تأخير انتصار الثورة السوريَّة كشف «عورة» العديد من الأطراف على النظام أن يحزم أمتعته فلم يعد له مكان في سوريا
من الحِكم الربانية في تأخير انتصار الثورة السورية، وسقوط نظام بشار الأسد، انكشاف عورة مَن يؤيده ويسانده ويمدّه بالعدة والعتاد، وبالمال والسلاح، بالتخطيط والأفراد.
بعد مرور عام انكشف المستور، وتعرّت دول ومنظمات وأفراد، تقف اليوم مع الجلاد في سوريا علانية ضد الشعب المغلوب على أمره، فليست روسيا الوحيدة التي واجهت الشعب السوري بهذه العداوة، وليست الصين أيضاً، بل دول لم تخفِ دعمها الكامل للنظام السوري، كما هي الحال بالنسبة لإيران والعراق وحزب الله وأفراد ومنظمات في لبنان، وهو موقف غاية في الاستغراب، فكيف بهذه الدول، التي تتحدَّث عن الحرية ودعم الشعوب، تقف اليوم إلى جانب نظام يقتل شعبه، ويستخدم معهم أبشع أنواع الأسلحة لمجرد أنهم خرجوا مطالبين بإصلاحات؟.
كان الأمل بهذه الدول وهذه الأطراف، مهما كانت علاقات ” الصداقة ” مع النظام، أن تحاول ارشاده إلى الطريق الصحيح؛ للخروج من الوضع الذي أدخل نفسه فيه، وفي حالة عدم تجاوبه مع النصائح، فإنه من الأولى عدم ربط صورة هذه الأنظمة مع النظام السوري الآيل للسقوط مهما طال الزمن، فالشعوب هي المنتَّصرة لا محالة.
” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: ننصره إن كان مظلوماً يا رسول الله، فكيف ننصره إن كان ظالماً، قال: تأخذون على يده “.. ولكن للأسف لم نجد من أصدقاء النظام المقرَّبين له سوى الدعم والمساندة للمضي قُدماً في قتل شعبه، وتوفير الحماية للنظام عالمياً من أية معاقبة دولية.
النظام السوري زائل، وكل الرهِانات على بقاء النظام ستفشل، وسيكون هناك راسبون في هذه الثورة، التي ربما يتأخَّر انتصارها، ولكن هي منتصرة عاجلاً أو آجلاً، وأي تأخير في الانتصار سيكون في مصلحة الثورة، صحيح انه سيسقط المزيد من الشهداء، وسيكون هناك الكثير من الآهات والمآسي والآلام.. ولكن عندما تنتصر سيتغيَّر الكثير من المعادلات بالمنطقة، وستبدأ مرحلة جديدة في عمر أمتنا، مرحلة الصعود نحو استعادة الكرامة والحقوق المسلوبة.
انتصار الثورة السورية سيكمل العقد، وسيحدث انقلاباً في المحيط، فإسرائيل اليوم تحسب ألف حساب ليومٍ تنتصر فيه الثورة السورية، فها هو الصحفي الإسرائيلي عنار شيلو يقول: ” ذعر يسود أروقة الجيش الإسرائيلي من إمكانية نجاح الثورة السورية، هذه الثورة الأكثر بطولة وتصميماً، إسرائيل أكثر الدول المعنيَّة ببقاء الأسد، وحديث باراك عن قُرب سقوطه يأتي للتغطية على الرغبة الإسرائيلية، ينبغي أن نعترف بأن هذه هي ساعة الشعب السوري الجميلة وهي ليست ساعتنا الجميلة “.
قائد المستوطنين في الجولان المحتلّ داني هارئيل يقول: يجب الضغط على العالم حتى لا يساعد على إسقاط الأسد، سلوكه أسهم في ازدهار المستوطنات هنا.
رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي عاموس يادلين يتحدث عن الثورات العربية بالمجمل فيقول: ” الثورات العربية أضعفت أمريكا بشكل كارثي، وهذا بحد ذاته مصدر تهديد استراتيجي لنا “.
زميل يادلين، وهو قائد الجيش الاسرائيلي السابق جابي اشكنازي، يشير إلى أن الحريات في العالم العربي غير مرحَّب بها إسرائيليا، فيقول: ” حلول الديمقراطية في العالم العربي يتناقض مع المصلحة الإسرائيلية “.
بينما المُستشرِق اليهودي اسحاق بيلو يستذكر التاريخ، ويرجع إلى الوراء ويتحدَّث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويقول: ” عظمة الإنجازات التي حققها عمر بن الخطاب في زمن قصير تدلِّل على أن الثورات العربية يمكن أن تضع حداً لوجودنا “.
هذا الخوف والهلع الإسرائيلي قائم حاليا، وهناك مراكز أبحاث ودراسات إسرائيلية تتحدَّث عن نهوض عربي قادم، بعد هذه الثورات، واكتمال انتصار الشعب السوري، ومجيء نظام جديد يحلّ محلّ نظام الأسد يمثل خطراً داهماً على وجود إسرائيل.
حاولت إسرائيل مؤخراً التخفيف من الضغط الموجَّه إلى سوريا، عبر غارات أقدم عليها الطيران الإسرائيلي على غزة، على أمل أن تصرف الأنظار عما يحدث في سوريا، وليتيح لنظام الأسد فرصة أكبر لتنفيذ جرائمه على أمل الانتهاء من المدن التي تشكِّل عقبة أمام اجتياحه لإخماد الثورة، ولكن كانت الثورة السورية أكبر من أي عمل إجرامي يرتكبه النظام السوري أو أعوانه أو شبيحته.
كل هذه المساندة للنظام السوري لن تمنع سقوطه مهما كان حجمها وعددها، ومهما كانت الدول الواقفة والداعمة له، صحيح قد تؤخِّر سقوطه لحين، ولكن منع سقوطه أو إعادة النظام إلى ما قبل مارس 2011، أمر مستحيل.
لقد حزم الشعب السوري أمره، ولن يكون هناك تراجع عن إسقاط النظام مهما كلَّف الأمر من تضحيات، فمَن سقط له شهيد، أو تعرَّض منزله للهدم، أو أُصيب له ابن، أو شرِّدت له عائلة..، لن يقبل بغير إسقاط النظام، ورحيله، بل ومحاكمته على الجرائم التي ارتكبها بحقِّ هذا الشعب الأبي، الذي صبر كلِّ هذه السنوات والعقود، على أمل أن يُعيد النظام حساباته مع نفسه، ويصلح العلاقة مع شعبه، ولكن تمادى هذا النظام، وكان بإمكانه معالجة الأمور في بداية الثورة، التي ظلَّت تنادي بمجرد إصلاحات في النظام، وليس إسقاطه في بداية الأمر، ولكن النظام وزبانيته وأعوانه استكثروا، حتى، على الشعب المطالبة بالإصلاحات، بعد أن قتل النظام أطفالهم الأبرياء، وأسمع الشرفاء كلاماً لا يقبله أيُّ شريف على نفسه.
طالما سالت الدماء أنهارا، فلن تتوقَّف إلا برحيل النظام، وملاحقته قانونياً على الجرائم التي ارتكبها بحقِّ هذا الشعب الأعزل، طوال عام كامل من القتل والمجازر في كل مكان من أرض سوريا الطاهرة.
ساعة الصفر اقتربت.. ورحيل النظام السوري أوشك.. والنصر صبر ساعة.. والتاريخ يثبت أن الشعوب إذا ما انتفضت وثارت فإن الأنظمة لن تقف أمامها، مهما بلغ جبروتها وقوتها، فإن الشعوب في نهاية المطاف مُنتصِرة.
فعلى النظام السوري وأعوانه وشبيحته أن يحزموا أمتعتهم فلم يعد لهم مكان في سوريا.
عام انقضى على الثورة السورية.. ثورة العزة والحرية والكرامة.. ثورة قدَّمت العرق والدموع والدم، دون أن تتراجع أو يخف هديرها، أو يتوقَّف نبض أبنائها، على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها النظام السوري وما يزال، قتلاً وتدميراً وقصفاً وتشريدا..، لكن كل ذلك لم يمنع من استمرار زخم المظاهرات المندِّدة والمطالبة باسقاط النظام، الذي ظلَّ جاثماً على صدر سوريا وشعبها أكثر من 50 عاماً.