اعتقد ان الصاق تبعية قطاع الشباب الى وزارة الثقافة والفنون والتراث ادى الى تراجع الاهتمام بهذا القطاع الحيوى والمهم، وهكذا اكرر ليس تقليلا من دور الوزارة او الاخوة الافاضل القائمين عليها، ولكن نظرا لانشغالات هذه الوزارة، ومسؤولياتها تجاه القطاعات الاخرى التى تشكل صلب عملها، وما فى هذه القطاعات من هموم ومشاكل بحاجة الى معالجات، وهى وزارة ” مترامية ” الاطراف، بها ثلاثة قطاعات غير قطاع الشباب،..، كل ذلك وغيره ادى الى هذا التراجع فى الاهتمام بالبرامج والانشطة الخاصة بالشباب، بل انه حتى كلمة الشباب غير مدرجة ضمن مسمى هذه الوزارة، ففى كثير من الاحيان لا يعرف قطاع الشباب يتبع من، خاصة للجهات الخارجية التى تريد بيانات ما، او التواصل مع قطاع الشباب، فانها تسأل اكثر من مرة لمجرد الوصول او معرفة الجهة المعنية.
نعم هناك اهتمام بالقطاع الرياضي، الذى تشرف عليه اللجنة الاولمبية الرياضية بأجهزتها واذرعها المختلفة، والذى يشكل الشباب العنصر الفاعل فيه، وهناك رعاية وتوفير مرافق وخدمات على مستوى عال جدا، لكن ليس كل الشباب هم من المنتسبين الى القطاع الرياضي، وليس كل الشباب رياضيين، فهناك فئات كثيرة ممن يمتلكون المواهب الاخرى، سواء ثقافية او علمية او اجتماعية او خدمية…، ولا يجدون متنفسا لممارسة هواياتهم، ولا يجدون من يتبنى مواهبهم او يصقلها، او ينمى امكاناتهم، او يدعم قدراتهم،..، فما يحدث اليوم هى اجتهادات فردية من قبل الشباب فى البحث عن متنفس لتنمية مواهبهم، او شغل اوقات فراغهم، الذى من المؤكد ان فترات الصيف تتضاعف فيها اوقات الفراغ دون ان نجد مرجعية متخصصة فقط بالشباب تتبنى وضع البرامج والفعاليات، وتنفذها على ارض الواقع.
اعتقد ان هناك غيابا واضحا لاستراتيجية محددة المعالم لاستثمار طاقات الشباب فى مراحلهم العمرية الاولى، وكيفية التعامل مع متطلبات هذه المرحلة، سواء متطلبات روحية او فكرية، ووضع رؤية ترشد هذه الفئة الى ما يجب ان تقوم به فى هذه المرحلة.
هناك ادارة للشباب فى وزارة الثقافة، الحقت بعد الغاء الهيئة العامة للشباب والرياضة، هذه الادارة تبذل جهودا مقدرة، وتسعى للقيام بواجبها تجاه الشباب، لكن فى نهاية الامر تظل ادارة، مهما بذلت، ومهما عملت، يظل دورها محدودا، وصلاحياتها لا تتجاوز صلاحيات أى ادارة اخرى.
لذلك اعتقد انه آن الأوان للتفكير بامكانية ايجاد وزارة متخصصة بالشباب، خاصة ان الشريحة العمرية من 10 سنوات الى 34 سنة تشكل ما نسبته 51 %، أى اكثر من نصف المجتمع، فهل يعقل ان اكثر من نصف المجتمع لا يجد مرجعية خاصة به تتولى الاشراف المباشر عليه، وتعمل على تنفيذ استراتيجية متخصصة فى شؤونه، وتضع اهدافا تمكنه من تجاوز العقبات التى تعترض طريقه وما اكثرها فى هذه المرحلة، وتسعى الى الدفع به فى الحياة العامة بفاعلية اكثر، وتجعل منه انسانا منتجا وفق رؤية تنسجم مع الرؤية الوطنية الشاملة للدولة.
اقامة انشطة صيفية فى الاندية خلال فترة الصيف ليس هو نهاية المطاف، ولا تشكل نسبة كبرى من عمل المظلة المباشرة لقطاع الشباب، وزارة كانت او هيئة او مؤسسة، بل ان هناك ادوارا تتجاوز شهرا او شهرين، وهى مدة الصيف، التى يتم فيها تنفيذ انشطة صيفية، فهؤلاء الشباب بحاجة الى متابعة اولا بأول طوال العام، وبحاجة الى اعداد برامج تواكب المرحلة التى يعيشونها، وتواكب عالم اليوم وما فيه من تحديات كبرى، تستهدف الشباب تحديدا، وهو ما يجعل من وجود جهة متخصصة ومعنية بالشباب فقط امرا ضروريا.
هناك قضية مهمة تقع على عاتق الوزارة او المؤسسة او الهيئة، وهى الحفاظ على هوية الشباب فى هذه المرحلة العمرية الحرجة، التى تتطلب تكثيفا للجهود للحفاظ على هذه الثروة القومية، فالتيارات التى تعصف بعالم اليوم، والانفتاح الكبير على الثقافات، وتداخل المجتمعات، والتواصل على مختلف المستويات وبين كل القطاعات، يجعل الحفاظ على هوية وثقافة هذا الجيل يمثل هدفا رئيسيا فى كل المجتمعات ولدى كل الدول، ويمثل فى الوقت نفسه تحديا كبيرا امام الجهات المعنية، فليس من السهل المحافظة على الهوية والثقافة فى ظل العولمة وشبكات التواصل الاجتماعى والاعلام الحديث الذى لا يمكن فصله اليوم عن حياة الشباب، فاذا لم تكن لدينا استراتيجيات واضحة المعالم، وخطط ورؤى محددة، وجهات متخصصة ومتفرغة لهذا القطاع، فاننا سنفقد الكثير من شبابنا، الذين تتقاذفهم اليوم تيارات شتى، هى فى كثير من الاحيان تتضارب مع اخلاقياتنا وقيمنا وعاداتنا الاجتماعية وديننا الاسلامى الحنيف.
قطاع الشباب بحاجة الى مظلة وكيان مستقل ومتفرغ، لايلائه المزيد من الاهتمام والرعاية، وتوفير الدعم المعنوى والمادى لهؤلاء الشباب، الذين يمكن ان يساهموا بفاعلية اكثر فى قضايا المجتمع، وفى التنمية الشاملة اذا ما احسن توجيههم وارشادهم وصقل مواهبهم…
نحن بحاجة الى هذا الكيان داخليا وخارجيا كذلك، فى التمثيل بالمحافل الاقليمية والقارية والدولية، لهؤلاء الشباب، واشراكهم فى الملتقيات الخارجية، وانفتاحهم الواعى على الثقافات الاخرى.
لا يجب الاعتقاد بان وجود هذه المظلة هو ترف او زيادة عدد موظفين، او مجرد رقم فى عدد الوزارات بالدولة، هناك ادوار مهمة يمكن لهذا الجهاز او المظلة القيام بها اذا ما احسن اختيار مسؤوليه وافراده.
الشباب اليوم يمثلون نصف المجتمع، وفى الغد سيكونون قادة المستقبل، فاذا لم يتم الاعتناء بهم، وتوفير الرعاية الحقيقية، فكرية كانت او روحية او ثقافية…، فاننا سنخسر الكثير من عطاء هذا الجيل فى خدمة المجتمع، والارتقاء بأداء الدولة، او على اقل تقدير فان نسبة مساهماته فى تقدم المجتمع وازدهاره لن تكون على المستوى الذى لو وجد فيه الرعاية والاهتمام والعناية منذ بداية وعيه وفهمه، وانتهاء بتجاوزه لمرحلة الشباب.
بدأ الصيف، وغاب الشباب عن المشهد المحلى خلال هذه الفترة المهمة، التى عادة تخلو من النشاط المحلى المدروس والمنظم بشكل جيد، بعد ان اصبح الفراغ هو المسيطر على اوقات الشباب فى هذه الفترة من العام.
اقول ذلك ليس اقلالا من دور الجهات المعنية بالشباب، لكن من الواضح ان غياب المرجعية المعنية مباشرة، والمتخصصة فقط بالشباب، ادى خلال السنوات القليلة الماضية الى غياب البرامج والانشطة ذات المضامين التى تتناسب مع هذه الفئة المهمة فى المجتمع، وادى ايضا الى ان تنفيذ العديد من الانشطة ما هو الا من باب ” تأدية الواجب ” تجاه هؤلاء الشباب.
ولنا كلمة