إغلاق محلات تجارية.. لماذا؟
إلى الآن ـ حسب علمي ـ لم يصدر عن أي جهة معنية أنها قامت بتنفيذ دراسة ميدانية عن الأسباب الحقيقية التي دفعت المئات من الشباب بإغلاق محلات تجارية كانوا يديرونها، على الرغم من الإشكاليات الكبيرة والكثيرة التي وقع بها مجموعة من الشباب الذين دخلوا مجال الاستثمار ـ خاصة في مجال المطاعم ـ لكنهم فشلوا، وتراكمت عليهم الديون، ودخلوا أنفاقا مظلمة.
قبل بطولة كأس العالم في قطر 2022 انتشرت مقولة أنه من لم يستثمر استضافة كأس العالم، ويستغل الفرص، ويعمل له مشروعا استثماريا، ويكسب منه، فإنه لن يتمكن من جمع «ثروة» بعدها مهما عمل.
هذه المقولة أو هذه الصورة الذهنية التي ارتسمت في عقول البعض، دفعته للدخول بأي مشروع، دون تفكير جدي، أو دراسة حقيقية، وربما عدد من الأسباب ساهم بذلك.
للأسف لازالت لدينا عقلية «التقليد» في المشاريع منتشرة بين قطاعات وشرائح لا بأس بها من رواد الأعمال أو المستثمرين الصغار، وربما الكبار أيضا، فنجاح «فلان» في مشروع «ما» يدفع آخرين لتقليده، ظنا أن هذا النجاح سيكون ملازما لهم أيضا، دون معرفة العوامل الحقيقية وراء نجاح ذلك الشخص.
هناك ممن دخلوا تجربة المشاريع لم يكونوا يمتلكون خبرة عملية في المجالات التي استثمروا فيها، ولم يستعينوا بدراسات حقيقية، بل البعض حتى يحصل على موافقة من الجهات الرسمية ـ بنك التنمية أو غيره من الجهات ـ قام بإعداد ما «تسمى» بدراسة للمشروع، لمجرد أن من ضمن متطلبات القرض وجود دراسة، فاستغل أفراد من «تجار الشنط « ـ أو ربما من تضع لافتات مكاتب ـ ذلك وقاموا بتوفير دراسات «وهمية «، تتحدث عن نجاح المشروع، وتحقيق أرباح «خيالية»، بعيدا عن دراسة فعلية لوضع السوق، والمنافسة الموجودة، وعوامل النجاح، والفرص المتاحة.. وما إلى ذلك.
ومع إقرارنا أن مسؤولية الدخول إلى عالم التجارة والاستثمار يقع بالدرجة الأولى على صاحب القرار، إلا أن ذلك لا يعفي الجهات الرسمية من أهمية القيام بأدوار توعية بمخاطر الدخول في عالم الاستثمار دون وعي أو معرفة، فنجاح المشروع لا يتوقف عند توفير المبلغ المالي «رأس المال»، الذي أتى ـ في الغالب ـ من خلال قرض عليه من الفوائد ربما أضعافه، إنما في تسيير المشروع ومتابعته والوقوف عليه بشكل مباشر.
ومن المهم التأكد من دراسات الجدوى، ومدى تشبع المجتمع من بعض المشاريع، وطرح فرص استثمارية جديدة ونوعية أمام رواد الأعمال أو المستثمرين، خاصة الصغار منهم ممن لا يملك خبرات فعلية في مجال الاستثمار والتجارة.
لا نريد أن تتحول بعض المشاريع إلى «فخ» يقع فيه الشاب أو الفتاة الراغب في البحث عن أفق استثماري، وإذا به يصحو بعد فترة وقد «غرق» في الديون، والتزامات مالية لا قدرة له عليها، وقد يتطور الأمر للدخول في دائرة الغارمين.
المؤسسات المالية المانحة للقروض عليها التأكد من دراسات الجدوى، وفرص النجاح، ومدى حاجة المجتمع لمشاريع مكررة بينما هناك فرص في مجالات أخرى مازال يمكن الاستثمار فيها.
لابد على الجهات المعنية إجراء بحوث أو دراسات للوقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعت لتوقف أو إغلاق المئات من المشاريع، أيا كان نوعها أو القطاعات التي تشملها، حتى لا نكرر أخطاء ماضية.
على الجهات المعنية ألا تكتفي بدراسات «نظرية» حول هذه القضية، بل عليها أن تلتقي بأصحاب المشاريع التي أغلقت، للوقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعتهم للتوقف وإغلاق المشروع، وربما الدخول في إشكاليات مالية ترتبت على هذا الإغلاق.
إغلاق المشاريع سلبياتها ليست فقط على صاحب المشروع، إنما تتجاوز ذلك إلى المجتمع ومؤسسات الدولة، وبالتالي يفترض النظر إلى هذه القضية من زاوية أشمل وأوسع من كونها قضية فردية تخص شخصا أو أشخاصا محددين.
نتمنى أن نرى دراسات ميدانية تبحث في قضايا اجتماعية اقتصادية ثقافية..، تعرض المشكلة، وتطرح الحلول، كنوع من الاسترشاد بها لأي طرف ـ فردا كان أو مؤسسة ـ يريد صورة واضحة حيال مشاريع مختلفة قبل الدخول فيها.
مشاكل المشاريع المتعثرة ضررها كبير على المجتمع والدولة، وعلينا الانتباه لها قبل أن تتسع دائرتها، وتصبح «قنبلة» موقوتة قد تنفجر بأي لحظة، وشظاياها ستطول الجميع، وستولد مخاطر عديدة.