خطوات متسارعة وجادة تقوم بها الدولة حيال حفظ حقوق العمال، إن كان ذلك على صعيد التشريعات والقوانين أو بيئات العمل والسكن أو قانونية العقود والتأكد منها أو إجراءات الأمن والسلامة، وكان اخرها ما يتعلق بحفظ حقوق العمال فيما يتعلق بالأجور، وإلزام الشركات والمؤسسات التي حددت في المرحلة الأولى بنحو 55 ألف شركة بتحويل أجور عمالها إلى البنوك، وهو ما يجعل هذه الشركات تحت الرقابة المباشرة لوزارة العمل، ومعرفة تحويل هذه الأجور أولا بأول، وبالتالي سيقضى على ما كان يثار بين فترة وأخرى عن تأخير بعض الشركات تسليم عمالها رواتبهم في مطلع كل شهر.
وطالما العمل جار لتنظيم أكثر في قطاع العمل والعمال، وتوفير كل التشريعات التي تحمي حقوقهم، وهذا أمر بالتأكيد يتفق الجميع معه، صناع قرار أو قطاع الخاص ومواطنون، ويدفعون نحو المزيد من القوانين الأكثر تنظيما، فان هناك قضية ربما لا يتم الحديث عنها محليا إلا نادرا. أما دوليا، وتلك المنظمات التي دأبت على التحريض ضد قطر، واختلاق قصص “وهمية”، وإدعاءات كاذبة، عن وضع العمال في قطر، فانها لا تأتي أبدا على ذكر هذه القضية.
سوق العمل اليوم في قطر يستقطب كل المهن والجنسيات، الذين نقدر لهم دورهم وعطاءهم ومساهماتهم معنا في تنمية دولتنا، ولكن لا أحد يسأل عن مدى تخصص هؤلاء العمال في المهن التي يعملون بها، فالكثير منهم إن لم يكن الغالبية يأتي إلى قطر لكي يتعلم فيها مهنة، وهذه حقيقة.
اليوم قطاعات البناء والكهرباء والنجارة والسمكرة… وغيرها من عشرات المهن البسيطة التي يعمل بها آلاف من هؤلاء العمال، الذين وفدوا إلينا من أجل الحصول على حياة كريمة، هربا من بؤس الحياة في مجتمعاتهم، أو ندرة الوظائف في بلدانهم، وأكرر نحن نقدر لهم مساهماتهم معنا، هؤلاء ليس لديهم معرفة حقيقية بالمهن التي يعمل الكثير منهم فيها، فليس لديهم شهادات تقول إنهم قد عملوا في هذه المهن، ولا يطلب منهم تقديم ذلك، وبالتالي تكون السوق القطرية “مدرسة” لعدد كبير من العمال لتعلم مهنة ما، بمعنى “التعلم فينا”.
نعم، نحن نرغب في مساعدة هذه الشريحة الضعيفة، التي قصدت دولتنا، لكن هذا لا يمنع من الاستناد إلى شهادات خبرة أو دورات تدريبية، قبل حضورهم، تثبت أن هذا العامل الذي أتى للعمل في هذه المهنة بالفعل هو يتقنها، ولديه معرفة كافية فيها، وهذا الأمر متبع في الكثير من دول العالم، فليس أمرا مستغربا، فكما تطالبنا تلك المنظمات العمالية الدولية بتوفير بيئات عمل وسكن وتشريعات لهؤلاء العمال وهذا أمر طبيعي يأمرنا به ديننا وقيمنا وأعرافنا وأخلاقياتنا قبل هذه المنظمات، فانه من الواجب والعدالة أن هؤلاء العمال الذين يأتون إلينا يحملون شهادات أو بطاقات مهنية تثبت تمكنهم من المهن التي أتوا للعمل بها، حتى لا يتحول سوق العمل، إلى أن “كل من هب ودب ” يعمل فيه، وهو ما تترتب عليه مشاكل كثيرة، عدا الإهدار لمقدرات المجتمع، والاستنزاف للموارد المالية الحكومية وللمواطنين والمقيمين الذين يستعينون بهؤلاء العمال لاتمام عمل ما، أو إصلاح أمر ما، ثم يتحول هؤلاء المواطنون إلى “حقل تجارب” من قبل هؤلاء العمال، الذين لا خبرة لديهم بالعمل الذي يقومون به، وما أكثر هذه الشريحة المنتشرة في المجتمع وفي الأسواق، بل وعبر إعلانات تنشرها في الصحف.
أبسط الأمور، افتح صفحات الاعلانات في الصحف أو المواقع، بل حتى وسائل التواصل الاجتماعي، ستجد المئات ممن يعرضون خدمات للقيام بها، تصليح.. برمجة.. سمكرة.. صبغ.. وكهربائي.. نجارة..، وربما احيانا نفس الشخص يعرض القيام بأكثر من عمل مختلف، ولطالما وقع العديد من الأفراد ضحية مثل هؤلاء الذين يعرضون خدماتهم.
قد يقومون بانجاز العمل، لكن دون جودة، أو إصلاح أمر ما في مقابل تدمير أو تخريب آخر، وهو ما يحدث كثيرا، ويضطر الشخص الذي دعاهم لانجاز أو إصلاح عمله أن يستعين بطرف أو عامل آخر، ظنا منه أنه هو الافضل، وهكذا يدور في كثير من الأحيان في حلقة مفرغة.
انتشار هذا الامر في السوق المحلي، وتحوله إلى ظاهرة، أمر في غاية الخطورة، وهو ما يستوجب على الجهات المعنية، وتحديدا الأخوة الكرام بوزارة العمل، الذين لايألون جهدا في مساعيهم لتنظيم سوق العمل، أن يلتفتوا الى هذه القضية التي آن الأوان لبحثها بجدية، وعدم السماح سواء للأفراد أو الشركات باستقدام عمال لمجالات معينة، إلا من هم لديهم ما يثبت أنهم مؤهلون للعمل في المهنة التي أتوا للعمل بها، وعدم السماح بانتشار عمال يقومون بتأدية أعمال في كل القطاعات دون التأكد من خبراتهم في ذلك، وإلا فان الضحية ستكون الدولة والمجتمع بمواطنيه ومقيميه.
وبالمناسبة، مسؤولية هذا الأمر لا تقع فقط على الأخوة بوزارة العمل، إنما نحن الأفراد والمؤسسات نتحمل المسؤولية ايضا، فلا ينبغي الاستعانة بالشريحة العمالية التي ليس لديها الخبرة او الكفاءة واستقدامهم بدعوى أنهم أرخص، وهو امر خاطئ، فنظرية ” الأرخص ” تقود إلى تدمير العمل، وتحمل تكاليف أضعاف ما كان يمكن دفعه لو تمت الاستعانة بأيد عاملة مدربة وذات كفاءة.
إن المطلوب باعتقادي العمل على فرض وجود بطاقة مهنية للعمال الذين يتم استقدامهم، هذه البطاقة يمكن أن تتوفر بها الخبرات العملية، والممارسات والدورات التدريبية، بحيث لا يسمح للعامل أن يعمل في مجال أو مهنة ما إلا بوجودها، وهذه البطاقة تكون من أحد الشروط الواجبة للدخول الى البلد، والعمل في المجال المستقدم لاجله، وهذا باعتقادي ليس بالأمر المستحيل، كما أنه معمول به في كثير من الدول، وبذلك نحمي المجتمع من فئات لا تملك خبرة في مجال وتدعي أنها تجيد العمل فيه.
◄ آخر كلمة..
أحد الأخوة الأفاضل يخبرني أنه قام بالاستعانة بـ ” قصاب” لكي يذبح أضحية لديه بالمنزل، اتضح له أن هذا الشخص لا يعرف اتجاه القبلة، ولم يسأل عنها، لكي يوجه رأس الأضحية باتجاهها!!…
هذا أبسط شيء في هذه القضية، فما بالكم بما هو أكبر أو أكثر تعقيدا، كيف يكون أداء العامل الذي تمت الاستعانة به لاصلاح أمر ما؟!
الله أعلم