استراتيجية قطر.. هل من يأخذ منها العبر؟
تصاعد الحديث في الفترة الاخيرة عن ضرورة تطوير جامعة الدول العربية “العتيدة” وعاد الجدل القديم العقيم حول مسألة تطوير الجامعة أو تحويلها إلى اتحاد….
والحديث عن هذه القضية -تطوير الجامعة العربية- حديث بات مكررا ومملا، واسطوانة “مشروخة” يسمعها المواطن العربي منذ امد لكن دون فعل حقيقي، وهو يدفعنا للتساؤل عن حقيقة وجدية مشروع إصلاح منظومة العمل العربي أولا، والجدوى المنتظرة منها ثانيا، في ضوء السياسات العربية القائمة حاليا، وفي ضوء ما تقدمه من إنجازات أو ما تعانيه من إخفاقات، بمعنى أن السياسات العربية بحاجة إلى تشريح أولا، قبل أخذ التزامات قد لا تفضي إلى أي تصحيح، وكما يقال شرط النهايات تصحيح البدايات. نحن متفقون دون ادنى شك على أن مشروعنا القومي العربي في أزمة، بل أزمة مأزومة، وما بها من شروخ وجراح يستعصى تداركه أو علاجه بمجرد جرة قلم، أو قرار صادر عن إحدى القمم، التي يتوقف نجاحها في العادة على التقاط الصور الجماعية، بينما الرؤى والأفكار شتى.
في ظل هذا الوضع من حقنا إذن أن نقارن بين استراتيجيتين، استراتيجية دولة في ادارة العمل ليس على مستواها القطري فحسب، بل على مستوى الامة، وبين منظومة عربية يفترض ان وجودها قائم من اجل وحدة امة وتكاملها وتصحيح مسارها اذا ما حصل فيه اعوجاج…
من حقنا ان نقارن بين نجاح استراتيجية دولة وهي قطر، وما حققته من نجاحات باهرة، لملمت جراحا، وقادت مشاريع وحدة، ووقفت ضد سيناريوهات تفكيك لاوطان عربية عدة…، تلك الاستراتيجية التي يقودها بمهارة فائقة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، تستوجب من القادة العرب، ومنظري السياسات الخارجية، ومفكري الأمة، الوقوف عندها ومعها، لأخذ الدروس واستخلاص العبر.
وفي الوقت نفسه نقارن بين هذه الاستراتيجية؛ استراتيجية دولة وبين ما حققه العرب تحت لافتة “الجامعة” منذ إعلانها عام 1945، وعقدت قمة أنشاص بمصر 28 مايو 1946، وعقدها نحو 37 قمة (بإضافة قمة الكويت الاقتصادية 19 — 20 يناير 2009) كان آخرها قمة سرت التي انعقدت بتاريخ 28 مارس 2010. علاوة على القمم المصغرة، التي تنعقد عادة لمعالجة ما استعصى على العلاج في القمم المكبرة، فما الذي حققته الجامعة من مشاريع وحدة عربية، او اوقفت ايا من المصائب التي تعرضت لها الامة العربية طوال العقود الماضية،..، هذا ليس تجاهلا لهذه المنظومة، لكن هذا هو الواقع، ولا اعتقد انني وغيري الملايين من ابناء الامة الذين فتحت اعينهم على وجود هذا الكيان متجنٍّ على “الجامعة” التي لا يزال الامل يراودنا بان تكون “جامعة” بالفعل، حاضرة في المشهد العربي بكل تفاصيله.
بالأمس وقف حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير البلاد المفدى في العاصمة اليمنية صنعاء، ليجدد القول ان قطر تسعى لمساعدة اليمن على حل مشاكله، خصوصا في الجنوب الذي يشهد حركة انفصالية متصاعدة، وفي الشمال معقل التمرد الحوثي، وليؤكد تمسك قطر بوحدة اليمن ورفض تدويل مشاكله، وهو الموقف نفسه الذي وقفته قطر وحدها في عز حرب اليمن الانفصالية بعيد حرب الخليج الأولى، وهو موقف قومي عروبي، إسلامي، لم يسايرها فيه الكثيرون، لكن الحق لا يكون دائما إلا حيث يكون.
وعن امكان تدويل ازمة الجنوب الساعي للانفصال من جديد، أكد سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه أننا في قطر “نرفض التدويل ولا نقبل به، بل سنعارض من يفكر في موضوع التدويل للقضايا اليمنية”، واستشهد سموه بالوضع في السودان قائلا بحكمة ان “السودان يدفع ثمن الانفصال بعد أن شاركت دول عربية الجنوبيين في مساعيهم للانفصال”.
بالأمس في العاصمة الاريترية أسمرة، أعلن وزير الخارجية السوداني علي كرتي طي ملف الخلافات بين اريتريا وجيبوتي بعد نجاح المبادرة القطرية في تسوية هذه الأزمة.
وقبل أسابيع تم التوقيع في الدوحة، وتسليم الجامعة العربية نسخة رسمية من الاتفاق بين دولة إريتريا وجمهورية جيبوتي لحل الخلاف الحدودي بينهما بشكل نهائي بوساطة قطر.
قبل ذلك، تم إطفاء نار الفتنة في لبنان، ووأد شرر الحرب الأهلية باتفاق الدوحة التاريخي، الذي تم توقيعه يوم الأربعاء 21 مايو 2008.
وسلام دارفور الذي بدأته قطر وقطعت به أشواطا بعيدة، وقريبا سيصل إلى نهايته، لن ترفع يدها منه إلا باتفاق بين جميع الاطراف بما يؤكد على وحدة السودان الشقيق، محتضنا أبناءه من جميع الطوائف، لتضع حدا لهذه الأزمة التي تسعى بعض الاطراف لإبقاء جذوتها مشتعلة، ليحترق السودان الشقيق، وتتبعثر وحدته، ويتباعد ابناؤه.
أما فلسطين فمواقف قطر، قيادة وحكومة وشعبا أكبر من أن تتحدث عنها أسطر او مقالة، فهي مواقف تتحدث عن نفسها، مواقف جاءت في عز الأزمات وما أكثرها التي عانى ومايزال منها الشعب الفلسطيني، وما المواقف من غزة، والعمل على رفع الحصار عنها عنا ببعيد.
وفي التفاصيل هناك وقوف قطر القومي مع سوريا في مواجهة الهجمة الغربية التي استهدفتها عقب غزو العراق، ودعمها لمقاومة الاحتلال الذي أصبح “مسبة وتشددا” في بعض عواصمنا القومية سابقا، ناهيك عن مساعيها المخلصة في مختلف الملفات، وجميع الأزمات العربية بهدوء ودون ضجيج دائما، من موريتانيا غربا إلى الصومال شرقا.
مثل هذه المواقف القومية، مثل هذه المواقف التاريخية، مثل هذه المواقف التي تذكرنا بسالف مجدنا، وتواسينا في بؤس حاضرنا، تعطينا الأمل في القدرة على إعادة بناء وصياغة مستقبلنا، وإعادة كتابة تاريخنا من جديد.
نحن في قطر لا ننسى، حتى يعلم غيرنا، لكن نتناسى، نعلم وندرك كم جلبت علينا استيراتيجيتنا هذه من المتاعب، لكن في سبيل هدف نرجو من إخوتنا دعمه، إن كانت شعارات الوحدة ومبادئ التعاون والتكامل حقائق سياسية أكثر من مجرد مزايدات دعائية.
فالذين يتحدثون عن الوحدة العربية، ويحدثون ضجيجا عبر الاعلام ومكبرات الاصوات، لا نرى لهم أثرا في الميدان وعلى ارض الواقع، بل ان هناك ” أطرافا ” عربية تعمل على ضرب اي تقارب عربي عربي، وتتفنن في إرباك العمل العربي وادخاله في ” غرفة العناية المركزة “، وتعمل جاهدة على ابقائه ” ميتا سريريا “، وتحاول افشال اي جهد عربي يقوم به المخلصون الشرفاء في هذه الامة من اجل توحيد الصف، ووأد الفتن، وتنقية الأجواء فيما بين عواصمنا العربية.
الحديث فقط عن رغبة ” عاطفية ” في تطوير الجامعة العربية، دون إقران ذلك بعمل مخلص فإن ذلك غير مجد.
نعم هناك قادة عرب لديهم الرغبة الحقيقية ويعملون من أجل تطوير الجامعة بما يواكب تطلعات أبناء هذه الأمة، وبما ينسجم مع أهداف قيام الجامعة، لكن لطالما وضعت العراقيل من قبل العديد من الأطراف لاجهاض هذه المساعي النبيلة، والإيحاء بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، لإبقاء الأوضاع العربية على ما هي عليه، ولتبقى الامة العربية ” كرة ” تتقاذفها الأمم الأخرى، من أجل مصالح شخصية، ومن أجل البقاء على الكراسي، وهي الضمانة التي تقدمها الإدارة الامريكية لمن يعمل في هذا الاتجاه، لكن التاريخ والاجيال لن تنسى اصحاب المواقف المشرفة من قضايا الأمة، وفي نفس الوقت لن تنسى أولئك الذين تآمروا على قضاياها من أجل مصالح شخصية، ومن أجل تنفيذ ” أجندات ” خارجية على حساب ” أجندة ” الأمة وأبنائها.