مقالات

تعلموا من تركيا

من جديد، ها هي تركيا تعلم العرب درسا جديدا في التعامل مع اسرائيل، فهل يتعظ العرب هذه المرة من هذا الدرس المجاني البليغ الذي قدمته الامة التركية في تصديها للغطرسة والعنجهية الاسرائيلية الاخيرة؟.

كل المؤشرات تتحدث ان العرب بعيدون تماما عن فهم الدرس التركي، او استيعاب معانيه، على الرغم من حاجتهم الماسة الى مثل هذه الدروس، في التعامل مع اسرائيل التي طالما وجهت “صفعات” قاسية الى العرب في اكثر من مكان، وعلى اكثر من جبهة، سواء على مستوى دول منفردة، او على مستوى الامة، دون ان تبرز وقفة جادة لتعيد للعرب هيبتهم، كما فعلت تركيا، التي بات يحسب لها الف حساب، ليس فقط بالنسبة لاسرائيل، بل لأمريكا واوروبا بأسرها.

تركيا ليست بأكبر مساحة من دول عربية كثيرة، ولا اكثر سكانا من دول عربية عديدة، فهناك دول تماثلها سكانا، ودول اخرى تقاربها سكانا، لكن لم نجد مواقف عربية تجاه اسرائيل كما فعلت القيادة التركية الحالية في اكثر من محفل، وعلى اكثر من صعيد، في وقت كان يفترض على دول عربية اتخاذ مثل هذه المواقف، لكن “تقهقر” العرب، فتقدمت تركيا، ثم نتساءل لماذا الحضور التركي يتعاظم عربيا ودوليا، فيما الدول العربية تتراجع في كل المجالات، سياسية كانت او اقتصادية..؟!

الموقف الاخير، او بمعنى اصح الانذار الاخير الذي وجهه الرئيس التركي عبدالله غول لاسرائيل بالاعتذار عما بدر منها تجاه السفير التركي قبل مساء الاربعاء الماضي، والذي انصاعت له اسرائيل مرغمة، ورضخت وهي صاغرة وذليلة، وارسلت اعتذارا مكتوبا للقيادة التركية، ليس الموقف الاول، ولن يكون الاخير، فقد سبقت هذا الموقف عدة مواقف عظيمة، اعادت لتركيا دورها وهيبتها، وربما لا تنسى الذاكرة العربية الشعبية تحديدا موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في منتدى دافوس الاقتصادي في مثل هذا الشهر من العام الماضي عندما وجه انتقادات لاذعة الى اسرائيل بحضور رئيسها بيريس، وقال عن اسرائيل انها تعرف جيدا كيف تقتل، ثم غادر الجلسة محتجا على منح وقت اكثر للرئيس الاسرائيلي فيما لم يمنح نفس الوقت، فهل لو كان زعيم عربي في نفس الموقف سيقدم على نفس الخطوة؟.

وقبل هذا الموقف بأيام سمعنا وشاهدنا الموقف التركي من العدوان الاسرائيلي على غزة، والذي جاء من خلال اردوغان كذلك، عندما قال ان الانسانية تقتل وتموت في غزة، في وقت لا اقول ان معظم العرب لزموا الصمت، انما كان هناك من العرب من شارك في الجريمة على غزة.

ورأينا كيف اقدمت تركيا في اكتوبر الماضي على الغاء مناورات عسكرية كان من المفترض ان يشارك بها سلاح الجو الاسرائيلي؛ بدعوى ان هذه الطائرات هي التي وجهت صواريخها الى اطفال ونساء وشيوخ غزة.

وللاسف انه في الوقت الذي اجبرت فيه تركيا اسرائيل على الاعتذار لها، فان هناك دولا عربية “كبرى” تحاول التخلي حتى عن فكرة الضمانات التي اتفقت اللجنة الوزارية العربية لمتابعة مبادرة السلام على طلبها من راعي السلام الامريكي، حتى تتضح الصورة الى اين العرب ذاهبون، فيكفي عقدان مما يسمى بعملية السلام مع اسرائيل، دون ان تثمر عن أي شيء، أو مكاسب فعلية على الارض للطرف الاسرائيلي، ودون ان يلتزم الطرف الامريكي بأي وعد او ضمانات فعلية، حتى الضمانات السابقة التي قدمتها الادارات الامريكية السابقة لم يتم تنفيذ اي منها، وبالتالي آن الأوان بالنسبة للعرب ان يكون لهم موقف موحد تجاه التعامل مع ما يسمى بعملية السلام، خاصة ان المبادرة العربية مضى على طرحها اكثر من 8 سنوات طرحت في قمة بيروت العربية 2002 دون ان تلتفت اليها اسرائيل او تعيرها اي اهتمام، وهو ما يعني ضرورة ان يعيد العرب دراسة مواقفهم في ضوء المستجدات على الارض، فاسرائيل واصلت عدوانها واعتداءاتها ومستوطناتها وضربها عرض الحائط بكل القرارات الاممية…

للاسف ان هناك دولا عربية تعمل من اجل اسرائيل، فما لم تستطع الدولة العبرية تنفيذه مباشرة، يتم تكليف “وكلائها” للقيام به، وهو امر في غاية الاستغراب والدهشة، الى هذه الدرجة وصل بنا الحال!.

العالم اليوم لا يحترم الا الاقوياء، ولا مكان فيه كذلك الا للاقوياء، ويظهر ان العرب حتى هذه اللحظة لم يعرفوا ولم يستوعبوا هذا الامر، ويصرون على المضي في مسيرتهم “المبعثرة”، التي يضرب كل طرف فيها الطرف العربي الآخر، وكل طرف يوالي اطرافا على حساب شقيقاته العربية.

ان الامة التركية تمثل اليوم نموذجا حيا يحتذى في كيفية التعامل مع اسرائيل، وعلى العرب الاقتداء بتركيا وقيادتها، والاقتراب منها اكثر، بدلا من “الغمز واللمز” بتعاظم الدور التركي في القضايا العربية، واعتقد ان الاتراك اليوم يمكنهم القيام بادوار ايجابية جدا في خدمة القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، التي لطالما استثمرتها العديد من الانظمة العربية “مطية” من اجل مصالحها.

يجب على العرب ان يضعوا ايديهم بأيدي القيادة التركية من اجل التصدي للغطرسة الاسرائيلية، والوقوف بوجه الاعتداءات الصهيونية، فما يجمع تركيا والعرب قضايا كثيرة، والقواسم المشتركة بينهما عديدة، وبالتالي فان التلاقي العربي التركي يمثل اليوم مطلبا وحاجة عربية ماسة، فهل يستطيع العرب استثمار الدور التركي بما يخدم قضاياهم العادلة؟

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
0
أحب تعليقاتك وآرائك،، أكتب لي انطباعك هناx
()
x