الدوحة تجمع العالم لترسيخ العدالة
اجتمع العالم في الدوحة تحت عنوان «ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس» وهو اختصار لجوهر الأزمات والنزاعات التي تعصف بدول العالم في مختلف القارات، فمتى ترسخت العدالة استقامت الأمور واستقرت الاضطرابات وهدأت الصراعات.
في منتدى الدوحة اجتمع رؤساء الدول والحكومات وقادة المنظمات الإقليمية والدولية والمدنية لمناقشة قضية ترسيخ العدالة من مختلف المحاور وعبر جلسات متعددة للوصول إلى أفكار يستند إليها صناع القرار لتحويل العدالة إلى واقع ملموس.
إن قضية ترسيخ العدالة تعتبر إضافة مهمة إلى المسؤوليات الجسام التي برعت قطر في تحملها، ودورا جديدا يضاف إلى الأدوار الناجحة والمميزة التي تقوم بها الدبلوماسية القطرية في الوساطات التي أصبحت إحدى أبرز ركائز السياسة الخارجية القطرية.
وكما قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، إن «منتدى الدوحة ينعقد هذا العام في ظروف إقليمية ودولية تحتاج إلى تكاتف جميع الجهود لخفض التوتر، ودعم السلام والاستدامة في منطقتنا والعالم، من خلال ترسيخ العدالة، وتعزيز التنمية الإنسانية ومبادئ الحلول السلمية لمختلف النزاعات».
إن تكاتف الجهود هي الأولوية المطلوبة من الجميع لترسيخ العدالة، فلا سلام يتحقق بدون عدالة، ولا ازدهار يكتمل بدون تنمية، وهذا ما تتمحور حوله المناقشات والجلسات في منتدى الدوحة الذي أصبح منصة عالمية جامعة.
وهنا لابد من التوقف عند النجاح الكبير الذي حققه منتدى الدوحة على مدى 23 عاما حتى أصبح المنتدى الأول والأكثر استقطابا من خلال الأرقام القياسية التي حققها عاما بعد عام، وتطور بشكل مبهر حتى وصل في نسخته الحالية إلى 471 متحدثاً من نحو 160 دولة وعقد 125 جلسة، وحضور ومشاركة أكثر من 6 آلاف شخص، بينهم رؤساء دول وحكومات ومسؤولون عرب وأجانب وقادة منظمات دولية، أبرزهم الرئيس السوري أحمد الشرع، ورئيس الحكومة اللبنانية د. نواف سلام و19 وزير خارجية أبرزهم وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ووزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس.
كذلك يحضره رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورج بريندي، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس.
ولعل ما يؤكد اتساع النطاق العالمي للمنتدى أن هناك زيادة ملحوظة في عدد المشاركين الدوليين الذين اختاروا الحضور إلى الدوحة بمبادرات شخصية، فضلا عن الزيادة الكبيرة في إبداء الاهتمام بالمنتدى والتفاعل مع الموقع الإلكتروني الرسمي للمنتدى.
إن مسيرة منتدى الدوحة حافلة بالنجاحات واستطاع المنتدى منذ انعقدت نسخته الأولى عام 2001، استقطاب كبار الرؤساء والزعماء والقادة ليصبح منصة عالمية للحوار تجمع صناع القرار لمناقشة التحديات الكبرى في العالم، والتي تقود إلى صناعة السياسات ووضع توصيات عملية قابلة للتنفيذ.
كما أن منتدى الدوحة امتاز بتزامنه مع نسخة شبابية تتيح أوسع مشاركة للشباب من حول العالم للخوض في مناقشة القضايا العالمية والإقليمية، وإبداء وجهات نظرهم وهي وجهات تستحق التقدير وجديرة باهتمام صناع القرار، كون هؤلاء الشباب يشكلون ركيزة أساسية لصناعة المستقبل وقيادة الغد.
إن استمرار انعقاد نسخ هذا المنتدى طوال أكثر من عقدين من الزمن، وبهذا الزخم الكبير من المشاركين، رغم كل التحديات والأزمات والصراعات التي عصفت بالإقليم وعلى المستوى العالمي، يحمل دلالة واضحة على الإرادة الحقيقية لدولة قطر بالمضي قدما نحو تحقيق الأمن والسلام والاستقرار، والانحياز التام إلى الإنسان، وبذل كل ما تستطيع من أجل إبعاد الصراعات والحروب عن المجتمعات.
هذه المزايا التي ينفرد بها منتدى الدوحة تجعله كما قال معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية: «منصة لتعزيز التعاون بين الحكومات والمجتمعات والمنظمات الإنسانية لتحقيق مجتمع أكثر إنصافًا وأمناً».
لقد توج منتدى الدوحة مسيرته بهذه النسخة التي تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وشمل افتتاحها بحضوره ورعايته.
كما استحقت عن جدارة النجاح من خلال الموضوع الذي اختارته وهو ترسيخ العدالة وتحويلها إلى واقع ملموس، وهذا الموضوع الجوهري تتفرع منه كل التحديات والأزمات، وهذا ما أشار إليه معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية أن «الحلول العادلة وحدها هي التي تصنع السلام المستدام».
وتكمن مشكلة العالم في غياب العدالة، والإفلات من العقاب وتقاعس القانون الدولي عن المساءلة ولذلك يقول معاليه: «نحتاج إلى إعادة الثقة بالقانون وإلى منظومة دولية أكثر عدلاً». وهذه الثقة تتطلب الكف عن ازدواجية المعايير وترجمة الأقوال إلى أفعال.
منتدى الدوحة في نسخته الثالثة والعشرين إنجاز مهم يضاف إلى إنجازات الدبلوماسية القطرية التي أبهرت العالم بقدرتها على ابتكار الأفكار وترجمة الجهود في وساطات ناجحة تطوي النزاعات وتفتح صفحة الحلول والتسويات الحقيقية، النابعة من معالجة جذور الأزمات، بعيدا عن المهدئات أو التوقف الوقتي للصراعات.

