ليس بالأمر الجديد أن تقبل قطر التحدي.. وتنجح فيه بنهاية المطاف بشكل يجعل الآخرين يقفون إجلالا وتقديرا للصورة التي انجز عليها الامر.. والشواهد على ذلك كثيرة، سواء في شقها السياسي أو الاقتصادي أو الرياضي أو الثقافي..، واليوم بوصول لجنة التفتيش بالاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” نحن أمام تحدٍ جديد لاستضافة كأس العالم 2022.
أحد أبرز عوامل النجاح، الذي يشكل عنصرا فاعلا، وركيزة أساسية، هو أن قطر بمجتمعها المتكاتف والمتآزر ملتف حول قيادته عبر التاريخ، وفي مختلف المواقف والاحداث، يسير برؤى واضحة نحو الاهداف التي تخطها القيادة، بصورة تفاعلية وتكاملية، تجسد روح الاسرة الواحدة على الدوام.
التحدي الذي نحن أمامه اليوم هو السعي لاستضافة كأس العالم 2022، وهو قابل للتحقق امام الاصرار والعزيمة اللذين تمتلكهما قطر، قيادة وحكومة وشعبا، اضافة الى الامكانات والتجهيزات الكبيرة التي تتمتع بها قطر، والبنية التحتية المهيأة لاستضافة مختلف الأحداث، مع إيجاد منشآت ومرافق جديدة وفق احدث التقنيات، وقطر قادرة على تنفيذ مثل هذه المشاريع، والالتزام بكل تعهداتها تجاه الطرف الآخر، وهناك شواهد كثيرة على ذلك، فلم يسبق ان اخلت قطر بأي من تعهداتها، وما دورة الالعاب الآسيوية الخامسة عشرة الدوحة 2006 إلا خير شاهد على ذلك، بل ان تلك الدورة اعتبرت واحدة من افضل الدورات الآسيوية، واحدثت نقلة نوعية في تاريخ الدورات الآسيوية، وألقت أعباء ثقيلة على المستضيف التالي الصين هذا العام في تقديم صورة لا تقل مستوى عن التي سبقتها بالدوحة، بل إن مسؤولين صينيين آنذاك قالوا إن قطر ستتعبنا كثيرا في كيفية تنظيم دورة بمستوى لا يقل عن الدوحة 2006، وظل العديد من وسائل الاعلام يتحدث عن الاستضافة القطرية للدورة الآسيوية لفترات طويلة، فقد أبهرت قطر العالم بتلك الاستضافة.
الفارس الذي حمل المشعل بكل اقتدار، وأوقد شعلة الدوحة 2006، وأبهر العالم بفروسيته وقدرته ومهارته بصعوده على صهوة جواده العربي الأصيل الى أعلى استاد خليفة في حفل افتتاح دورة الالعاب الآسيوية،.. هو الفارس نفسه يبهر العالم اليوم بخطواته الواثقة، حاملا أمل دولة، وحلم شعب، في استضافة كأس العالم 2022.
استضافة كأس العالم ستحدث نقلة نوعية في الدولة والمجتمع، ليس فقط على الصعيد الرياضي، بل على مختلف الاصعدة، الاقتصادية والسياحية والفنادق والمواصلات والبنى التحتية، والمرافق الحيوية،..، ومختلف المشاريع، الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ، وستنقل قطر 180 درجة، وهو ما حدث بالفعل مع برشلونة التي استضافت دورة الالعاب الاولمبية 1992، فأحدثت تلك الدورة نقلة في تلك المدينة، فهي اليوم ليست كما كانت قبل ذلك التاريخ، وبالتالي سينعكس المردود الاقتصادي الكبير على كل مرافق الدولة والمجتمع.
وأمامنا اليوم فرصة تاريخية، مطلوب استثمارها بصورة جيدة، والعبء لا يقع فقط على الدور الرسمي او الحكومي او لجنة ملف قطر 2022، انما ايضا الدور الشعبي، فهو يسير جنبا الى جنب مع الدور الحكومي في دعم هذا الملف، وهو ما يتطلب ابراز دعمنا القوي لاستضافة كأس العالم 2022، واظهار ذلك خاصة هذه الايام بوجود وفد لجنة التفتيش عبر صور مختلفة، والتأكيد على اننا كلنا نقف خلف لجنة الملف، وداعمون لاستضافة هذا الحدث الرياضي العالمي الكبير.
يجب ان يكون الهاجس المسيطر علينا كيف يمكن دعم لجنة الملف، وتعزيز موقفها امام وفد لجنة التفتيش اليوم وعلى مدار الايام المقبلة، سواء عبر وضع الاعلام او الملصقات او حضور المباراة التي تجمع فريقي السد والريان اليوم، والتي ستحضرها لجنة التفتيش للوقوف على الجانب التنظيمي والجماهيري.. انا وانت مسؤولان تماما عن دعم استضافة كأس العالم.
البعض يتخوف من هذه الاستضافة بدعوى حضور جماهيري اجنبي الى الدوحة، بثقافته غير المتسقة مع ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا وديننا، واعتقد ان هذا تخوف في غير مكانه، فنحن لسنا دخلاء على الحضارة، بل نحن ابناء امة لديها تاريخ عريق، وحضارة ممتدة الجذور الى عمق التاريخ، ولطالما قادت العالم، وقدمت عظماء، وعيب علينا اليوم ان نخاف من ثقافات الآخرين، ونعتقد اننا سننهزم بمقابلة ثقافة الآخر، يجب ان نعتز بديننا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وان نثق بأننا اقوياء ولسنا ضعفاء حتى ننهزم بمجرد وجود وافد غريب علينا لأيام معدودة، ويجب ان نؤثر في الآخرين ولا نتأثر بهم، هكذا علمنا ديننا، وهكذا علمنا اجدادنا وآباؤنا، ويجب ان نربي ابناءنا كذلك على اننا لسنا ضعفاء، بل نحن ابناء امة لها تاريخ وامجاد وحضارة لطالما استفادت الامم الاخرى منها، ويجب ان نعود الى تلك الامجاد يوما ما.
بل ان الحضور الجماهيري الينا في تلك المناسبة يجب ان نستثمره بصورة جيدة بأن ننقل اليهم تراثنا وعاداتنا، وان نسعى جاهدين لتغيير الصورة النمطية المأخوذة عنا كأمة عربية واسلامية، فكأس العالم فرصة تاريخية لا يمكن ان تتكرر بهذا الحشد الجماهيري الكبير، اضافة الى مشاهدة الملايين من قارات العالم لهذه المنافسات والبلد المستضيف، مما يعني أن تأثيرنا وحضورنا عالميا سيفوق مئات الملايين.
عيب علينا ان نظل متقوقعين أو منزوين في طرف، ويظل يسيطر علينا الخوف من التواصل مع الآخر، او الاعتقاد بأننا سنتأثر بالطرف الآخر،.. ومادمنا واثقين من قدراتنا وتراثنا وهويتنا وقيمنا.. فاننا لن نتأثر، بل سنؤثر في الطرف الآخر، هكذا تعلمنا من تاريخنا، فلو ان اجدادنا خافوا من الاحتكاك بالآخر لما فتحوا العالم بتواصلهم واخلاقهم والقيم والمبادئ التي كانوا يعيشونها في حياتهم اليومية.
وهناك قضية أخرى البعض يتخوف منها، وهي ان المنشآت الرياضية الجديدة المزمع انشاؤها لاستضافة كأس العالم 2022 ربما تقام على اراضي افراد، وهذا غير وارد تماما، وغير صحيح، وتخوف في غير مكانه، فجميع الاراضي التي ستقام عليها تلك المنشآت هي اراضٍ حكومية بالكامل، فالدولة ليست بحاجة الى استملاك اراضٍ من المواطنين لإقامة هذه المشاريع الرياضية عليها، فما لدى الدولة من اراضٍ يفوق مئات المرات المساحات التي يمكن ان تخصص للمنشآت الرياضية.
دعمنا لملف 2022 هو دعم لمستقبل وطننا، ولمستقبل ابنائنا، ولترسيخ حضورنا على الخريطة العالمية في جميع المواقع، ولتأكيد فاعليتنا في مختلف المحافل، ولنقول للعالم اننا جاهزون للتحدي، وقادرون على انجاز أي مهمة تسند لهذا الوطن وابنائه.
قطر لا تستضيف أي حدث لمجرد الاستضافة، بل انها تقدم عملا نوعيا غير مسبوق، يرتقي بتلك الاستضافة، ويعطيها دفعة قوية، وهو ما سيحدث إن شاء الله مع استضافة كأس العالم 2022، فالامل كبير بأن تكون الدوحة هي المحتضنة لذلك العرس الرياضي العالمي، وعندها سيرى العالم منشآت لم يسبق له ان رآها، بل ان احدى ميزات الملف القطري ان عددا من المنشآت والمرافق الرياضية سيتم بناؤها، مما سيتيح توفير تقنيات عالية غير متوافرة في ملاعب الدول الاخرى التي تنافس قطر، وهو امر يحسب للملف القطري، الذي يحمله اليوم شباب في مقتبل العمر، وقمة العطاء، يتقدمهم سعادة الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني، لديهم الإرادة القوية، والتصميم الأكيد، والعزيمة التي لا تفل، والطموح الذي ليس له حدود..
ولنا كلمة