الى ان البعض منا كان يرفض الاعتراف بوجود جروح في العلاقات الخليجية الخليجية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تفاقم هذه الجروح، وباتت ظاهرة للعيان.
البيت الخليجي بحاجة إلى مصارحة حقيقية، وتفكير بصوت مرتفع، دون تهميش أو انتقاص من دور أحد، أو توجيه اتهام أو تخوين إذا ما اعلن عن مواقف ربما تكون صادمة للبعض فينا، هذه الشفافية نحن بأمس الحاجة اليها، فلا يمكن أن نتحدث عن قضايا مجلس التعاون إذا لم نتصارح ونتحدث بصوت مرتفع، ونتباحث في قضايانا بكل صراحة، ونسعى لإيجاد حلول جدية وحقيقية للعقبات التي اعترضت طريق الوحدة الخليجية، ومثلت أزمات في مسيرة المجلس، ونعلن لشعوبنا أن هناك اختلافات في وجهات النظر حيال القضايا التي نختلف بشأنها، وهذا ليس عيبا او انتقاصا من المجلس، بل هو ظاهرة صحية، فمن غير المعقول أن تكون وجهات النظر حيال جميع القضايا متطابقة تماما، سواء قضايا خليجية أو عربية أو إقليمية أو دولية.
فالأوروبيون يختلفون في قضايا داخلية وخارجية، لكن لا نجد تخوينا أو إساءة لبعضهم البعض، يختلفون بأسلوب حضاري، ولا اعتقد أننا اقل منهم حضارة وتاريخا.
البعض ربما قال عن تصريحات معالي وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إنها صدمة، وحقيقة هي ليست صدمة، ويجب الاستماع إلى وجهة نظر الأشقاء في سلطنة عمان واحترامها، ومناقشتها بكل صراحة وشفافية، وأن يكون هناك حوار حقيقي وجاد للوقوف على كل أوجه هذا الاختلاف وليس خلافا للوصول الى ارضية مشتركة.
تحفظ السلطنة نابع بالتأكيد من مصلحة تستهدف هذا الكيان الخليجي، ولا نشكك أبدا في حرص الشقيقة عمان على البناء السليم والقوي لمجلس التعاون الخليجي بكيانه الحالي، وتعزيزه في حال الانتقال إلى مرحلة الاتحاد، الذي هو مطلب كل خليجي نهاية المطاف.
مجلس التعاون اليوم يواجه تحديات حقيقية ربما الأصعب والأكثر خطورة ربما في السنوات الماضية، صحيح ان هذه المنظومة واجهت تحديات الحرب العراقية الايرانية، وما تبع ذلك من حروب بالمنطقة، مرورا بالغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، وظهرت الوحدة الخليجية في تلك المرحلة العصيبة…
تلك تحديات كانت خارجية، وكان المجلس منشغلا بكيفية تحصين دوله من وصول ” النيران ” المتطايرة بالجوار إلى داخله، واستطاع أن يحصن حدوده من تلك النيران، لكن اليوم الوضع مختلف، فالاختلافات في داخل المجلس، وهي الأخطر، صحيح أن هناك تحديات خارجية، وتحالفات جديدة تنشأ بالمنطقة، وملفات متعددة ومتشابكة خارجيا بحاجة للتعامل معها بحرص ووعي وحكمة وحنكة..، لكن الأوضاع الخليجية الداخلية هي الأهم، كونها تمثل صمام أمان في الوقوف أمام أي تحديات خارجية.
اليوم دول المجلس مختلفة في تعاملها مع الملفات الخارجية على أكثر من صعيد، وللأسف ان هناك أزمات “مكبوتة ” انتقلت إلى الشعوب الخليجية، وأثرت في سلوكيات هذه الشعب الخليجي، الذي ظللنا ننادي أنه شعب واحد، وهو حقيقة، فلا يكاد يوجد بيت في دولة خليجية إلا وله امتداد في دولة خليجية أو أكثر.
هذا الاحتقان في العلاقات الخليجية الخليجية الرسمية أثر سلبا في سلوك أفراد في مجتمعات خليجية، وان كانوا لا يشكلون ظاهرة، إلا ان الأمر بدأ يطفو على السطح، مما يؤشر الى وجود أزمات “تحت الرماد” بحاجة إلى حلول جذرية وليست “ترقيعية”، وهي السياسة التي ظلت في كثير من الأحيان متبعة في اي اطلالة على عدد من القضايا، فقد كانت تحقن هذه القضايا بـ “مسكنات” دون اجراء عمليات جراحية لعلاج تلك الأزمات والمشاكل، وهو ما اوصل الحال اليوم للحديث عن وجود عقبات في سبيل الانتقال إلى مرحلة الاتحاد.
لم يعد أمام دول الخليج الوقت لتضيعه في “مناكفات” و”خلافات”، فهناك تحديات خارجية أكبر من كل هذه الأوجاع الداخلية التي نتحدث عنها، وهو ما يفرض التعامل بجدية أكبر، والسعي لعلاج جذري لهذه الأوجاع التي ترافق الجسد الخليجي منذ سنوات، دون أن نلامسها بصورة حقيقية، ودون أن نعالجها بكل جرأة.
نريد بيتا خليجيا موحدا ومتماسكا وقويا، يستطيع الوقوف امام العواصف العاتية، والتي ينتظر أن تهب على المنطقة خلال المرحلة المقبلة، ويتعامل مع الخارج بموقف موحد، وسياسة موحدة، كما يتعامل الآخرون معنا.
فلنتحدث مع بعض، نفكر مع بعض بصوت مرتفع، ولنختلف في وجهات النظر، ولكننا في نهاية الأمر من المؤكد ستكون هناك أرضية مشتركة، وسنصل إليها طالما جميعنا هدفنا الحفاظ على هذا الكيان الخليجي موحدا وقويا، حتى وان تطلب الأمر أن نقدم جميعنا تنازلات في سبيل المصلحة العامة، وفي سبيل الوصول إلى كيان خليجي يلتقي فيه الجميع، حكاما ومحكومين على المحبة والعمل الجماعي.
كيف ستتعامل دول الخليج مع الملفات المفتوحة إقليميا، إن كان ذلك في سوريا أو مصر أو مع إيران النووية..، دول الخليج إلى الآن لم تحسم مواقفها حيال هذه الملفات وغيرها، وهو ما يجعلنا نتساءل عن السياسة الخارجية لدول المجلس، والمرتكزات التي تنطلق منها.
لا يمنع أن تكون هناك اختلافات في وجهات النظر في البيت الخليجي الواحد، شريطة احترام جميع الآراء والاستفادة منها، وتوظيفها بما يخدم مسيرة المجلس، ويعزز دوره وحضوره في الداخل والخارج، وعدم السماح لأطراف خارجية باستغلال هذه الاختلافات في وجهات النظر في ضرب الجبهة الداخلية الخليجية الرسمية منها والشعبية، أو الاستفراد بدولة من دول المجلس،..، نريد هذا البيت الخليجي أن يكون موحداً، وعلى قلب رجل واحد.
.. ولنــا كلمة