يظل المشهد الإعلامي الخليجي ـ رغم مرور 34 عاما على مسيرة مجلس التعاون ـ الأقل تعاونا وتشابكا فيما بينه، بل سرعان ما يتأثر بالأجواء السياسية التي قد تعصف بأركان هذه المنظومة، شأنه في ذلك شأن بقية القطاعات التي أيضا يكون لها نصيب في التأثر، لكن إشكالية الإعلام أن تأثيره ينحدر إلى الرأي العام، وهو ما قد يخلق إما تقاربا أو احتقانا .
اليوم يجتمع بالدوحة صناع القرار الإعلامي الخليجي، مسؤولين ومفكرين وإعلاميين، وهي فرصة لمراجعة حقيقية لواقع الإعلام الخليجي، بعيدا عن ” مساحيق التجميل “، وكلمات الإطراء؛ فالمرحلة لا تتحمل ذلك، والمخاطر التي تطرق أبوابنا لا تحتمل التأخير، أو تأجيل النظر فيها .. باختصار الجميع مستهدف .
وعندما أقول مراجعة حقيقية لواقع الإعلام الخليجي، لا أستثني بذلك قطاعا أو مجالا معينا، مرئيا كان أو مسموعا أو مقروءا، أضف إليه الإعلام الجديد، وشبكات التواصل، التي أصبحت مجالا خصبا، وسماء مفتوحة لكل من يريد التحرك .. إيجابا أو سلبا .
اليوم في ظل هذه التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، والمخاطر المحدقة بها، نفتقر إلى إستراتيجية إعلامية خليجية واضحة المعالم، تتعامل مع هذه الأحداث التي لا تستثني أحدا ـ أكررها ـ من دول المجلس، وتغيب عنا المعالجات الحقيقية للأزمات التي نتعرض لها بين فترة وأخرى، وما هو موجود في كثير من الأحيان ما هو إلا اجتهادات فردية، من قِبل المؤسسات الإعلامية في كل دولة، دون أن يكون هناك تخطيط مسبق، أو رؤية واضحة للتصدي للهجوم الذي تتعرض له دول المجلس .
قد يستهدف الهجوم دولة في فترة معينة، في مجال معين، لكن سرعان ما ينتقل إلى دولة أخرى، عبر اختلاق أزمات، وفتح ملفات مصطنعة، تنتقل من دولة لأخرى، فإذا كانت قطر اليوم مستهدفة عبر الحديث عن ملف العمال، والادعاء بأن هناك مشاكل تواجه العمال في قطر، فإن دولا أخرى تعرضت لهجوم في مجال آخر، ونحن للأسف نتفرج على ذلك، بل في بعض الأحيان هناك إعلام ـ بقصد أو دون قصد ـ ينشر هذه الحملات المعادية، بدعوى أنها قادمة عبر وكالات أنباء دولية، ومؤسسات إعلامية عالمية، وهو أمر يحز في النفس .
الإعلام الغربي يتبادل الأدوار في شن الحملات على دولنا، بترتيب محكم، وتنسيق متصل، فيما نحن نتفرج وعاجزون بكل صراحة عن التصدي لمثل هذه الهجوم المنظم على دولنا الخليجية، والسبب أننا غير منظمين، ولا نمتلك إستراتيجية، ولا رؤية واضحة، ولا إدارة للأزمات، والأكثر من ذلك أن اجتماعاتنا تنتهي بانتهاء الاجتماع، والكثير مما نتفق عليه لا يترجم على أرض الواقع، بل إن العوامل السياسية، – فلنضع يدنا على الجرح – عند اختلافنا في وجهات النظر، تقف عائقا أمام تعاوننا، حتى في المؤسسات الصحفية والإعلامية الأخرى، وتنسف الكثير من خطوات التعاون القائمة، فلماذا لا نترك الإعلام والإعلاميين في القطاعات المختلفة يعملون دون تأثير السياسة عليهم في حال الاختلاف في وجهات النظر حيال ملفات سياسية داخل الإقليم أو خارجه ؟ لماذا ننزل هذه الاختلافات ـ ليست خلافات ـ من ” قمة الهرم ” إلى القطاعات الأدنى، وهو ما يؤثر على أداء كل القطاعات، ليس الإعلامية فقط ؟ .
في بدايات مسيرة مجلس التعاون الخليجي إلى ما قبل عشر سنوات تقريبا، كان هناك تعاون نشط في مجال الإعلام بين دول الخليج، حتى في مجال الإنتاج وتبادل الزيارات بين الإعلاميين وإقامة الأنشطة المشتركة على المستوى الخليجي والعربي والدولي، إلا أن هذه الأمور اختفت بشكل كامل تقريبا، ولم نعد نرى إنتاج برامج مشتركة، حتى تلك الموجهة للأطفال، ولا نجد زيارات متبادلة بين الإعلاميين إلا ما ندر، والكثير من الأعمال الإعلامية التي كانت تشهدها الساحة الخليجية ” انقرضت “، في وقت نحن أحوج ما نكون إليها .
نحن اليوم بحاجة إلى إعلام خليجي مسؤول، وهذا لن يتأتى إلا عبر تعاون حقيقي يتجاوز نقاط الاختلاف في وجهات النظر البسيطة التي قد تظهر بين فترة وأخرى، لنضع المصلحة العليا لهذا الكيان الخليجي وأبنائه، فنحن جميعا مستهدفون، أكررها، لا بد أن نعي هذا الأمر جيدا، ولا بد للإعلام والقائمين عليه، والمسؤولين عن قطاعات الإعلام في دول الخليج، من إعادة تقييم مسيرة العمل الإعلامي الخليجي، والنظر إلى المستقبل برؤية مختلفة، ترتقي إلى حجم التحديات التي نواجهها .
الحروب اليوم ليست بالطائرات والمدافع والصواريخ، اليوم نحن نعيش حروبا إعلامية، تشن علينا، عبر حملات ممنهجة، هدفها ضرب الوحدة الخليجية، وتفتيت هذا الكيان، والانفراد بكل دولة، وهو ما نشاهده عبر حملات إقليمية ودولية نتعرض لها جميعا أو فرادى، وهو ما يوجب علينا أن نواجه هذه التحديات بعمل إعلامي جاد، بعيدا عن حالة ” الاسترخاء ” التي نعيشها .
إذا لم يدافع الإعلامي القطري عن الشقيقة السعودية، وإذا لم يدافع الإعلامي السعودي عن الشقيقة الكويت، وإذا لم يدافع الإعلامي العماني عن قطر، وإذا لم يدافع الإعلامي الإماراتي عن البحريني .. وهكذا، فمن سيدافع عن قضايانا، هل نتوقع من الإعلام المحرض والمغرض أن يدافع عنا في وجه الحملات الشرسة التي نتعرض لها على أكثر من صعيد ؟ .
إننا نعيش مرحلة دقيقة في مسيرة هذه المنظومة الخليجية، ومرحلة صعبة تعيشها المنطقة، يفترض علينا الترفع عن كل الصغائر، والأمور الثانوية، من أجل التصدي لما هو أكبر، التصدي للمخاطر التي تواجهنا جميعا، تواجه هذا الكيان الخليجي، الذي يراد له الهدم والتفكيك، ولن ترحمنا الأجيال القادمة إذا ما قصرنا في القيام بالأدوار المطلوبة منا، والمسؤوليات التي يجب أن نتحملها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا .
إعلامنا الخليجي مطالب بتحمل مسؤولياته من أجل تدعيم مسيرة مجلس التعاون، والدفع بتكامل أكبر وأعمق، وتعزيز الترابط القائم أصلا عبر التداخل الأسري بين جميع دولنا الخليجية، فنحن جميعنا أسرة واحدة، وما يهدد دولة ما فهو يهدد الجميع، وما تتعرض له دولة ما من هجوم سوف ينتقل إلى دولة أخرى، إذا لم نتصدَّ له جميعنا يدا واحدة، وصفا واحدا، وكلمة واحدة .
◄ كلمة أخيرة ..
أقول لإخواننا أبناء مجلس التعاون، وزراء ومسؤولين وإعلاميين، الذين يتواجدون بالدوحة .. أنتم بين أهلكم وفي بلدكم .. فمرحبا بكم .. نزلتم أهلا .. وحللتم سهلا .. أنتم أصحاب الدار ونحن الضيوف عندكم ..
.. ولنــا كلمة