مقالات

هاج «مون» لاختفاء جندي إسرائيلي ولم يحرك ساكناً لقتل 2000 فلسطيني

ماذا سيكون موقفك لو قصف أطفال مدينة «ايوماسونج» وتحولوا إلى أشلاء؟

بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، حامي العدالة الدولية، ناشر السلام والأمن بين الشعوب، وحاقن الدماء بين الدول، هكذا يُفترض أن يكون، لكن حرب غزة أظهرت أمرا آخر، وكشفت “وجوهاً غبرة” كانت تتغطى بأقنعة مستورة، تتجمل أحيانا بتصريحات وزيارات إنسانية، فجاءت حرب غزة، بل العدوان الإسرائيلي على غزة ليكشف وجوها طالما حسبها الرأي العام العربي أنها “متوازنة” في تعاطيها مع قضايا العرب، ولكن إذا بها “متواطئة” مع المعتدي، تبرر له كل عدوانه، بل وتحمل المجني عليه مسؤولية قتله، تماما كما يقول الشاعر العارقي أحمد مطر “يطعنني ويدعي أن دمي لوث حد سيفه”!

بالأمس استغرب سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه ما جاء في بيان الأمين العام للأمم المتحدة، والذي حمل فيه المقاومة الفلسطينية مسؤولية انتهاك وقف إطلاق النار، في الوقت الذي أشار فيه في بيانه إلى أن الأمم المتحدة ليس لديها وسيلة مستقلة للتحقق مما حدث بالضبط، موضحا سموه أنه كان على الأمم المتحدة أن تتحقق مما حدث بالضبط قبل إصدار بيانها، معربا سمو الأمير عن أسفه ودهشته من صمت المنظمة الدولية على استهداف إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وقتلهم وتدمير مساكنهم، مطالبا سموه حفظه الله الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة اتخاذ موقف واضح من الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وحث جميع الأطراف ذات العلاقة على فتح المعابر لدخول المساعدات والإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة.

هذا الموقف من سمو الأمير المفدى سبقه أكثر من اتصال مع بان كي مون، وحثه على اتخاذ مواقف للجم الآلة العسكرية الإسرائيلية ووقف العدوان المتواصل على الأبرياء، ولكن لم نَرَ موقفاً حقيقياً من الأمم المتحدة حيال ما يحدث من انتهاكات صارخة بحق الإنسان الفلسطيني.

ليس فقط “مون” ـ هذا “القمر” لم يكن كاسْمه ـ أظهر وجها غير إنساني في تعاطيه مع العدوان الإسرائيلي على غزة، بل إن هناك أطرافا أخرى، بعضهم رؤساء، والآخرون مشايخ، وثالث مفكرون، ورابع إعلاميون، وخامس مثقفون، ومنهم من يطلقون على أنفسهم دعاة، وهم كذلك، لكنهم دعاة إلى أبواب جهنم.

كي مون تحرك بالأمس “هائجا” منددا “بأشد العبارات” بحركة حماس، ومحملا إياها اختفاء جندي إسرائيلي معتدٍ، ومشارك في قتل الأبرياء في غزة، ولم نسمع من “مون” مثل هذه العبارات تجاه من سقط من الشهداء في غزة، الذين قارب عددهم 2000 شهيد ونحو 10000 جريح، نحو 70% هم أطفال ونساء وكبار في السن، ألا يمثل هؤلاء قيمة إنسانية بالنسبة لـ “مون”، أم أن الإنسان فقط هو ذلك الجندي اليهودي القادم لقتل الأبرياء؟

بل لم نجد “مون” يصرخ عندما تقصف مدارس “الأونروا” في غزة، والتي احتمى بها الأطفال والنساء والضعفاء، وهي مدارس تابعة للأمم المتحدة، وقصفتها إسرائيل جهارا نهارا، وهي تملك الإحداثيات التي تشير إلى أن هذه المواقع تمثل مدارس تشرف عليها الأم المتحدة، وبالتالي ليست مقار لحماس، وهي “الشماعة” التي تتحدث عنها إسرائيل في كل عدوانها، لماذا لم يتحرك ” مون” من أجل مدارسه التي انتهكت، وليس من أجل الأطفال الذين قتلوا فيها؟

الغريب أن “مون” استبق كل الاحتمالات في قضية الجندي الإسرائيلي، وكالَ التُّهم لحماس، ليتبين لاحقا أن هذا الجندي قد قتل، ولم يختطف من قبل حماس أو فصائل المقاومة، على الرغم أنه لا يملكك أي وسيلة مستقلة للتحقق مما حدث بالضبط، ولكنه أدان اختفاء الجندي، أي “مهزلة” يمثلها هذا الفعل الأممي.

إن هذا السلوك غير السوي من قبل “مون” يشير إلى مدى تحكم إسرائيل في مفاصل صنع القرار الأممي، وتحديدا في الأمم المتحدة، إن كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق تأثير دول أخرى، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية، التي هي الأخرى “هاج” رئيسها أوباما على قضية الجندي المقتول، وعقد مؤتمرا صحفيا من أجل هذا الجندي القادم لقتل الأبرياء في غزة ، داعيا حماس إلى إطلاق سراحه دون شروط، وهو موقف ليس بالمستغرب على أميركا التي تدعم حليفتها على طول الخط، بل وخلال العدوان الحالي قامت أميركا بتخصيص 225 مليون دولار مساعدة عاجلة للقبة الحديدية الإسرائيلية، مع إرسال شحنات عتاد عسكري بصورة عاجلة أيضا، وبالتالي أميركا شريك أساسي في قتل الشعب الفلسطيني في غزة، وأيادي المسؤولين الأميركيين ملطخة بالدماء، كما هو الحال مع الصهاينة اليهود، ومن يقدمون لهم الغطاء والدعم اللوجستي، وتبرير قتل الأطفال والنساء والمدنيين من “صهاينة العرب”.

بان كي مون يشاهد آلة القتل الإسرائيلية تحصد الأبرياء في غزة، دون أن يحرك ساكنا، وأسأله هنا: ماذا سيكون موقفك لو كان حدث العكس، بمعنى لو أن المقاومة الفلسطينية هي التي تحصد الإسرائيليين قتلا في المدن المغتصبة، ماذا سيكون موقفك، هل ستظل صامتا كصمت القبور؟ بل ماذا سيكون موقفك لو أن مدنا مثل “ايوماسونج” ـ مسقط رأسك في كوريا ـ و “سول” و ” تشانجوون” و “جونجو” و “جويانج ” هي التي تقصف ويقتل الأطفال والنساء ـ وهو أمر بالتأكيد لا نرضاه لأصدقائنا في كوريا الجنوبية وسننتصر لهم ـ ماذا سيكون موقفك؟

إن من يقتل اليوم في غزة ليس الإنسان الفلسطيني، إنما الإنسانية هي التي تقتل يا “مون”، والمنظمة التي تتولى مسؤولية الأمين العام فيها على المحك، وللأسف إنها رسبت في اختبارات سابقة عديدة، وكان الأمل أن تحسِّن درجتها في اختبار غزة، لكنها رسبت بامتياز، وفشلت فشلا ذريعا في تحسين صورتها أمام الرأي العام، وحرام ما يدفع لهذه المنظمة من أموال، وحرام عليك أنت شخصيا ما تتقاضاه من رواتب، فلو تدفع هذه الأموال لإغاثة إنسان في بقاع الأرض أشرفُ و “أبرك” من أن تدفع لكم، لتتاجروا بقليل من الكلمات، بل حتى هذه الكلمات لم تعودوا قاردين على النطق بها.

الآن بعد أن اتضحت الصورة وأن الجندي الصهيوني قد قتل، يفترض أدبيا من بان كي مون وأوباما وكيري وغيرهم الاعتذار الرسمي من حماس ومن فصائل المقاومة، بعد أن خدعتهم إسرائيل، لو كنتم شرفاء اعتذروا  للشعب الفلسطيني، وهذا أقل ما يجب القيام به يا “مون”.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x