مقالات

الحوادث المرورية.. مسؤولية من؟

هل مطلوب من وزارة الداخلية وضع شرطي لمراقبة كل سائق؟

جهود وزارة الداخلية لا يمكن أن تحقق نجاحاً يتطلع إليه المجتمع، إلا بتعاون وتكاتف الجميع، أفراداً وأسراً ومؤسسات ومنظمات وجمعيات..، فلا يمكن وضع شرطي لمراقبة كل سائق، ولا يمكن “زرع” شرطي في كل شارع، ولا يمكن تخصيص شرطي لكل مواطن ومقيم،..، وليس من المعقول أصلاً القيام بذلك.

الحديث عن تحميل وزارة الداخلية مسؤولية حوادث الطرق أمر غير منطقي، وأنا هنا لست مدافعاً عن هذه الوزارة أو مسؤوليها، ولكن نحن كسائقين وقائدي مركبات وأولياء أمور وجهات تربوية وتعليمية نتحمل المسؤولية فيما يجري في شوارعنا، إذا كنا منصفين ونريد حلاً فعلياً لما يقع في الشوارع من حوادث.

ما الذي يمكن أن تفعله وزارة الداخلية أكثر من التوعية بمخاطر الحوادث وسن القوانين وتشديد العقوبات ووضع آليات لتنفيذ القوانين..، نعم قد يكون لدى وزارة الداخلية قصور في أحد الجوانب، وهو أمر طبيعي، فليس هناك جهة تتمتع بالكمال، ولكن قبل البحث عن نواقص وسلبيات الآخرين، ماذا فعلنا نحن كأفراد وأسر وأولياء أمور من خطوات عملية للحد من الحوادث؟ وماذا قدمنا من دعم للجهات المعنية في الالتزام بالقوانين والتشريعات المفروضة؟.

مشكلتنا اننا نطالب الآخرين بإيجاد حلول لمشاكل نحن طرف رئيسي فيها، بينما لا نساهم أو نساعد تلك الأطراف في الحلول، إنما كل الذي نفعله، البحث عن ” شماعة ” لتعليق أخطائنا وقصورنا، يجب أن نعترف بذلك، ليس فقط في قضية الحوادث المرورية، إنما حتى في قضايا مجتمعية أخرى، ننتقد ولكن لا نساهم في إيجاد الحلول العملية، أو العمل مع الجهات المعنية لتصحيح الأخطاء، هذا هو حال الغالبية منا، إلا من رحم الله.

أعود لقضية الحوادث المرورية.. هل هناك التزام منا نحن كسائقين بالسرعات المحددة على الطرقات؟ هل هناك التزام منا كسائقين بعدم استخدام الهاتف النقال في المحادثات أثناء القيادة؟ هل هناك التزام منا كسائقين بعدم كتابة الرسائل الهاتفية أو استخدام البلاك بيري أثناء القيادة؟ هل هناك التزام منا كسائقين باستخدام حزام الامان..؟… هل.. هل…

يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، نحن في الغالب غير ملتزمين بقواعد وقوانين المرور أو أنظمة الحركة المرورية، الكثير منا يقود سيارته بسرعة جنونية وعندما يقترب من مكان فيه رادار يخفف السرعة الى الحد المطلوب، وبمجرد تجاوز الرادار بأمتار قليلة يزيد السرعة، أليس هذا واقعاً نعيشه؟.

ألا يقوم جميعنا بالحديث بالهواتف النقالة مباشرة وكتابة الرسائل خلال قيادة السيارة، وإذا ما اقتربنا من دوار فيه سيارة شرطة وضعنا الهاتف جانباً للحظات لمجرد تجاوز سيارة الشرطة أو الشرطي الواقف، ثم نعود لسيرتنا الأولى، أليس هذا ما يحصل؟.

نركب سياراتنا في الغالب دون أن نستخدم حزام الأمان، وإذا ما اقتربنا من سيارة شرطة أو دورية سارعنا بوضع حزام الأمان، ولو لم نر تلك الدورية ما أقدمنا على ذلك، أليس هذا هو الواقع؟.

الآباء وأولياء الأمور الذين يفترض أنهم يمثلون القدوة لأبنائهم، يضربون عرض الحائط بقوانين المرور، ويخالفون تلك الأنظمة جهاراً نهاراً وابناؤهم يجلسون بجوارهم، فماذا تريدون من الابن أن يكون؟!

أب يقود سيارة بسرعة تتجاوز ما هو مسموح به، وابنه جالس بجواره، ثم يخفف السرعة عندما يصل الى نقطة رادار، ويقوم بكتابة رسائل في البلاك بيري، ويتحدث مع المتصلين عبر سماعة الأذن، فهل تريدون من الابن أن يتقيّد بقانون المرور، إلا من رحم ربي من الشباب.

للأسف غالبيتنا يقدم على سلوكيات خاطئة أثناء قيادة السيارة، ولا نعترف بذلك، بل البعض منا يتمادى في ذلك، ويرفض تقبّل أي نصيحة من أي جهة كانت، وقبل ذلك بالطبع ينزعج إذا ما تعرض لمخالفة مرورية، ويعتبر ذلك أمراً غير مقبول، ويمثل تعدياً عليه!

أبناؤنا يقودون سيارات وهم ربما دون السن القانونية، وإذا ما تعرضوا لمنع أو إيقاف من رجال المرور، أو حجز سيارة، رفضنا ذلك، واتهمنا رجال المرور بأنهم متحاملون على أبنائنا وعلينا، ولا نتورع من توجيه اللوم والانتقاد لرجال المرور، في حين نبرئ ابناءنا تماما من الخطأ، وهذا صحيح أبناؤنا غير ملامين، لأننا نحن من يجب أن يوجه لهم اللوم، بل والعقاب أيضا.

يتم حجز سيارة أحد الشباب الذين هم دون السن القانونية للقيادة، فيذهب والده إلى المركز الذي تحتجز به السيارة مطالباً بالإفراج عنها، وعندما رفضت إدارة المركز ذلك، قال لهم وهو خارج “خلو السيارة لكم.. أنا باطلع له وحدة جديدة “، وبالفعل اشترى لابنه سيارة أخرى جديدة، وما هي إلا أيام لم تتجاوز الاسبوع، إلا وذهب هذا الشاب ضحية حادث مروري بالسيارة التي اشتراها له والده، فمن هو المتسبب الحقيقي في وفاة هذا الشاب؟.

نحن الذين ندفع بأبنائنا إلى التهلكة، باستهتارنا بالقوانين والأنظمة، التي مهما كانت مشددة فإنها لن تحمينا من الحوادث طالما لم تكن هناك قناعة داخلية بأن هذه القوانين والتشريعات هي لمصلحتنا ومصلحة المجتمع بأسره.

الوقاية من الحوادث تبدأ من الأسرة، تبدأ بتعاون الجميع مع الجهات المعنية، ومع المشرع، ولا نريد كلما وقعت فاجعة نصحو على قضية الحوادث المرورية، ونحمّل الداخلية المسؤولية الكاملة، ونطالبها بإجراءات للحد من الحوادث، وكأنها البوابة الوحيدة لإغلاق هذا الملف.

لا أدافع عن الداخلية، ولكن الحق يقال، فهذه الوزارة هي الأحرص على خدمة المجتمع، وإنجازاتها على أرض الواقع تتحدث عن نفسها، وليس المجال هنا للحديث عن ذلك، بل من الواجب علينا جميعاً، أفراداً ومؤسسات التعاون مع هذه الوزارة، التعاون الإيجابي بدلا من السلبية التي يعيش فيها البعض، وألا يكون التزامنا بالقوانين نابعاً من الخوف عند رؤية الشرطي أو رجل المرور، بل يجب أن يكون التزاماً داخلياً نابعاً من قناعة وإيمان بهذه القوانين وضرورة التقيد بها، بعيداً عن تواجد رجال الأمن، أو كاميرات المراقبة أو رادار المخالفة.

المحافظة على أمن واستقرار المجتمع وأرواح أبنائه ليست فقط مسؤولية وزارة الداخلية، بل هي مسؤوليتنا جميعاً، فهل نعي هذه الحقيقة، ونترجمها على ارض الواقع؟.

►  كلمة أخيرة:

اعتباراً من اليوم بدأت دار الشرق حملة توعية بمخاطر استخدام الهاتف النقال وكتابة الرسائل خلال قيادة السيارة، وما يترتب على ذلك من حوادث قاتلة، من خلال تخصيص صفحة كاملة يومياً لنشر اعلانات بذلك.

وما تقوم به دار الشرق ما هو إلا واجب ومسؤولية اجتماعية تقوم بها، وجزء من رسالتها في خدمة المجتمع، والتعاون مع كافة وزارات ومؤسسات الدولة والمجتمع من أجل تحقيق هذا الهدف السامي.

 

تابعت كما تابع الكثيرون غيري النقاش الدائر في المجتمع حيال الحادث الأليم الذي وقع يوم الجمعة قبل الماضي لأسرة قطرية، راح ضحيته ثلاث أخوات فاضلات من أسرة كريمة، نسأل الله عز وجل أن يسكنهن فسيح جناته، وأن يلهم أهلهن الصبر والسلوان.

هذا الحادث الأليم يفتح مجدداً الحديث عما يطلق عليه بـ ” نزيف الشوارع “، على الرغم من انخفاض معدلات الوفيات بحوادث الطرق في العام الماضي عن العام الذي سبقه، وهو أمر يحسب لوزارة الداخلية، والجهد الكبير الذي تقوم به، إلا أن اليد الواحدة -كما يقولون- لا تصفق.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x