النموذج الخليجي ككيان يراد اليوم «دفنه» لتفريغ الساحة أمام المخططات المعادية
لقد حاولت بعض الأطراف وبعض وسائل الإعلام، الإيحاء بأن السعودية هي التي قامت بالاعتداء على مجموعة ” الحوثيين “، بينما الحقيقة تقول: إن هذه المجموعة هي التي اعتدت على الحدود السعودية، وسعت إلى توسيع نطاق رقعة التمرد، والدفع بدول الجــــوار للدخـــــول في حرب هــــي ليست طرفــــا فيها.
وكان موقفاً موفقاً من دول مجلس التعاون الخليجي عندما أكدت ـ في اجتماعها الوزاري بالدوحة ـ دعمها الكامل للمملكة في التصدي للاعتداءات التي تعرضت لها، وهو موقف ـ بالتأكيد ـ نابع من التلاحم القائم بين هذه المنظومة الخليجية، التي نتطلع إلى مواقف أكثر قوة وصلابة في التعامل مع الخارج، والتأكيد على أن مجلس التعاون هو كتلة واحدة، حتى وإن ظهرت اختلافات في وجهات النظر، حيال بعض القضايا، وهو أمر طبيعي، ويحدث في الأسرة الواحدة، إلا أن الموقف الخارجي في مواجهة أي عدوان أو استفزاز يظل موقفاً واحداً، فما يمس أي دولة خليجية يمس شقيقاتها الأخريات.
لقد شهدت دول مجلس التعاون مجتمعة نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وحققت إيرادات مالية عالية، خصص النصيب الأكبر منه للتنمية، وهو ما مكن هذه الدول من تحقيق طفرة نوعية، بفضل سياساتها الواعية، واهتمامها بالإنسان، وحرصها على الارتقاء بأوطانها، وتسخير هذه الإمكانات من أجل الحاضر، وبناء المستقبل، ومن أجل الأجيال القادمة.
هذا التوجه لا يعجب بعض الأطراف، وغير مرحب به لدى أطراف أخرى، أفراداً وجماعات ودولا، وبالتالي يستهدفون أي تنمية تحدث في دولنا الخليجية، ويعملون على عرقلة ذلك، عبر طرق مختلفة، حتى وإن وصلت هذه العرقلة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الدول الخليجية.
اليوم، الدول الخليجية مطالبة أكثر، بتوحيد صفها، فالتحديات التي تواجهها لا تقتصر على قطاع دون آخر، بل إن هناك استهدافاً واضحاً، وربما المرحلة المقبلة تشهد وضوحاً أكبر وأكثر، وهو ما يعني ضرورة الترفع عن أي خلافات أو اختلافات أو ” سحب صيف ” تمر بها ـ أحيانا ـ العلاقات الخليجية الخليجية، فالتحديات أكبر من كل الاختلافات.
وإذا كان ” الحوثيون ” قد ” تحرشوا ” اليوم بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، فإن الغد ربما يشهد ” تحرشات ” أخرى تقوم بها جماعات، أو دول، ضد دولة خليجية أخرى، فإذا لم يكن مجلس التعاون واعياً لهذا الأمر، فإننا سنؤخذ على عين غِرة، وعندها لن ينفع الندم، ويجب على دولنا الخليجية أخذ دروس من المرحلة الماضية، وما واجهته من مخاطر ومشاكل وأزمات.
المنطقة اليوم مهددة بمخاطر، وربما يدفع البعض نحو ” تفجيرها ” من جديد، لأهداف شتى، ليست فقط استنزافاً مالياً أو تدميراً لبنى تحتية، إنما الأمر قد يتجاوز ذلك لمخططات، قد تستهدف تفتيت دولنا، بعد أن ” يُكْسَر ” مجلس التعاون الخليجي، الذي ظل صامداً في وجه كل التحديات، طوال العقود الثلاثة الماضية، وأصر قادته على بقائه، وعلى حيويته، رغم كل الظروف التي أحاطت بالمنطقة.
النموذج الخليجي ـ ككيان ـ يراد اليوم ” دفنه “، لتفريغ الساحة من أي عقبة أمام المخططات التي تستهدف الإضرار بدولنا الخليجية.
اعتداء ” الحوثيون ” على السعودية ربما يكون ” جس نبض ” لما هو أخطر، يحمله قادم الأيام، وهو أمر لا نتمناه، وندعو الله ـ عزوجل ـ أن يقي دولنا الخليجية كل الشرور، وأن يبطل كل المخططات التي تهدف للإساءة، والإضرار، بدولنا الخليجية، وعالمنا العربي والإسلامي.
ليس أمام دولنا الخليجية إلا الوحدة الحقيقية، والسعي الجاد نحو التكامل، والتوجه نحو تدعيم الجبهة الداخلية، ومزيد من التكاتف الجماعي، والعمل على تجاوز إخفاقات المرحلة الماضية التي رافقت بعض جوانب مسيرة المجلس،…، ليس هناك خيار حقيقي أمام دول المجلس، إلا بمزيد من الوحدة لخلق تكتل يستعصي ” كسره “، ويبعد الأطماع الخارجية من النيل منه، ويدفع عنه كل المخاطر.
الحفاظ على هذا الكيان الخليجي يتطلب الترفع عن صغائر الأمور، والنظر إلى المصالح العليا لدول وشعوب الخليج.
الدروس الصعبة التي مرت بها دول المنطقة تؤكد أنه لا خيار أمامنا إلا بخلق كيان قوي، يواجه كل العواصف التي قد تهب في أي لحظة.
الاعتداء على المملكة العربية السعودية الشقيقة هو اعتداء على دول المجلس كلها، وعلى الشعوب الخليجية كلها، والأمر ينطبق كذلك على باقي الدول الخليجية.
هناك ” أفخاخ ” تنصب للدول الخليجية، ـ وذلك ـ مما يتطلب الحذر قبل الوقوع فيها لا قدر الله، كما يتطلب العمل على إبطال ” القنابل ” الموقوتة التي تحاول بعض الأطراف زرعها في الجسد الخليجي من أجل تفجيره.
حمى الله الخليج ودوله وشعوبه من المؤمرات التي تحاك ضده.
ما تعرضت له المملكة العربية السعودية الشقيقة خلال الأيام الماضية من اعتداءات جائرة، من قبل من يطلق عليهم بـ ” الحوثيين ” على حدودها لهو أمر يتجاوز السعودية إلى ما هو أبعد من ذلك، ليشمل أمن واستقرار المنطقة برمتها.
المستهدف ليست المملكة العربية السعودية الشقيقة بحد ذاتها، بقدر ما هو استهداف لدول مجلس التعاون الخليجي بأسرها، وللمنطقة التي لا تكاد تلتقط أنفاسها، بعد استنزاف طوال العقود الثلاثة الماضية.