المسجد الأقصى يستغيث.. فهل من مغيث؟
اليوم الاراضي الفلسطينية مشتعلة، والشعب الاعزل يواجه العدو المدجج بافتك انواع الاسلحة، دفاعا عن مقدسات هي ليست للفلسطينيين وحدهم، كما يحاول البعض تصوير ذلك، بل هي للامة كلها، ومطلوب اليوم وقفة رسمية، وهبة شعبية، للحيلولة دون وقوع الكارثة المتمثلة بهدم المسجد الاقصى، وبناء هيكلهم المزعوم.
هذه الاحداث المحزنة التي تقع في الاراضي الفلسطينية تأتي على اعتاب قمة عربية تعقد بعد ايام في الشقيقة ليبيا، وهو ما يفرض تحديا امام الزعماء العرب، فالخطر داهم، والعدوان لا يستثني احدا، واطماع “اسرائيل” ليس لها حد، وغطرستها لا يوقفها خنوع او ابداء رغبة بسلام، انما عمل حقيقي وجاد، وفعل يقابل الافعال “الاسرائيلية” على ارض الواقع.
آن الأوان للعرب ان يعيدوا حساباتهم فيما تسمى بـ “علمية سلام” مضى عليها اكثر من 18 عاما وهي تدور في حلقة مفرغة، بل ان العدو استفاد في هذه الفترة اضعاف ما كان قد حققه في سنوات خلت، خاصة في التوسع وبناء المستوطنات والمضي قدما في تهويد القدس.
آن الأوان لما تسمى بـ “السلطة الوطنية” ان تعيد حساباتها، وتعلن رسميا انها نفضت يدها من مشروع “اوسلو”، وانها ستعود الى خندق المقاومة، وتلتحق بشعبها المقاوم، بدلا من الارتماء في احضان المشروع الاسرائيلي الامريكي طوال السنوات الماضية، الذي لم يجلب سوى الويلات على الشعب الفلسطيني.
سبق ان كتبت مقالا بعنوان “ماذا بقي في السلطة؟”، واليوم اعيد نفس السؤال، فقوات الاحتلال تحاصر مناطق السلطة، التي اصلا لا سلطة لديها على هذه المناطق، انما اسما فقط، فلطالما اقدمت القوات الاسرائيلية على اغتيال قادة المقاومة من المناطق التي تسيطر عليها دون ان تحرك ساكنا، هذا اذا استبعدنا قضية التعاون الامني القائم اصلا بين الاجهزة الامنية في السلطة وبين “اسرائيل”.
السلطة مطالبة اليوم بالتبرؤ التام من مواقفها السابقة، حتى لا تشكل غطاء للاعمال الاجرامية التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد اهلنا في الاراضي المحتلة.
فصائل المقاومة مطلوب منها اليوم التوحد بعيدا عن اي تحزب، والارتقاء الى تطلعات ابناء الشعب الفلسطيني، وحتى يكونوا عند مستوى التحدي الذي يواجه القدس والاقصى والمقدسات الاسلامية في فلسطين، فالامر جد خطير، والاولوية اليوم لوحدة وطنية تجعل مشروع المقاومة هو الرمح الذي يواجه به المشروع الصهيوني.
لا نريد للراية في فلسطين ان تسقط وهي لن تسقط بقيام الصهاينة باقتراف جريمة هدم المسجد الاقصى، ولا نريد للعرب التفرج طويلا على المشاهد المؤلمة التي يتعرض لها اهلنا في فلسطين، وكان الامل ان يكون العدوان على غزة آخر المشاهد المؤلمة التي يسمح العرب لأنفسهم بالتفرج عليها دون حراك، سوى من قبل دوحة العرب عندما استنهضت همم العرب في قمة غزة التاريخية نجدة لأهلنا في تلك البقعة المباركة.
فلسطين والقدس تنادي اليوم، وسقوطها يختلف عن كل المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، فالقدس هي رمز للامة.. رمز للكرامة.. رمز للعزة.. هي الراية التي ان سقطت سقطت معها الامة بأسرها.
طوال العقود الماضية ظلت الدولة العبرية تبحث وتنقب تحت القدس، بدعوى البحث عن آثار يهودية، ومنذ احتلال القدس وتحديدا منذ 1967، لم تتوقف فرق التنقيب اليهودية عن البحث من اجل ايجاد مبرر يعزز من مساعيهم لهدم المسجد الاقصى، ولم تتوصل هذه الفرق بشهادة خبراء الآثار اليهود الى اي اثر يهودي، ولم يعد الوقت في صالحهم لانتظار المزيد من التنقيب، فكان المسعى الجاد لبناء الكنيس او ما يسمى بـ “الخراب”، الذي في معتقدهم انه اذا ما تم الانتهاء من بنائه، فانه يعقب ذلك مباشرة هدم المسجد الاقصى، وهو ما يسعون اليه اليوم.
القدس امانة في اعناقنا، ويجب عدم السكوت على ما يجري في الاراضي الفلسطينية من تهويد وتشريد وتقتيل وهدم للمقدسات، التحرك العملي هو المطلوب، والعرب ما زالت لديهم اوراق يمكن تحريكها بقوة بشرط الانفكاك من التبعية للمشروع الاسرائيلي الامريكي.
الامة يمكنها فعل الكثير، وعلى القمة العربية القادمة ان تصالح الشعوب العربية قبل كل شيء، وان ترتقي الى مستوى التطلعات والآمال المعقودة عليها، والتصدي لمشاريع الهيمنة التي تحاول بسط سيطرتها على مقدرات الامة، والترفع عن الصغائر من الخلافات والاختلافات، فما يحدث في فلسطين سوف يطول عربا آخرين، والسطوة والغطرسة الاسرائيلية لن تقفا عند ابواب القدس والمسجد الاقصى الذي يستغيث اليوم دون أن يغيثه أحد، فالتطلعات الصهيونية اكبر بكثير، وتنظر الى ابعد من ذلك، وتراهن على الضعف العربي، والتشتت القائم، والصراعات المتعددة، والخنوع للارادة الاسرائيلية،..، وعلى العرب التخلص من حالة الوهن الذي يمرون به، والانتقال الى مرحلة تصحيح المسار، حتى لا يفاجؤوا يوما انهم يسكنون خارج ديارهم.
ها هي القدس والاقصى الشريف يئنان من جديد، وها هو الاحتلال يشدد قبضته على هذه المدينة المقدسة في ظل تخاذل عربي، وسكوت اسلامي، ومباركة دولية فعلية، وان كانت عبارات الشجب والانتقاد قد تتصدر وسائل الاعلام، وقرارات اممية حالها كحال بقية القرارات منذ التقسيم الى يومنا هذا، والتي ضربت بها “اسرائيل” عرض الحائط، دون ان يتجرأ احد على محاسبتها.
اليوم تكتمل حلقات التآمر “الاسرائيلي” لهدم المسجد الاقصى، وبناء كنيسهم المعروف بـ “الخراب”، الذي يمثل الخطوة الاخيرة والممهدة لهدم المسجد الاقصى وبناء هيكلهم المزعوم على انقاضه، دون ان يتحرك العالم العربي، بل ان الحديث في العالم العربي مقتصر على ما تسمى بـ “علمية السلام” المزعومة، في وقت يمارس فيه العدو على الارض خطوات تكرس اغتصابه لمقدسات الامة، غير آبه بالتأكيد بكل التصريحات الصادرة من الانظمة العربية، التي تعلن تمسكها بمبادرة السلام، على الرغم من ان “اسرائيل” قد تجاوزت الحديث عنها، ولم تعد تعيرها اي اهتمام، وهي محقة بذلك، فالوضع العربي لا يدعو “اسرائيل” لكي تصغي ولو قليلا للعرب ولما تقوله الانظمة العربية الرسمية، التي تستجدي “نظرة” و”التفاتة” ولو بطرف عين واحدة، لكي تحفظ هذه الانظمة ماء وجهها، المنسكب في الطرقات بحثا عن سراب اسمه سلام.
ولنا كلمة